شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قتلى وجرحى ومعركة حامية (1)
(رشيد شاب في الخامسة والثلاثين من عمره لا دميم ولا جميل نحيف البنية يجلس في غرفة مربعة مضاءة بنور باهت ذات طنافس عربية وثيرة. الوقت قبل الصبح بقليل).
[المنظر الأول]
رشيد يخاطب نفسه: عليه الرحمة، لقد كان جميل الود لطيف المعشر.. كيف مات؟ لست أدري ماذا يجدي الحزن على الموتى.. آه الموت لكأنما يأخذ فرائسه من الناس على اصطفاء بارع، كيف مات سمير وهو على غضارة من شبابه الفينان..؟ هذه الليالي الماضية ما يكاد شبحه في اليقظة، ولا طيفه في المنام يريم عن عيني.. إني أراه دائماً، كأنما أسمع جرس صوته الحلو، وأرى محياه الحبيب.. ما الذي يغريني بتذكر صورته وصوته على الدوام.. أجل.. الشيطان.. عليه اللعنة.. ألا يشبع أو يمل هذا المخلوق من اللعنات؟ ما هذا الشيطان؟ احترت فيه، وسهر عيني وعذب قلبي.. تلك النفاية القذرة من المخلوقات التي تسمى إبليس.. هذا الذي أغوى آدم وحواء.. وآذاهما في أنفسهما وبينهما.. عليه اللعنة.. عليه اللعنة ليته أمامي فأبصق في وجهه [بصقة] (2) الاحتقار، هذا الأخطبوط الهائل الذي يملأ المعمورة بأرجله وأياديه الممقوتة.
(يضع خده على يده، ويهوم هنيهة، ثم يرفع رأسه فيرى -ويا لهول ما يرى- صديقه الميت سميراً أمامه، فيهلع، وتجحظ عيناه ويظل محملقاً، وتحتبس الكلمات في فمه، ثم لا يلبث أن يهذر).
ما هذا؟ أخي سمير؟ لا. كلا هل تريد أن أجن سمير! سمير! أيـ.......ـه، يا إلهي.
(الشيطان في صورة سمير): أنا الشيطان الذي تستمطر عليه اللعنات، لقد جئتك في أحب الصور إليك، إنك تلعنني دائماً، وتتذمر من وجودي كأنك أنت الذي خلقتني أو أنظرتني إلى يوم يبعثون. أتظن يا أحمق أني أنا الذي أغويكم وأضلكم يا أبناء آدم.. ما أتفه أحلامكم إنكم أنتم شياطين. بل لقد تفوقتم على الشيطان.. إني أصبحت بالنسبة إليكم فسلاً بليداً لا أصنع شيئاً، تأمل ما أظلمكم، ما أكثر تجنيكم إنكم أنتم تفسقون بالليل، وتتعبدون في النهار، وتظلمون في الخفاء، وتعدلون في العلن، ويتحدث بعضكم بالحكمة والموعظة الحسنة في النور وينهبون ويسلبون، ويكرهون الناس على غير ما يريدون في الظلام.. أنتم أنتم الآفة الكبرى والداهية العظمى.. بل أنتم تلعنونني جهراً وتتبعونني سراً، ما أظلمكم أيها الناس، بل ما أشد استباحتكم للأعراض والقيم المعنوية الصحيحة ألا.. تخجلون ويحكم؟
رشيد: ويلك إذا كنا نحن نظلمك، فمن يظلمنا إذاً؟ أتظلمنا، وتفتئت علينا؟ ألا إنها للعنة خالدة "يضحك وقد استرد جأشه" هل عندك غيرها من تحفك الغالية؟
الشيطان: عندي إن الله لو شاء لبدل أمثالكم كما قال في كتابه الكريم، حاشا الأنبياء الأكرمين.. إنكم لا تصلحون لتعمير خربة مقياسها فرسخ، فكيف بهذه الأرض التي لا يطولها طول ولا يعرضها عرض؟ حقاً إنكم لخونة للأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملتموها، فكنتم ظلمة جهلة كما قال سبحانه وتعالى.
رشيد: هل أنت متحمس؟ هات لي مصداقاً على ما تقول إنك تتظلم وأنت الظالم؛ ألا تخشى الله ويحك؟
الشيطان: ما أتفهك، وهل تفنى خشيتي من الله بعدما مضى مني؟ لقد عملتها، وكانت فعلة نادرة، ونؤت أنا بعذابها وأوصابها.. ألا ترجع إلى عقلك؟ ولكن -لا بأس- وقد أشرقت الشمس وأصبح الناس يغدون ويروحون أن أريك شيئاً ولو تافهاً مصداقاً لما قلته لك، سآتيك بعد ساعة، وسأريك حماقة أبناء جنسك!
]المنظر الثاني[
الشارع يكتظ بالرائحين والغادين، وقد أشرعت الدكاكين، وتوجد شاة مربوطة إلى وتد بالقرب من دكان لبائع حبوب.. السوق على أشده زحاماً.
رشيد: ماذا تفعل؟
الشيطان: لا شيء. أريد فقط أن أحرك هذا الوتد حتى يسهل اقتلاعه.
رشيد: وماذا بعد؟
الشيطان: وسنذهب إلى مقهى على جانب الشارع ونترقب ماذا يحدث!
الشاة تجر الوتد، فإذا هو يلعب في يدها.. تذهب الشاة فتأكل من حبوب الدكان.. يفطن صاحب الدكان إلى الشاة فيقذفها بحجر فإذا هي طريحة.. يقبل صاحب الشاة.. فيجدها منجدلة أمام دكان الحباب.. يأخذ حجراً فيرميه به وينجدل صاحب الحبوب، يأتي قوم من هنا، وقوم من هناك، فإذا هي معركة حامية بين الفريقين.. يسقط فيها عشرون قتيلاً وخمسون جريحاً!
الشيطان في ضحك متصل: أرأيت؟ من هو الذي يثير الفتنة النائمة؟ لقد غلبتموني، وجعلتموني متطوعاً فقط للسير في غباركم.. انظر إلى الدماء والقتلى والجرحى.. إنها من الناس وفي الناس ومع ذلك فإنهم إذا فرغوا، وعضوا بنان الندم واستبشعت أمامهم الجريمة، طفقوا يمطرونني باللعنات.. إنكم تستحقون هذه اللعنات أكثر من أي شيطان مريد.. إن أحدكم ليزني فإذا ندم قال: لعنة الله على الشيطان.. وإنه ليسرق، فإذا جوزي لعنني، ويكذب فيسود وجهه، فينهال علي باللعن.. اللعن المديد الأبيد.. أصلحوا أنفسكم أولاً، ولن تحتاجوا إلى شتمي.. إن الله قد شتمني، فلن تزيدوني سوء مصير، لقد انتهى أمري بيده، فما أتفهكم وأهون أمركم لو كان الأمر وحده لكم!
رشيد: مهلاً، لقد علمنا لو [كنا] (3) نعمل.. حقاً إنا نحن الشياطين، إن أهواءنا وشهواتنا ومطامعنا وأغراضنا هي الأبالسة الخفية التي تستتر منا في أثواب تختلف بين تذليل المآرب وتمهيد الوسائل وبلوغ الغايات ونيل المنصب أو إدراك الجاه.. إنها شياطين ملعونة مذمومة..
سمير.. سمير.. لقد عدت إلي يا صديقي الحبيب، عد إلي يا حبيبي لتعلمني ما لم أكن أعلمه ولو في صورة إبليس الرجيم عليه اللعنة.
الشيطان (يقهقه): ولكنه ليس له وجود. لقد اختفى ويقول: العن ما شئت.. إنكم سخفاء ضعفاء!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :282  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج