شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النهج المشروح إلى السأم من الروح (1)
هذه سجعة، ولكنها كانت قدراً مقضياً.
من يسأم من روحه؟
يسأم منها الذي لا يجد من "يواسيه، أو يسليه، أو يتوجع" -كما قال الشاعر (2) - ويسأم منها ويطيل سأمه.. من يجد نفسه فرداً بكنوز نفسه بين من لا يبالي ولا يأبه بتلك الكنوز.. ولا يقدرها بعض قدرها.
يسأم منها ويزيد في العويل رجل اتخذ له مذهباً فكرياً خالف جماعته فيه.. اتخذه عن دراسة وتعمق ولم ينجر إليه مع تقليد الجماهير، كما فعل ابن حزم، وأبو داود الظاهري، والأوزاعي، والثوري وغيرهم.
ويسأم من روحه من لم يجد الخلطاء الأصفياء الذين كأن أمزجتهم مع مزاجه ركبت من هيولى واحدة.. طينتها لازبة غير كاذبة (3) .
ويسأم منها ويكون "ملَّة طرفا" كما قال أبو تمام في بعض قصائده (4) .. إنسان يعيش -دهره- بين الإناث والصبيان، وكثيرون هم الذين يسأمون من شتى الوجوه، وعلى مختلف الأسباب.
لكن هناك من هو أعظم بلية منهم وأشد نكبة فيهم.
هو ذلك الذي يسأم من روحه بالذات، ولو اجتمعت عليه كل الملذات..
ولقد قرأت في بعض كتب التاريخ أن الإمام أحمد بن حنبل عندما امتحن بمحنة خلق القرآن وجلد في أيام المأمون والمعتصم جلداً ذريعاً مع السجن، ذكر أنه قال: لو كانت روحي في يدي لأرسلتها.. وكان يعني بذلك أنه مُصر على عقيدته الفكرية مهما أصابه من عذاب وأوصاب.
ثم أصبح بعد ذلك -هذا الإِمام الجليل- بعد أن سئم من روحه -علماً من الأعلام في مذاهب الحرية والفكر، والالتزام بقدر ما مني به عليها من الآلام.
وقد سئم لبيد العامري وزهير ومن بعدهم أمثال ابن الرومي وأبي العلاء المعري.. سئم كل هؤلاء من الحياة وطولها، والحياة معناها الروح.. فإنه لا حياة بلا روح.
وقالوا في هذا المجال وأبدعوا بما لا سبيل إلى الاستشهاد به من كثرة ما ورد إلينا حتى إن الشاهد الواحد ليغني عن ألوف الشواهد.
وبعد، فهذه هي الروح وهي من أمر الله مهما بلغ العلم الحديث والطب وتشريحاته، فإنهم مع ذلك لم يستطيعوا معرفة كنه الروح ولا حتى أن يضعوها في موقعها من جسم الإنسان، وكل ما يقال في المعاجم ودوائر المعارف من عربية وإفرنجية إنما هو تخمينات وأحداس لا يمكن أن يوثق بها.
وعلى قدر اختلاف العلماء في ماهية الروح، فإنها لا تزال موجودة مع كل نفس تتنفس، ومع ذلك فإن أحداً لا يدري أين تقع هذه الروح من جسم الكائن الحي.
أما السأم من الروح فإن الإنسان يسأم من الشيخوخة، ويمل من كثرة الأولاد على قلة الموارد، وإنه أحياناً ليسأم من أقربائه وخلصائه حتى يبلغ به السأم إلى نفسه فيود لو طرحها هينة رخيصة.
ولكن الله الذي وهب الحياة هو الذي في -نفس الوقت- منح الموت.. والموت والحياة سبيلان في الدنيا مختلفان أحدهما يرد بالشيء والآخر يصدر بمثله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :568  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.