شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صورة تتضاءل على البعد (1)
من عيد الفطر الماضي إلى هذا العيد الآتي بعد أيام طوى الزمن في غباره الدائب فئاماً من الخلطاء الأصفياء، كانوا زينة للأعياد يزيدون في رونقها ويشعشعون من جمالها..
لقد كانوا هم بذواتهم أعياداً بهية سخية لا تنقطع في كل ساعة من هذا الزمن التعس على مرور الدهارير.. وقد قال شاعر قديم:
حسب الخليطين نأي الأرض بينهما
هذا عليها.. وهذا تحتها بالي (2)
ولقد تمزقت العيون بالأحزان والقلوب بالأشجان، وما اختلف آن عن آن، ولا توقف الفلك عن الدوران.
وما بي من حاجة إلى السجع، ولكنه قد يأتي اتفاقاً.. فكيف بصده أو رده، وهل عن ذاك من معدى (3) ؟
هذا الفلك الذي يطحن الأمم ويبيد الشعوب.. اخترم الأقرباء والرفقاء، وسنتلوهم خفافاً أو ثقالاً والشمس ما تزال تشرق، والقمر ما يفتأ يسطع.. والشهور على إهلالها والسنون تمر والغابر منها لا يكر..
منذ أن تبسم أول يوم من أيام الدنيا إلى أن يبيد أبدها ويزول أزلها والإنسان وهو أشرف ما فيها.. أو كذلك يقال ومحنته فيها لا تطيقها الجبال، وهي تزلزله شر ما زلزال، ويلقى فيها عظام الأهوال وهو مع ذلك محسود من أهل الأرض والسماء.. ومنكود مزؤود منذ عهد آدم وحواء..
لقد يفقد الإنسان الذهب والجواهر والقصور البيض في الجنان الخضر، فيستبدل بها سواها أو يصبر على بلواها في نفسه إن كان دسَّاها أو زكَّاها.
لكن عزمه المحصد يهي، وعرامته الجياشة تخون، وأعصابه الفولاذية تئيض مثل العجين إذا فقد مجرد صديق.
كنت قبل نحو ثلاثين عاماً أقول من قصيدة وأنا أستعرض أنماطاً من الصحاب:
ومنهم حانق يكتظ حقداً
ألا.. لا آب من سفر رفيقُ
فعش بالمال أو بالحظ فرداً
فما تجدي الصداقة والصديق (4) ؟
لقد كان أبو نواس يسمي الصديق "شقيق النفس" (5) ..، وهي تسمية عالية الشأن، ولكن أين هو ذلك الصديق الذي تنطبق عليه هذه الصفة؟
هذا القلب الفذ النادر وسع قلوب كل البشر وأضاف إليها أرواح أهل السموات وجدوه مرة يبكي عند قبر منفرد.
قيل له من تبكي يا رسول الله؟
فقال لهم ودموعه تتسابق على خديه:
صديق يبكي صديقه (6) .
هذا هو الدرة الفريدة في كل خلائق الله من الملأ الأعلى إلى سواء الأرض.. هذا هو الحبيب الكريم صفوة الخلق "محمد بن عبد الله" يتسامى به إحساسه وهو أنبل إحساس ويصعد به شعوره إلى المناطق العليا من ملائكة "الكروبيين" ويتذكر صديقاً له طواه الردى.. وهو الذي لا تهزه الأعاصير.
صلاة عالية وتسليم زاك على سيد المرسلين.. مع هذه المنزلة عند ربه التي لا تنالها يد المتطاول كان يقول: إنما أنا عبد الله ورسوله.
هذا الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه.. ألا تراه يقدم العبودية لربه الكريم على الرسالة المصطفاة..؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :475  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج