شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاستمتاع بالنفس (1)
يقول الأولون: الوحدة خير من قرين السوء (2) ، وهذا حق! وأي قرين في هذه الأيام لا يمكن أن يكون للسوء قريناً؟
لقد انقلبت الطبائع، وذهب بالأمزجة إلى غير مذهبها الصحيح، وقد يكون لها عذر، حيث أزمت الأزمة، واستحكمت حلقاتها، وأخذ الزمن يضرب بجرانه غير راحم ولا نادم.
إن الاستمتاع بالنفس لعسير جد عسير على ذوي الألباب الجوفاء والأذهان المريضة!
وكيف يتأتى لإنسان لا يعيش إلاّ بالناس والتحدث معهم أن يخلو بنفسه، وينفرد كأنه راهب على صومعته في رأس جبل مقفر؟
كلا.. إن هذا لا يتأتى لرجل اجتماعي لبق، يستطيع أن يسحر الصالونات ويبهر النوادي، ولكن ما هذا الرجل الساحر الباهر؟
إنه أشقى الناس طراً، وأعثرهم حظاً، ولو امتد به العمر لعلمه أنه خلو الوطاب من كل ما يلذ ويفيد ويطيب.
إن الإنسان الصحيح حينما يخلو بنفسه، فإنه لا يخلو بنفس مفردة مجدبة، ولكنه يخلو بنفوس جمة خصبة، ذوات مواهب ومناقب، ومثالب ومساوئ..
لقد خالط فلاناً، وعاشر فلانة وغدا مع ذلك، وراح مع تيك، وبلى النفوس، وتذوق الأزمان، وعرف ما يسر مما يسوء، وميَّز ما يمر مما يحلو، ومضى عليه ما يمضي على إنسان مكتمل الشعور متوفر الإِحساس، تام الإدراك، صحيح الذهن، راجح العقل، فتتيح له كل هذه المواهب ما تتيح لكل امرئ رشيد في نفسه، سديد في رأيه.
ويذهب يعادل ويوازن، ويرجح ويقارن، والذكريات لها أثرها البالغ ومداها الواسع، فيستفيد من التجارب والمحن، ما لا يستفيده أولئك الغافلون الذين يمر بهم الزمن، فلا يحفلون!
لو خلوت بنفسك ساعة لعلمت أي لذة تفوز بها، وأي رأي مراش تسدده إلى هدفه، وأي حل مبهم يمكن أن تعثر عليه؟ أيقول الناس: إنك موسوس أو مجنون؟ إن "برنارد شو" يقول: إنهم يقولون ماذا يقولون؟ دعهم يقولوا؟
ولقد تسأم بعض السأم، ولكنك لن تندم أي ندم، إنك مع نفسك في نفسك كصاحب الكنز الذي يعثر عليه عفواً، فيذهب به في غير مذهب، ولكنه يحظى منه بخير مطلب!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :461  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 133 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.