شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جون ملتون (1)
عاش في العصر 17 ويعده النقاد الخبيرون من كبار شعراء الإنجليز بعد "شكسبير"، ولكنهم يأخذون عليه كونه شاعراً "كلاسيكياً" أي ينهل من ينابيع الأدب القديم، وليس عليه في هذا أي ضير فقد كان عصره متقدماً عن عصر "الرومانتزم" الذي استعرت ثورته ما بين القرنين 18-19 على أيدي أمثال جوت وروسو وبيرون ولامرتين، وقضت على نظم الأدب العتيقة ووضعت له أصولاً جديدة، فكان التجديد في الآداب العالمية -ولا سيما الشعر- أثراً من آثار تلك الثورة الجارفة! ومع هذا فما وقف خيال "ملتون" واقتداره عند حد التأثر بالقديم والعض عليه بالنواجذ، فقد ابتكر له أسلوباً خاصاً فذاً بين الكلاميزم، والتيوتوني يأخذ من كليهما محاسنهما وينبذ مساوئهما في غير تردد ولا هوادة، وقد كتب عن ملتون مئات الكتَّاب وحللوا شاعريته واختلفوا فيه، وليس يعنينا هنا غير الأثر الوحيد الذي رفعه إلى ذروة الخلود وأحله في مصاف العباقرة الأفذاذ، وذلك الأثر الرائع هو ملحمته المعجزة "الفردوس المفقود" التي كان يستوحيها وصدمات الدهر تنيخ عليه بالكلاكل إلى أن ذهب بصره عندما شارف ختامها وهي في أكثر من 10500 بيت وقد أبدع فيها وأجاد وخلق فيها من الأرواح ومثل من الصور وابتكر من المعاني ما حدا بالكثيرين إلى أن جعلوها في درجة الملاحم العالمية أمثال الإينيد لفرجيل، والساكونتالا لكاليداما، والإلياذة لهوميروس، والشاهناما للفردوسي!
وهذه القطعة عربت نثراً من "الفردوس المفقود" بقلم أحد كتَّاب مصر في عدد قديم من أعداد "السياسة الأسبوعية" وأظنه على ما أذكر -نقولا يوسف- وقد آثرنا نظمها شعراً ببعض تصرف، تدليلاً على ما ذكرناه آنفاً، وتلقيحاً لباب "الغزل العربي" بمعانٍ جميلة، واستهلالاً لطيفاً قد لا يكون لهما في الغزل العربي وجود من قبل، لا في القديم ولا في الحديث:
لحلوة هي أنفاس الصباح إذا
بدا بإشراقه، والطير مبتكرُ
والشمس أحلى وقد ألقت أشعتها
في البدء، والضوء فوق الأرض منتشرُ
العشب والشجر النامي يغازلها
والزهر يلمع بالأنداء والثمرُ
والأرض تأرج من خصب ومن عبق
من بعد ما انهل في أشرائها المطرُ
وذي الوداعة والشكران قد دلفا
مع المساء، وجاء الليل والقمرُ
يحيط بالبدر حشد من كواكبه
كأنه عاهل تعنو له الزمرُ
فكلها حلوة يلقى الفؤاد بها
أنساً ويذهب من أعماقه الكدرُ
* * *
كلا فلا الصبح لا الأطيار، إن بكرت
ولا الغزالة لا الأثمار لا الزهرُ
لا الأرض بعد الحيا جاءت معطرة
إذا جادها الصيّب المدرار ينهمرُ (2)
ولا المساء وديعاً شاكراً لبقاً
لا الليل لا البدر. لا. لا الأنجم الزهرُ
جميعها ما حلت يوماً ولا لطفت
كلا وليس لها -يا فاتني- خطرُ
ليست بدونك شيئاً يستحق هوى
ممن تروق له الأطياف والصورُ
أنت الحياة وأنت الحسن قد جمعا
وفيك أحسن ما يرنو له البصرُ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :782  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 82 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.