شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صوت الحجاز بين عهدين (1)
الآن صدرت "صوت الحجاز" منفصلة تمام الانفصال عما مضى لها من عهد غابر، فحقيق بالشباب المثقف أن يقابلها بالترحاب، ويمد إليها يد المؤازرة والتشجيع، ذلك لأنها في موقفها الحاضر تدعو إلى الرزانة في التفكير وتحض على التسامي بالآداب في وقت واحد، وما أحب إلينا -نحن القرّاء- من أن يفكر أدباؤنا ويعملوا في إخلاص للأدب وحرية في الرأي، فنتذوق من أدبهم الحي شهداً مشتاراً يفيدنا نحن ويرفعهم إلى درجة الخلود، ولا أحب إلينا كذلك من التسامي بالأدب إلى حيث يفصح عن أسرار الحياة ويعرب عن خلجات النفوس ما دق منهما وما جل، فيؤدي الرسالة التي فرض عليه أداؤها، ولن يعرف للأدب معنى ويسمو له صيت إلاّ بها.
وما الأدب؟ إن لم يكن مفتاح مغاليق الحياة يكشف لنا عما وراء الخيال من عوالم سحرية تطوف بالأطياف الرنانة وتزخر بالصور الرائعة، ولكم نأت تلك العوالم عن الوهم ودقت على التصور، فجاء الأدب الفني القوي فأسلس من قيادها وحسر عنها الحجب المسدولة فأصبحت من بعد ما كانت وراء الخيال كأنها من قوة التعبير الأدبي عنها ترفل في عالم الحقيقة الملموسة مرآة لكل نفس حساسة ومتعة لكل طرف مرتاد وراحة لكل قلب نابض.
إني الآن لأقلب صفحات "صوت الحجاز" في سنيها الثلاث التي غبرت فبماذا تحسست فيه من جديد؟ وماذا يلفت النظر فيها من أثر؟ الحق أقول: إني وقفت الآن متردداً بين تلميح وتصريح، وما من شيء أدعى إلى اطمئنان النفس من الصراحة؛ لأن الإنسان إذا صرح ولم يحجم يحس في أعماق نفسه برضاء عميق لشعوره بأنه قام بمهمته الملقاة على كاهله خير قيام، ولا أخلق بمحاسبة الصحيفة -أياً كانت- من قرائها ذلك لأنهم هم السواد الساحق وهم العامل الأول في ترويجها والإِشادة بذكرها، وأنا أزعم أني من قراء "صوت الحجاز"، فقد صدرت منذ [ثلاث] (2) سنوات خاصة بالأدب عاملة له وزاملتها في أدوارها الثلاثة غير مقصر ولا وان، وسأزاملها ما ضاعفت مشيئة الله على مزاملتها.
وبالرغم من أنها كانت مخصصة للأدب وخدمته، فإن حظ الأدب الصحيح فيها من أعقم الحظوظ، وكان صوته فيها ضئيلاً خافتاً بجانب ما يعلو فيها من أصوات المواضيع الأخرى -وما قلت الأدب الصحيح هنا إلاّ لأني أريد أن أميزه عن الأدب الكاذب الذي يخدعك لونه ولا تعجبك حقيقته، والذي يسميه سلامة موسى بمصر "الأدب الرخيص"، ويطلق عليه الأستاذ العقاد اسم "أدب الأوباش"، وبحق ما يطلق عليه هذان الاسمان؛ لأنه عبارة عن مهاترات مبتذلة تطول على غير جدوى، وأبحاث سخيفة تصاغ لغير غاية سوى حب الظهور أمام الناس بالمظهر الأجوف؛ فقد يعمد أحد "الأوباش" ليكتب في موضوع ما ثم لا يحدد الفكرة ولا يحسن التعبير عنها، ولكنه يزجي ألفاظاً يعتلمها من القاموس ويلتقطها من الذاكرة ويحشدها في صورة بحث أو دراسة وتكون مثل الركام المهيل مبعثر في غير نظام، مكدس في غير ترتيب، أو تشبه الدمنة الخضرة أو الطلل العافي ينبغي الوقوف فيهما والبكاء عليهما واستنزال الرحمات على بحث طريف وأده كاتبه وهو لم يأخذ من الحياة إلاّ نفساً قليلاً، هذا نموذج من أدب الأوباش الذي طالما تأفف منه "العقاد" وكتب ضده المقالات الطوال في جريدة "الجهاد" المصرية!
وإنك لو نقبت في مجموعة "صوت الحجاز" الماضية لتتلمس أثرها الخالد في الأدب لما وجدت أكثر من أعداد معدودة من سنتها الأولى نشر فيها في فترات قصيرة أدب صحيح يزجى به التفكير الهادئ، وتتخلله النظرات النافذة.
والجريدة لا تؤدي رسالتها وتجلو صدأ الأذهان إلاّ إذا حافظت على مبدئها وتحرزت من الشوائب، واختطت سبيلها في رزانة وتعقل واستقامة، ولم تقف موقف الطفل الغرير كل من جاءه لعب به واستهواه.
والآن وقد دخلت "صوت الحجاز" في طور جديد طور التقدم، فعلى محرريها الأساتذة الأفاضل أن يعتنوا بالدقة في ما ينشرون ويحرصوا على الإِجادة في ما يختارون، فهاتان المزيتان بلا ريب مما يكفل للجريدة رفعة مكانتها ويحببها إلى قرائها من عثارها ويوسع من دائرة شهرتها.
وليعمل كل أديب في نشاط وإخلاص تاركاً لزملائه الأدباء سبلهم وآراءهم، والإنسان موفق بحدود ما استمر على منهاج قويم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :804  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج