شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كيف كنا قبل ثلث قرن (1) ؟
لم تكن دراستي في الكتاتيب الأولية، ولا في المدرسة التي كانت تواجه باب السلام بالمسعى، ولا حتى في مدرسة الفلاح، لم تكن دراستي في كل ذلك بالكافية، ولا الشافية. لقد خرجت من كل تلك الدراسات وأنا شبه أعزل في معمعة يقعقع فيها سلاح العلم، وتتوالى فيه موجات الثقافات، تارات بعد تارات.
ولقد شدوت شيئاً من القراءة في بعض كتب الأدب التي كانت في متناول اليد حينذاك، وفي يوم من الأيام وقد بلغت سن الرشد أو أكاد، جاءني والدي (علي بن سرحان) -رحمه الله- وهو يحمل في يده كتابين: أما أحدهما فهو كتاب "أدب الدنيا والدين" للماوردي، وأما الثاني فهو كتاب "جواهر الأدب" للهاشمي، وقد كان هذا الكتاب الأخير أيام صدوره خالباً للألباب، واتفق له من الرواج ما لم يتفق لغيره في حينه.
هاتان هما هدية الوالد إلي، وقد كانتا أحب إليَّ من حمر النعم. غصت في هذين الكتابين إلى أذني، ثم فتح الفتاح وآذن بالنجاح حتى لكنت أخاف على الكتب أن آكلها بأغلفتها!
وأسبطر السير، وأخذت القافلة طريقها المحتوم إلى القراءة المستمرة والاستفادة المتصلة، والاستزادة التي لا حدود لها.. إلى اليوم وإلى أن أموت وأنا لا أزال أعتبر نفسي طالب علم، دائب الحركات والسكنات، إلى غاية من العلم لن أصلها ولو عمرت عمر نوح. وهل في العلم مشبع؟
ثم درت حول نفسي فطفقت أشتري الكتب والمجلات، وأقرؤها بدون انقطاع، ولست أحب التزيد، ولا يروقني أن أبهر الناس بغزارة اطلاعي، ولكني أقول بعد حمد الله وشكرانه: إني قد قرأت الكثير من التفاسير للقرآن الكريم، ومن أهمها: تفسير ابن كثير والبغوي وتفسير الجلالين والكشاف للزمخشري.
ولقد قرأت الستة الصحاح وهي: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، إلى شروح لها مستفيضة، وإلى كتب في الحديث أخرى، كالدارقطني، والسيوطي، وابن الجوزي، وغير ذلك.
فأما في الأدب فمن المفروض في كشاعر قديم -لا كشاعر حديث- أن أقرأ الشعر الجاهلي، ثم الشعر الإسلامي الذي يبدأ من حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، ثم ينتهي إلى الشعراء الفحول في العصر الأموي من الثلاثي المشهور (الفرزدق والأخطل وجرير) إلى الراعي والبعيث وابن الدمينة والكميت وعمران بن حطان والطِّرمَّاح بن حكيم وغيرهم من عشرات الشعراء المشهورين في تلك الحقبة.
ثم نأتي إلى العصر العباسي، وشعراؤه أكثر من أن يحيط بهم إحصاء، وأشهر من أن ينوّه بهم، ويلي هذه الطبقة كتَّاب النثر الأفذاذ من نهاية العصر الأموي إلى أواخر العصور العباسية مثل عبد الحميد الكاتب (وأنا أسميهم هنا بلا ترتيب في الزمان أو في المكان)، والجاحظ، وأبي حيان التوحيدي، وابن قدامة، وأبي هلال العسكري، والصابي، والميكالي، وابن عباد، إلى طرائف لا يحصيهم العد.
ونأتي إلى العصور المتأخرة القريبة من الحروب الصليبية فنجد أمثال: القاضي الفاضل، وابن القيم، وابن الجوزي، وابن تيمية، والسبكي، وصفي الحلي، وابن النحاس، وغيرهم مما لا تستطيع ذاكرتي أن تستوعبه.
وفي وسط بين هذا وذاك، أعلام أمثال الجبال: كابن الحجاج، وابن سُكَّرة، والثعالبي، وياقوت الحموي.
وقد قيل قريباً: إن كتب الأدب العربي تتمثل في أربعة كتب قد سار ذكرها في الخافقين، وهي:
1- الكامل للمبرد.
2- البيان والتبيين للجاحظ.
3- الأمالي لأبي علي القالي.
4- العقد الفريد لابن عبد ربه (2) .
هذا فضلاً عن كتب اللغة التي تبدأ بالقواميس والمحيطات وتنتهي بالملخصات والجذاذات أمثال: فقه اللغة للثعالبي، وغيرها من الكتب المستأخرة في اللغة العربية.
أنا لا أعد نفسي كاتباً عظيماً، ولا شاعراً كبيراً، ولكني أعتبر نفسي بكل بساطة -ولا لزوم للتواضع هنا- أعتبر نفسي قارئاً نهماً، ملتهماً لا يشبع أبداً ولا يبشم.
وسؤال إلى [أدباء] (3) الشباب، سؤال صغير، ولكنه كبير في معناه. هذا السؤال: هل قرأوا من الكتب السالفة الذكر شيئاً؟ وإن كانوا قد قرأوها فهل فهموها حق الفهم؟ وهل استمتعوا بها والتذوا منها؟
أكيد أنهم لم يقرأوها، فلمن يقرأون ليت شعري؟
إنهم يقرأون ليوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وتيمور، ونجيب محفوظ، ثم يقرأون لشراذم من الترجمات المغلوطة لكتَّاب الفرنجة الناشئين، ويقرأون الصحف العادية من هنا ومن هنالك، ثم يريدون بعد ذلك أن يتمكنوا من اللغة أشد التمكن، وأن يكتبوا لا ليصبحوا كتَّاباً فحسب، وإنما ليصبحوا أساتذة جيل ونوابغ يشار إليهم بالبنان حتى في شارع "المدَّعى" المظلوم.
هل يحسبون أن الثقافة المحيطة بعلوم العصر وفنونه كثقافة "فاوست" في قصة "جيتة"، أو كثقافة "الجاحظ" في عصره على الأقل؟
أيحسبون أن هذه الثقافة تأتي بمثل هذه القراءات اليسيرة، وتبنى على أمثال هذه المعلومات الضحلة، ثقافة أخبار "الراديو" وثقافة القصص الأسبوعية أو الشهرية التي تفجرها المطابع العربية بتضخم كبير؟
وهل الثقافة أن تظن أنك كلما أقمت سطراً أصبحت كاتباً؟ وهل الثقافة أن تقرأ طوائف من الصحف والمجلات، فتعتقد أنَّا قد أحطنا بكل شيء علماً.
هذا المقال ترى هل يصلح أن يكون جواباً على ذلك السؤال الذي فاجأتني به "دنيا الأدب"؟
أنا مولع بتحطيم أصنام الأوهام، فإذا لم يكن هناك بد من العودة، فإني لعلى أتم الاستعداد، ولكل بدء معاد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :481  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.