أنت لست على قيد الحياة
(1)
|
أنت ذاهب، وآيب، وتنظر وتأخذ وتعطي، وكل الناس يرونك ويسمعونك، ويحيون معك وفيك.. |
كلا.. أنت غير موجود، ولست على قيد الحياة، في أول كل رجب يكون العجب.. منذ السنة المالية، تنقلب الدنيا عالياً وسافلاً وتمحى الذكريات، وتموت كل المعلومات، والمفهومات تفوت، وتكون أنت غير موجود، ولست على قيد الحياة.. ولا على شرطها أيضاً. |
شق الشوارع شقاً، وخالط كل حي، حتى الخنافس.. وخاتل كل شمس وامشِ مع كل ظل.. وأزهر تحت القمر، ولا تنس حتى أن تضارب وتعارك.. |
مع كل ذلك، أنت لست موجوداً، وأنت لست على قيد الحياة.. |
واخلع ثيابك كآدم، أو فاخصفها كورق الجنة.. وكن رحماناً أو فاذهب مع الشيطان.. وطر.. أو فقع.. مع هذا كله من يقول: إنك ما تزال على قيد الحياة. |
وكل من يعرفك من أصدقاء، وجيران وأبناء عم، كله هراء.. ربما تكون شبحاً أو خيالاً أو صورة وهمية.. |
أنت غير موجود؛ لأنك موهوم في أذهان الآخرين.. |
لذلك كله، في أول كل سنة مالية -رجب- وهو العجب، يجب أن يثبت الإنسان أنه ما يزال حياً، لأجل بضع عشرات من الريالات سنوية أو شهرية. |
ولكل ذلك يمتهن الإنسان كرامته كل امتهان، وجوده لا يكفي، يجب أن يأتي بشاهدين ووراؤهما مزكيان عدلان، بأن فلاناً ما يزال يعيش.. وهذا هو بلحمه ودمه وثيابه وجلده. |
هل هناك امتهان للإنسان أكثر من ذلك؟ |
أمامك قاضي المحكمة الشرعية، وهو يعرفك شخصياً، ولكنه بموجب الأوامر المعطاة إليه، وهو يضحك، ووجهه أبلج.. أنا لا أعرفك وأنت ما تزال ميتاً أو مفقوداً أو غير موجود، وأنت أمامي بثيابك.. يلزم أن تأتينا بشاهدين يقولان ما تزال على قيد الحياة -كرة أخرى.. |
هل معنى ذلك تزهيد الناس في عوائدهم، وقطع الطريق عليهم.. وإرخاص قيمة الإنسان إلى أنه حي.. وهو غير حي.. |
لأجل عوائد ومخصصات شهرية أو سنوية تمتهن الكرامة الإنسانية هذا الامتهان.. |
أنا شخصياً حسين بن علي بن صويلح بن سرحان مستعد أن أتنازل عن كل شيء يخصني فيما عدا ما أستحقه من الراتب التقاعدي الذي أستحقه بموجب خدمتي للحكومة طيلة نصف عمري بل أكثر.. |
ولكن هذه الكلمة التي يكتبها بقلمه حسين سرحان في هدأة من الليل هل تثبت أنه ما يزال على قيد الحياة.؟ |
قد لا يكون ذلك، وقد لا يصح، ولكنه على شرط الحياة -وليس على قيدها- أشد ما يكون توهجاً للحياة.. واحتمالاً لأعبائها وإن فاتته مخصصاته وعوائده الشهرية والسنوية من مال ومن حطام. |
|