شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من ركن الزاوية (1)
محلاتي التي أجلس فيها بالسوق تشبه أركان الزوايا، فحيثما أنظر أجد أمامي "مثلثاً" قد لا تكون أضلاعه حادة، وأرى أصنافاً غفيرة من الناس تصطدم ببعض وتتجمع وتتفرق، وتلتئم وتنصدع؛ فيخيل إليك أنهم في "كرنفال" شائق من تباين أزيائهم وتنوع مظاهرهم وتناقض صورهم، واختلاف مشاهم (بكسر الميم جمع مشية) وتوزع ألوان السرور والحزن والغضب والرضا والسماحة والشراسة على وجوههم.
إن عواطف الناس مقذوفة أمامهم، كالبنادق التي تقذف بالخراطيش الفارغة بعد انطلاق محتوياتها النارية. لقد رأيت مرة صديقاً طال بي عهده فأحببت أن أسلم عليه ولكني رأيت وجهه أشبه بالكوب الأحمر المقلوب انتفاخاً واحمراراً فخفت منه، وتنحيت عنه، ولقد خطر لي ببال أن "أضرب" له سلاماً على طريقة الجنود، فخشيت أن يحسبها "طرقعة" فيضربني بما في يده، أفتدري ماذا كان في يده؟ لقد كان في يده مجموعة طيبة مما يوضع في الأقدام! فعدلت أخيراً، وأخوك مكره وغير بطل أيضاً!
وشهدت يوماً خمس خصومات في مكان واحد احتشد لها ما لا يقل عن مائة شخص، ولقد كان كثير من الناس يتركون زنابيلهم أو صبيانهم، ويهرعون إليها، لا ليصلحوا بين المتخاصمين ولكن ليشتركوا فيها، ويزيدوها أواراً.. وفيم هذه الخصومات؟ لم تكن بالطبع لإقرار حق ولا لإزهاق باطل، ولم تكن أيضاً في سبيل فلسطين مع الأسف؛ ولكنها كانت مما تغري بها حماقات الصائمين، وتبعث عليها أمزجتهم المهتاجة التي تعدو أطوارها قبيل كل مغرب، وليس الناس كلهم يعرفون حديث رسول الله عليه السلام الذي يقول: وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم (2) ، وليس الناس أيضاً كلهم ممن يقرؤون حديث الصيام للأستاذ الجليل ابن مانع (3) .
إن أكثر الناس لا يقرأ؟
وأكثر من يقرأ لا يفهم.
وأكثر من يفهم لا يعمل.
فأما الذين قد يعملون عن إيمان خالص فهم جاهلون فانظر إلى العقدة التي تصدر عن العلم والجهل معاً!
ولست أستثني نفسي، فأنا من هؤلاء الناس لسوء الحظ، ولقد كنت قنوعاً، فأود لو أني كنت من مخلوقات الله التي تأتي دونهم مرتبة؛ إن لم أكن مخلوقاً على الإطلاق. ولقد غضبت على صديق في أول رمضان لأمر تافه أتفه ممن غضب من أجله فجزمت ألا أكلمه مدى العمر، ولكني عندما أفطرت في المغرب وامتلأت أمعائي وعاد إلي عقلي الذي لا يدور إلاّ مع "الدورة الهضمية" فيما أرجح -أسفت كل الأسف واعتبرت أن عمري قد لا يزيد عن يوم أو ساعة فرجعت إلى صديقي، واصطلحت معه واعتذرت إليه!
إن أمزجة بعض الصائمين تتحول في رمضان إلى زجاج سخيف تافه سهل الانحطام، فمن لا يثور في السوق قد يثور في بيته على أهله وصبيته.
إن من تقول له "السلام عليكم" يمتد طوله إلى السماء ويملأ عرضه الأفق، ويقول لك: ماذا تقول؟ من أنت حتى تكلمني؟ فأتضاءل أنا -لا أنت يا سيدي- إلى أصغر من حجم الخنفساء، وأقول له:
كلا كلا يا سيدي، إن أمركم مطاع فأي خدمة تلزمكم؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :489  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج