المقدمة |
(1) |
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: |
ففي عام 1405هـ -تقريباً- أثناء دراستي الجامعية في كلية الآداب -جامعة الملك سعود- وقع في يدي كتاب بعنوان من "مقالات حسين سرحان"، ولم أعلم وقتذاك من هو حسين سرحان، وما مكانته الأدبية. |
طالعت الفهرس، وإذا بي مشدود إلى قراءته، وحين أكملت القراءة ظمئت نفسي للمزيد. ولست بمستطيع الآن أن أحدد مصدر الإعجاب، وإن كنت أظن أن السخرية والسهولة هما الجاذبان للقراءة والتطلع إلى كتاب آخر له. |
وبينا كنت أبحث عن مؤلفاته، طالعتنا جريدة الرياض في عام 1406هـ بمقالة له، وإذا بعدد من الكتَّاب يُبدون فرحتهم بعودته إلى الكتابة بعد انقطاع طويل، وإذا الصحف تُفيض في الثناء عليه وتنوه بمنزلته الأدبية. |
ومن هنا بدأت رحلتي مع السرحان قارئاً نهماً لكل ما يكتب، ومما يزيد في سعادتي وأنا أسترجع تلك الذكريات أن إعجابي به كان موضوعياً لم يكن وراءه نصيحة أستاذ، أو ثناء صحيفة، أو دراسة عن أدبه. |
وإذ تعلقت بأدبه، تاقت نفسي للقاء به بشكل شخصي وتسجيل لقاء إذاعي معه، وهكذا كان حيث اُنتدبت في عام 1412هـ إلى مكة المكرمة، وسجلت معه لقاء قصيراً بحسب طلبه، ثم نشرته بعد وفاته في جريدة المسائية. |
(2) |
إذ أهمل حسين سرحان -رحمه الله- نثره فلم يُجمع إلاّ جزء يسير في حياته عن طريق أحد محبيه، ولم تنجح المقترحات التي أبداها بعض الكتّاب لجمع نصوصه في كتب، وبخاصة عقب وفاته، ومرت السنون دون أن تتولى مؤسسة أو فرد هذه المهمة، رأيت أن من واجب الدرس الجامعي العالي النهوض بهذا العبء مهما كانت العوائق. |
وقد اعتمدت في جمع إنتاج السرحان النثري على مجموعة من المصادر، وفي مقدمتها الصحف والمجلات، ثم الكتب، ولعلّها لا تزيد على أربعة كتب، وهي: من مقالات حسين سرحان، وفي الأدب والحرب، والموسوعة الأدبية، وبلادنا والزيت، إضافة إلى ديوانه "أجنحة بلا ريش". |
فالكتاب الأول يضم أربعاً وخمسين مقالة، والثاني مقالة واحدة، والثالث ثلاث مقالات، وهي: أفكار من الهلام، وأنا بين الداء والأدواء، والحياة مع الأموات، والرابع مقالة واحدة، وأما الديوان ففيه مقالة واحدة. |
وقد استطعت الحصول على أصول هذه المقالات جميعاً، باستثناء مقالة "أنا بين الداء والأدواء" التي انفرد بها مؤلف الموسوعة الأدبية ولم أهتد إلى المطبوعة التي نشرتها. |
وفي الوقت الذي حصلت فيه على مقال "أفكار من الهلام" بخط المؤلف، لم أستطع الوصول إليه منشوراً في الصحف، واكتفيت بالإشارة إلى الموسوعة. |
ولقد أنفقت ما يقرب من سنتين في الجمع متردداً على المكتبات العامة والخاصة، وفي مقدمتها المكتبات الجامعية، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة معهد الإدارة العامة، ومكتبة الحرم المكي الشريف، ومكتبة قيس. |
على أنني حصلت على بعض المقالات من أسرته في مكة المكرمة، وحصلت كذلك على بعض المقالات المخطوطة، وعلى مقالات لم تنشر -حسب علمي. |
وبينما لقيت عوناً واضحاً من بعض المكتبات وتسهيلاً للمهمة بتصوير المتوافر لديهم مما أطلب، واجهتني في بعضها قيود تحدد عدد الأوراق المطلوب تصويرها بحيث لا تزيد على أربع أو خمس، وتمنع الاطلاع على المطبوعات في صورتها الأصلية، والاكتفاء بمطالعتها عبر "الميكروفيلم" مما يعوق عملية التحقق من بعض الكلمات في النصوص، أو في توثيق معلوماتها "الببلوجرافية". |
ولم أكتف في سياق الجمع بالمراجع التي دلتني على بعض النصوص، إذ استعنت -إلى جانب ذلك- بالتقليب العشوائي لعدد من المطبوعات في أعدادها القديمة، وكانت النتائج مثيرة حيث عثرت على عدد هائل من المقالات، وبخاصة في "البلاد" السعودية، وعكاظ، وسواهما من مطبوعات. |
على أنني رجعت بخفي حنين حينما قلّبت صفحات مجلة اليمامة في أعدادها الأولى، فلم أظفر بشيء. |
وكان لا بد من تحديد فترة زمنية للجمع، وإلاّ لضاع الوقت دون جدوى أحياناً، فلقد بحثت عن مقالين أشار لهما السرحان في بعض مقالاته فلم أستطع الحصول عليهما؛ ولذلك أوقفت الجمع وتهيأت للخطوة التالية، وهي التصنيف. |
نعم التصنيف، ولكن كيف نبدأ وبين أيدينا ما يقرب من ثلاثمائة نص؟ |
إذن لا بد من القراءة الأولى لهذه النصوص للتعرف على مضامينها، ومن ثم محاولة فرزها لتكون المتشابهات في ملف مستقل. وهكذا كان، فكل مقالة تتكشف مضامينها بوضوح توضع مع ما يماثلها، ولكن هناك من النصوص ما لا يستجيب سريعاً للتصنيف، ويبالغ في التمنع، فقد يكون النص اجتماعياً/أدبياً في الوقت نفسه، وقد يكون ذاتياً/تأملياً في الوقت ذاته، وهكذا. |
وليس بد من الجزم والتغلب على التردد مهما كلّف من طاقة في إعادة القراءة وإمعان النظر، فالمعول عليه الأغلبية في فكر المقالة واتجاهها. |
ووسط الحيرة تجاه بعض النصوص ونقلها من ملف إلى آخر، ظهرت صعوبة أخرى، وهي وجود مقالات يجمعها مضمون متقارب ولكن ليس لها مصطلح معين متفق عليه، ومثال ذلك: مقالاته التي جاءت على شكل رسائل، ومقالاته التي يتحدث فيها عن أشخاص حيث وضعت الأولى تحت عنوان "الرسائل المقالية"، والأخرى تحت عنوان "مقالة الشخصية". |
وحين فرغت من هذه الخطوة، انتقلت إلى أخرى حيث اعتمدت الكثرة مقياساً للترتيب، فجاءت المقالة الاجتماعية في المقدمة، ثم الذاتية، فالأدبية، والقصصية، وهكذا. |
وقد بلغت الاجتماعية خمساً وأربعين، في حين لم نعثر إلاّ على اثنتين من المقالات التاريخية. |
أما ترتيب المقالات التي يجمعها موضوع واحد، فقد اعتمدت على الأقدمية في تاريخ النشر، بحيث يكون المقال الأول أسبقها نشراً في الصحف والمجلات، فالذي يليه، وهكذا. |
وقد طبقت هذا المنهج على القصة، وعلى نقد الكتب وتقريظها، وعلى المقابلات والأجوبة. |
أما توثيق هذه النصوص فقد جاء على النحو التالي:
|
1- البدء بكلمة "المصدر"، ثم تحديد المطبوعة أو الكتاب المستقى منه أو منها النص. |
فإن كان المصدر جريدة أو مجلة ذكرت رقم العدد أو المجلد، والتاريخ الهجري، ثم رقم الصفحة. |
وإذا كان كتاباً أثبت اسمه كاملاً ومؤلفه، ورقم الطبعة، وتاريخ النشر، والدار الناشرة. |
وإذا تعدد نشر النص في مطبوعة ثم في كتاب أشرت إليهما معاً، مقدماً المصدر الأول. |
2- العناية بعلامات الترقيم، ووضعها في أماكنها بكل دقة واهتمام، وبخاصة أن الصحف والمجلات تتساهل كثيراً في إثباتها، وهي المصدر الأول لنثره. |
3- وضع عناوين لبعض المقالات التي جاءت خلواً من ذلك، وبخاصة إجاباته عن بعض الأسئلة ضمن استفتاء مجلة أو جريدة، وهي قليلة -على أي حال. |
وتمييزاً لها عن عناوينه وضعتها بين معقوفتين [ ]، وكذلك كنت أضع حين أضيف كلمة أو كلمات إلى النص يتطلبها السياق والمعنى. |
4- تصويب عدد من الأخطاء الطباعية بالاستعانة بصور المقالات بخط المؤلف، أو بمراجعة بعض الكتب أو المعاجم، وتصويب بعض الأخطاء اللغوية، والتنبيه على كل ذلك في الحاشية باستخدام المعقوفتين. |
5- التعريف الموجز ببعض الشخصيات التي ترد، والاقتصار في معظم الأحيان على ذكر الاسم كاملاً حين يرد في المتن ناقصاً، وتحديد ولادته ووفاته، والإشارة إلى واحد من مصادر ترجمته لمن يريد الاستزادة. |
6- ربط المقالات بعضها ببعض حين يشير السرحان إلى أنه تناول موضوعاً معيناً في موضع آخر. |
7- شرح بعض الكلمات الغريبة في الحاشية بالاستعانة بكتب اللغة المعتمدة. |
وقد أحوجني ذلك إلى مراجعة عدد كبير من المصادر والمراجع تزيد على مائتين، معظمها دواوين شعرية. |
ولعلي هنا أزجي خالص الشكر إلى أستاذي العزيز الدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان، وإلى زميلي العزيز الدكتور عبد الله بن سليم الرشيد. |
ومن المستحقين للشكر: أسرة حسين سرحان، وبخاصة زامل بن ناصر السرحان، وعلي بن سعد السرحان، فلقد لقيت منهما -تحديداً- كل مساندة وتشجيع واهتمام إبّان رحلاتي العلمية الثلاث إلى مكة المكرمة والتي كانت في صيف عام 1418هـ، وفي شعبان من عام 1419هـ، وفي رمضان من عام 1421هـ، وخلال لقاءاتي المتعددة بهما في مدينة الرياض. |
(3) |
في عام 1423هـ نوقشت رسالتي في الدكتوراه، وعنوانها "آثار حسين سرحان النثرية: جمعاً وتصنيفاً ودراسة" بإشراف أستاذنا الدكتور إبراهيم الفوزان، ثم تولى النادي الأدبي بالرياض مشكوراً إبان رئاسة الدكتور محمد الربيّع له طباعة الرسالة في ثلاثة مجلدات، وذلك في عام 1426هـ/2005م. |
وعقب طباعة الرسالة وأثناء إعدادي لبعض البحوث عن بعض الشخصيات الأدبية السعودية وانغماسي في الصحف والمجلات القديمة، عثرت على بعض المقالات لحسين سرحان في جريدة حراء واليمامة والندوة واقرأ، وهي ثماني مقالات؛ مما جعل النية تتجه إلى إعادة طباعة الكتاب مضافاً إليه هذه المقالات التي لم تكن موجودة في الطبعة الأولى. والمقالات هي: الصحة والمرض (حلقتان)، وأدوية تمرض وتفقر، الخمسون، محمود عارف، شهريار الحديث، مأساة فلسطين، الكسل وحلاوته. |
ومضت الأيام وإذا باتصال من مكتب الشيخ عبد المقصود خوجه بجدة يتضمن الرغبة في طباعة الأعمال الكاملة لحسين سرحان الشعرية والنثرية على السواء، وهي لفتة وفاء تذكر فتشكر للشيخ عبد المقصود، فقد عرف عنه وفاؤه لجيل أبيه الأديب محمد سعيد عبد المقصود خوجه رحمه الله الذي ألف بالاشتراك مع زميله عبد الله بلخير كتاب "وحي الصحراء" الصادر في طبعته الأولى عام 1355هـ، ومن بين المترجم لهم فيه حسين سرحان رحمه الله. |
وبعد، فيسرني نيابة عن أسرة حسين سرحان، وعن محبيه ودارسي أدبه أن أتقدم بالشكر والتقدير للشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على تبنيه طباعة الأعمال الكاملة لحسين سرحان وإتاحتها لعشاق الأدب في العالم العربي، وأسأل الله عز وجل أن يجزيه خير الجزاء. |
|