المسلمون الزنوج في أمريكا |
الدكتور ج. أريك |
تعريب: عمر الديراوي |
منذ أكثر من أسبوع وفي مدينة نيويورك اغتيل "مالكولم إكس" أحد الزعماء البارزين للحركة التي يسمونها حركة المسلمين الزنوج! |
وقد أثار هذا الحادث الرهيب الكثير من التعليقات حول هذه الحركة المسماة بالإسلامية. |
هذه الحركة التي يقوم بها من سنوات فريق كبير من الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية. |
ويتساءل الناس -وما أكثر ما يتساءلون- هل هذه الحركة إسلامية حقاً؟ |
أم هي لا تمت بأية صلة للإسلام.. وإنما كل ما فيها مجرد الاسم؟ ومجرد الادعاء! |
والواقع أنه لم يثبت، ولا يمكن أن يثبت أن هذه الحركة حركة إسلامية فعلاً. |
لم يثبت لأن أول دليل قاطع على عدم هذا الثبوت.. ادعاء زعماء الحركة أن المدعو "أليجا محمد" زعيمهم الأكبر نبي ورسول. |
وإذن -فما هو السر الذي يدفع بأصحاب هذه الحركة إلى التمسح بالإسلام؟ |
في حين أنها ليست أكثر من حركة قومية "عرقية" ليس لها من هدف سواء في المدى القريب -أو البعيد- سوى أن تحقق ما تطمح إليه من الانفصال عن حكومة أمريكا، ومن ثم إقامة دولتهم المستقلة هناك.. |
نعم إن هذه الحركة ليست سوى حركة قومية محضة بعيدة كل البعد عن أية فكرة إسلامية.. وليس من شك في أنها نشأت في أمريكا كنتيجة حتمية لهذا الذي لا يزال الزنوج الأمريكيون يعانونه منذ زمن طويل من قسوة التمييز العنصري. |
ما هو السر -إذن- في إصرار زعماء هذه الحركة على تسمية حركتهم هذه بالحركة الإسلامية؟ |
يبدو لنا أن السر في ذلك هو: أولاً: شعور القائمين على هذه الحركة بأنه لا بد أن ينضوي تحت لواء حركتهم جميع الزنوج القاطنين في أمريكا! |
ولما كان أكثر هؤلاء الزنوج يدينون بالمسيحية وهم يرفضون أن يكونوا لا دينيين.. وليس من مصلحة الحركة في رأي القائمين عليها أن يظل هؤلاء الزنوج المتدينون متمسكين بالدين الذي يدين به الرجل الأبيض.. كان لا بد إذن من حل.. أو بمعنى آخر كان لا بد من "بديل" تقدمه الحركة لهؤلاء الزنوج المسيحيين.. بدلاً من المسيحية.. وإذن فليس سوى الإسلام! |
ولم يكن غريباً بعد هذا أن ينضم عشرات الآلاف من الزنوج المسيحيين إلى الحركة الإسلامية! |
الأمر الثاني أن إضفاء اسم الإسلام على هذه الحركة يضمن لها مائة في المائة تأييد ملايين المسلمين في آسيا وأفريقيا. |
الغرض الحقيقي |
نعم هذا هو -فيما يبدو- سر اهتمام أصحاب هذه الحركة بإضفاء الطابع الإسلامي على حركتهم الانفصالية هذه.. مع أنها ليست في حقيقتها سوى حركة قومية "عرقية" محضة كما سبق أن قلنا. |
ولعلّ هذا الكتاب "المسلمون الزنوج في أمريكا" هو أوسع ما صدر عن هذه الحركة حتى الآن في اللغة العربية. |
إنه وثيقة مفصلة -بحق- كما يقول الناشرون للكتاب في ترجمته العربية "دار العلم للملايين في بيروت" وثيقة مفصلة عن هذه الحركة "التي لم يكتف زعماؤها باستجداء العطف من البيض والمساواة بهم، بل ذهبوا إلى حد القول بأن السود الأمريكيين متفوقون على مواطنيهم البيض، وإلى حد المطالبة بأن تكون لهم في قلب الولايات المتحدة الأمريكية خمس ولايات على الأقل، على ترابها يقيمون دولة زنجية مستقلة استقلالاً كاملاً". |
وعلى الرغم من أن الطبعة الأولى للترجمة العربية لهذا الكتاب ظهرت مؤخراً في عام 1964م، إلا أنه لا يوجد فيها أية إشارة إلى الخلاف الذي قيل إنه وقع بين "أليجا محمد" الزعيم الأكبر لهذه الحركة في الوقت الحاضر وبين الزعيم الآخر "مالكوم إكس" الذي وقع عليه حادث الاغتيال الأخير. على أننا لا نستبعد أن يكون ما لقيه "مالكوم إكس" من مصير سيئ.. في مدينة نيويورك بالأمس نتيجة لخلافه مع الزعيم الأكبر للحركة إن صح ما تردده الصحف من أنه خرج على تعاليم الزعيم وأنكر نبوته منذ أن عاد من رحلته المعروفة في البلاد العربية. |
والآن فلنعرض لهذا الكتاب محاولين أن نلم بأهم ما يعني القارئ عن موطن هذه الحركة من أخبار نشاطها وما ترمي إليه من هدف. |
* * * |
الحركة عرقية عنصرية |
يصف المؤلف هذه الحركة بأنها عرقية "عنصرية"، وهي تضم ما يقرب من المائة ألف عضو عامل كلهم من السود.. ويقول: تتنامى هذه الحركة بسرعة مذهلة بين ظهراني الأمة كما تتخذ طابعاً شعبياً واسعاً. ففي عام 1960 أصبح لدى المسلمين الزنوج أكثر من تسعة وستين مسجداً وفرعاً منتشرة في سبع وعشرين ولاية من ولايات أمريكا -مبتدئة من كاليفورنيا حتى فلوريدا، وتحت قيادة الحاج محمد- هذا الزعيم الذي يحظى بالتجلة والترحيب من الألوف من أتباعه والذي خلع عليه لقب "الرجل الأسود الذي يخاف -بضم الياء- في أمريكا" استطاعت حركة المسلمين الزنوج أن تجد لنفسها أذناً صاغية، وتشق طريقها إلى قلوب عناصر بارزة كثيرة من السود في الولايات المتحدة. |
وأهم أهداف هذه الحركة ضمان تمتع المسلمين السود بحق الاستقلال التام في واحدة من الولايات الأمريكية.. لكن رقعة الأرض التي يطلبونها تكاد تعدل خمس مساحة الولايات المتحدة بأسرها. |
ويؤكد جميع المراقبين بأن شيئاً ما، خطيراً سيحدث في المستقبل القريب، كما يسود الاعتقاد بأن الحركة ستثور على التمييز العنصري. وترد على كل عنف بعنف مثله. |
وتبقى الأسئلة تدور.. وتطلب الجواب الشافي: |
كيف بدأت هذه الحركة؟ |
وما معنى حركة المسلمين السود؟ |
ما نوع الأشخاص المنضمين إليها؟ |
وما هي أهدافها؟ |
أجوبة المراقبين |
يجمع المراقبون على أن عدد أعضاء الحركة في ازدياد مستمر.. غير أن البعض من قادة الزنوج يؤكدون أن هذا التضخم العددي قد بلغ أوجه.. وسرعان ما تبدأ الحركة بالتدهور إلى أن تنهار.. ويقول مراقبون آخرون إن الحركة ستظل تنمو وسيبقى الحاج محمد يجر وراءه الألوف من الزنوج يشهدون اجتماعاته ويطيعون أوامره. |
ولكن.. لماذا يهرع الناس إليه؟ وماذا يبغون؟ |
لا بد لنا كي نتمكّن من الإجابة على هذه الأسئلة من أن ندرس واقع المجتمع الأمريكي المعاصر وتركيبه.. وأن نفهم وضع الزنوج الأمريكيين فيه على الخصوص، ذلك الوضع الذي يزداد تعقيداً فيزداد الذين يعانون منه مظالمه سخطاً. |
لم يكن السود شيئاً يذكر |
قال أحد شيوخهم: "لم نكن نحن السود شيئاً يذكر.. كنا نشكل الاحتياطي لمن هب ودب من البيض.. أما الآن فقد تغير الحال وأصبح لدينا ما نقوله. وسنقوله بأعلى صوت.. وعلى مسمع من العالم كله..". |
لا شك أن أي زنجي مثقف سيشعر بالسعادة والاطمئنان حين يرى أن المستقبل أمامه مفتوح على مصراعيه، وأن سبل التطور والتقدم لم تغلق في وجهه وهذا مالكولم إكس، أكثر شيوخ المسلمين السود حماسة يقول: |
"سرعان ما يوصد الناس الأبواب في وجهك حين تقول إنك زنجي.. ذلك أنك قد وقعت في المصيدة دون النظر إلى الكفاءات التي تحملها، حتى ولو كنت من خريجي جامعة هارفارد". |
وليس المسلمون وحدهم هم الذين يحملون هذه المشاعر.. فها هي الدكتورة حنه هيوجمان المساعدة الإدارية لرئيس بلدية نيويورك "واجنر" تشكو مر الشكوى على شاشة التلفزيون وتقول: |
"لا سبيل أمامك للنجاح إلاّ إذا كنت أبيض البشرة، أزرق العينين، أشقر الشعر، ولست أدري لماذا أجد البيض منغلقين على أنفسهم بخصوص هذه المسألة؟". |
الدعوة تستغل جميع الثغرات |
من مثل هذه المواقف يستطيع الباحث أن ينفذ إلى حركة المسلمين السود فقد انطلقت الدعوة لهذه الحركة مستغلة جميع الثغرات ونقاط الضعف في المجتمع الأمريكي منددة بالخطر الذي يتهدد الزنوج، مذكرة إياهم بالظلم الاجتماعي الواقع على رؤوسهم وبذلك استطاعت أن تلف من حولها جماهير غفيرة من الزنوج. |
إن أبرز ما يميز مشكلة التفرقة العنصرية في أيامنا هذه هو اتساع أفق الزنجي الأمريكي من الحدود المحلية إلى الصعيد العالمي.. لقد شهدت الحرب العالمية الثانية نهاية الاستعمار الغربي، وأشارت إلى قرب تدهور فلسفته الاستعمارية التي سادت العلاقات الدولية قبل الحرب، وأصبح التصميم على نيل الحرية والاستقلال لملايين الشعوب المستعمرة هو أبرز قضايا العصر الحاضر.. فقد ألقى المندوب الفرنسي في هيئة الأمم المتحدة حين إعلان استقلال الكاميرون خطاباً أشار فيه إلى أنه لا ضرورة لأن يأتي الاستقلال عن طريق العنف والثورة، ويجب علينا نحن الدول الكبيرة ألا ننتظر حدوث مثل هذا الأمر. |
نهوض القارة السوداء وعلاقتها بالحركة |
إن سبع عشرة دولة أفريقية نالت استقلالها بشكل سلمي عام 1960 ومعنى ذلك أن القارة السوداء قد نهضت لتمثل مكانها على مسرح الأحداث في هذا العالم، فتسلطت عليها الأضواء في كل مكان، وقد صدق بعض المراقبين الذين أطلقوا اسم "عام أفريقيا" على سنة 1960. |
ولا شك أن نهضة القارة الإفريقية وتحررها كان عاملاً حيوياً في نفاذ صبر الزنوج الأمريكيين، واستثارتهم لتغيير واقعهم المرير. |
وهناك شعور عام بين الزنوج في أمريكا بأن الشعوب الملونة في العالم تنتظر منهم أن يثبتوا أنهم مواطنون جديرون بالحياة.. وعليهم أن يثبتوا رجولتهم.. وهذا يخلق فيهم تصميماً على أن يتخطوا الصفوف الخلفية ويحتلوا "الدرجة الأولى" مهما كان الثمن. والدرجة الأولى في وسائل السفر الأمريكية تعني الحكم الذاتي السياسي، والاجتماعي، ودولة للسود في قلب أمريكا، في مفهوم الزنوج. |
الزعيم الأول للحركة |
في عام 1930 وفي مدينة ديترويت ظهر لأول مرة في أحيائها الزنجية المؤسس الأول لحركة المسلمين الزنوج. |
إنه "مستر فاراد محمد" الذي أطلق على نفسه هذا الاسم أحياناً.. ووصف نفسه بأنه: |
"رسول العناية الربانية لإيقاظ أبناء عمومته السود، وتوحيد طاقاتهم إلى أقصى مدى.. للتخلص من استعباد الرجل الأزرق العينين". |
وقد فزع الزنوج الأميون الذين استمعوا إليه من جرأته النادرة في مهاجمة البيض، واستولت عليهم تلك الصفة فيه، شأنهم شأن المائة ألف زنجي الذين عقدوا له ولاءهم فيما بعد، أما هو فقد بصرهم بحدة المظالم الاجتماعية الواقعة عليهم، فصارت نفوسهم أميل إلى القلق، وصاروا ينشدون واقعاً جديداً. |
واستمر "فارد" في نشر تعاليمه، وفي الهجوم على أخلاق الرجل الأبيض.. ثم مقارنة ذلك مع التاريخ المجيد للسود في آسيا وأفريقيا. |
وكثيراً ما كان يقول لهم: "إن أقوال الرجل الأبيض لا يجوز أن تقبل على علاتها كحقيقة مسلم بها، وذلك لأن البيض لا يتكلمون الصدق". |
وقد تطورت حركة "فاراد" ونمت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الأولى من نشاطه فتمكّن صاحبها من التخلي عن النشاط العملي في القيادة لاتباعه القياديين. |
وكان "فاراد" قد بنى المسجد الأول وحدد أصول العبادة فيه، كما أسس جماعة إسلامية تضم صفوفاً ابتدائية وثانوية، تكرس نشاطها في تدريس الرياضيات وعلم الفلك، وأوجد صفوفاً تدريبية للبنات المسلمات يتعلمن فيها أصول التدبير المنزلي، وكيف تصبح الواحدة منهن أماً مثالية وزوجة صالحة.. وبالإضافة إلى ما سبق، أنشأ "فاراد" نوعاً من التنظيم العسكري أطلق على المنتسبين إليه اسم "زهرة الإسلام" رداً على مضايقات الأعداء والشرطة والمناوئين للحركة، ودرب أفرادها على استعمال السلاح، كما عيّن مسؤولاً لقيادة المنظمة يساعده في ذلك عدد من الدعاة "الشيوخ" الذين دربهم بنفسه.. وبعد كل هذه الترتيبات انسل "فاراد" مؤثراً الاختفاء، وعدم الظهور أمام الجماهير. |
تطور الحركة |
كان أليجا "الحاج محمد" أحد القادة الأولين الذين اختارهم "فاراد" وكان والده قد هاجر مصطحباً عائلته من جورجيا عام 1920. |
وكرّس الحاج محمد نفسه لخدمة "فاراد" والحركة، وأصبح موضع ثقة مطلقة عند "فاراد" رغم معارضة بعض قادة الحركة الآخرين.. وحين ارتأى مؤسس الحركة أن يعين رئيساً لحركته كان محمد هو المرشح لهذا المنصب فتم تعيينه عام 1934. |
وقد تطورت حركة المسلمين السود، تحت قيادة "الحاج محمد" إذ منحهم المساجد والمدارس والبيوت والمخازن وتكاثر العدد وحل نظام صارم في صفوف حركة المسلمين الزنوج حتى بلغ عددهم مائة ألف زنجي، كلهم ثقة واستعداد للتضحية في سبيل ما يطلب منهم، وليس لدى أفراد هذه الحركة ما يسمى بصلاة الأحد.. فمساجدهم مفتوحة على الدوام، وهم يعقدون فيها أكثر من اجتماع واحد في الأسبوع على الأقل.. وحينئذ يرى الناظر كتلة بشرية سوداء أكثرها من الطبقة الزنجية ذات الدخل المتدني، وتطلب الحركة من كل فرد منهم أن يعمل، كما تأمر الجميع بالامتناع عن المقامرة والتدخين وعن شرب الخمر، ولهذا فالجميع يتمتعون بصحة.. كما أصبح لديهم بعض الذي يمدون به حركتهم، على كل مسلم أن يتبرع بنسبة محدودة من دخله للحركة كل سنة، وقد بلغت الثلث في عام 1952 هذا بالإضافة إلى تبرعات أخرى لأغراض محلية. |
قوة الحركة ونفوذها |
وتجدر الإشارة إلى أن قوة الحركة الإسلامية ونفوذها لا يأتيان من ازدياد العضوية، وتضخم الموارد المالية فحسب.. وإنما يعودان إلى اتحاد كلمة هؤلاء الناس، وتكتلهم في منظمة متماسكة تحت قيادة معينة، فالمسلمون السود يصوتون كما يطلب منهم محمد.. ويشترون من الأماكن التي يشير إليها، مما يجعل تكتلهم هذا في بلد ما.. يرجح الكفة في أي أمر من الأمور السياسية والاقتصادية. |
ويرى المؤلف أن القوة السياسية لهؤلاء الزنوج تنذر بشر خطير لم يحن وقته بعد، ومع أن محمداً يصرح بأنه لن يلجأ إلى العنف غير أنه لن يدري ما الذي سيحدث بعد عدة سنين! |
أغلبية أعضاء الحركة مسيحيون سابقون! |
ويقول المؤلف: من المعروف عن الزنوج أنهم شعب متدين مذهبهم البرتستنتية.. كان هذا في السابق، أما حين انتشرت بينهم حركة المسلمين الزنوج فقد منع الجمع بين الديانتين.. إن معظم المنضمين إلى الحركة من أصل بروتسنتي المذهب.. وفيهم عدد لا بأس به قد هجر الكاثوليكية إلى الإسلام. |
إن الشعار الأساسي الذي يجذب الجماهير السود إلى حركة المسلمين الزنوج هو دعوتهم "العرقية" الواعية لوحدة الزنوج، ثم تعاونهم لتحقيق أهدافهم. |
والهدف الرئيسي للحركة هو تكتيل قوى الزنوج وتوحيدها للتخلص من استعباد البيض، ولربما هدفوا إلى أن يكونوا هم الأسياد على البيض أيضاً!! |
وبالرغم من أن المسلمين الزنوج يضفون على حركتهم طابعاً دينياً.. إلاّ أن الأهداف الدينية تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية، ذلك أنها ليست جزءاً أساسياً من أهدافهم إلاّ حين تكون واسطة لتقوية مواقعهم ومعنويات أتباعهم، وتمتين وحدة صفوف الحركة تحت شعارات معينة. |
ويسعى المسلمون السود لتحقيق الانفصال العنصري الكامل بين البيض والسود.. وهم مصممون على الوصول إلى هذا الهدف بالتدريج.. إذ يبدأون أول الأمر بالعلاقات الشخصية، ثم يتبع ذلك العلاقات السياسية والاقتصادية وهم يقولون: إن الانفصال الكامل هو الذي سيحقق الانسجام في عالمنا. |
ويرى المسلمون أن أولئك السود الذين يسعون وراء الاندماج مع البيض أغبياء مخدوعون إذ لن يقبل الرجل الأبيض بأي حال من الأحوال أن يشارك عبيده في الامتيازات والثروات. |
إن المسلمين يرفضون الاختلاط مع البيض كما يعارضون الزواج المتبادل مع البيض بنفس القوة التي يعارضه بها إنسان الجنوب الأبيض ولنفس الأسباب أيضاً! |
والمسلمون واثقون من تفوقهم العنصري، ويعتقدون أن التزاوج مع البيض سيؤدي إلى إضعاف الأمة السوداء في أخلاقها وطبيعتها، كما يجوز أن يؤدي إلى تخفيف السواد فيظل هذا أثراً ينطق بعصر العبودية الحالي بعد أن ينال السود حريتهم وسيادتهم. |
وقد ظلت علاقات الحركة الإسلامية مع السياسيين الزنوج علاقات ودية، بل كانت أفضل من أية علاقة لهم مع قادة الزنوج الآخرين. |
ولم يتعرض أحد من قادة الزنوج السياسيين لهجمات المسلمين إلاّ رالف بانش مساعد سكرتير هيئة الأمم المتحدة.. فقد أطلقوا عليه اسم جورج واشنطن إسرائيل.. لأنه كان يحابي جانب إسرائيل في نزاعها مع العرب، ولكن هذا الموقف اعتبر انحيازاً دبلوماسياً مرموقاً أنال صاحبه جائزة نوبل بالرغم من سخط الأمة الإسلامية عليه. |
المجتمع الإسلامي الأمريكي |
ويشير المؤلف إلى أن المسلمين السنيين في أمريكا مجمعون على عدم الاعتراف بالمسلمين السود. |
ويشكل اتحاد الجمعيات الإسلامية المنظمة الرسمية للمسلمين في الولايات المتحدة وكندا، غير أن المجتمع الزنجي الذي يقوده الحاج محمد لا ينتسب إلى ذلك الاتحاد، ولا يعترف به.. ومع أن الحركة تدير أكبر مدرسة لتدريس اللغة العربية، وتتخذ من القرآن الكريم أساساً لتعاليمها، فإن شيوخ الاتحاد لا يزالون في شك من أمرها. |
وهناك بعض شيوخ الإسلام الذين أصدروا نشرات يتبرأون فيها هم وأتباعهم من حركة المسلمين السود. |
مالكولم إكس؟ |
من هو "مالكولم إكس"؟ |
يقول عنه المؤلف: إنه المنفذ المباشر لشؤون الحركة.. وهو أيضاً مبعوثها إلى الأمم الإسلامية في آسيا وأفريقيا.. كما أنه خطيبها المفوّه والناطق باسمها، علاوة على أنه المنظم الفذ الذي لا يكل له ساعد.. ويكاد يجزم أكثر المراقبين في الوقت الحاضر أن مالكوم سيكون خليفة محمد وأنه سيرفع قدر المنصب والحركة بذكائه ودهائه.. أما مالكولم نفسه فهو يروي أن الحركة لم تحقق بعد قوتها، أو تثبت بأسها، لا من حيث هي حركة محلية، ولا من حيث هي وحدة لمسلمي العالم! |
لقد قام "مالكولم إكس" عام 1959 برحلة إلى مصر وبعض المناطق الإسلامية الأخرى في محاولة منه لأن يعرف مدى قبول حركة المسلمين السود في الخارج وقد استقبل استقبالاً حاراً وقلبياً كأخ مسلم.. وبعد تلك الرحلة قام هو واثنان من أبنائه برحلة عبر بلدان إسلامية متعددة وقد اعتبر الرجل قائداً فذاً، وسمح له بالقيام بالحج إلى مكة المكرمة حيث كتب إلى أتباعه في الولايات المتحدة قائلاً: |
"في الثالث والعشرين من كانون الأول عام 1959 وصلت إلى جدة في المملكة العربية السعودية، وكان من الضروري أن أذهب إلى مكة المكرمة، وفي اليوم الثاني وضعت السلطات المسؤولة سيارة تحت تصرفي وولدي الاثنين لنقطع بها مسافة أربعين ميلاً -كذا- بعيداً عن جدة حيث المدينة العتيقة التي هي مجد العالم الإسلامي ومجد الإسلام". |
"وعند عودته إلى الولايات المتحدة وصف مالكولم رحلته الإسلامية أمام ما يقرب من العشرة آلاف من الزنوج الذين تجمعوا ليصغوا إليه في لوس أنجلس.. وفي هذه الأثناء، صرح مالكولم إكس في كل من بوسطن ونيويورك بأن مسألة المسلمين السنة "قضية مفروغ منها" لأن غير أهل السنة لا يستطيعون أن يزوروا مكة". |
وبعد فهذه هي -في أقصر ما يمكن من إيجاز حركة المسلمين الزنوج في أمريكا. |
إنها ليست أكثر من حركة جماعة من الناس قست عليهم ظروف من التحكم بغيضة بالغة العسف شاء هذا الذي يسمونه الرجل الأبيض أن يحيطهم بسياجها دون أي تفكير منه في أية لحظة من اللحظات أن لهؤلاء الناس نصيبهم المشروع من حقوق الإنسان! |
إنها حركة قومية محضة أرادت أن تجعل من اسم الإسلام الذي أدركت أنه خير دعاية لها وأقوى سناد.. وسيلة لا أكثر ولا أقل.. من أجل التجمع.. أولاً من ناحية.. ثم من الناحية الأخرى: من أجل غاية بعيدة المدى لا تقل أهمية عن الأولى وهي أملها في أن تظفر من شعوب الإسلام بالعطف والتأييد. |
|