العلوم عند العرب |
الأستاذ قدري حافظ طوقان |
العلوم عند العرب: صفحة مجيدة -بلا شك- من تاريخ الإسلام! |
وقد كان الإسلام -من غير شك أيضاً- هو الينبوع الأول.. والمشجع الأول للعلم، ولكل حركة من حركات الفكر، أسهمت في البناء الحضاري. |
والمعروف أن "المد العلمي" في البلاد العربية والإسلامية، قبل أن تقع فريسة للاستعمار.. كان هو وحده مصدر الإشعاع في العالم.. بل كان هو وحده الأساس الذي بنى عليه الغرب حضارته العلمية! ولسنا نقول هذا تعصباً.. وإنما نقوله لأنه حقيقة أجمع عليها حتى أهل الغرب أنفسهم.. كتاباً وباحثين! |
والواقع أنه لم يعد خافياً.. أن الحضارة الغربية الحديثة وأعظم ما تفخر به أنها قامت على العلم.. إنما انبثقت عن تلك الشعلة الوهاجة: شعلة الحضارة الإسلامية.. |
وكان "العلم العربي الإسلامي" هو المنهل الذي نهلت منه حضارة الغرب أهم ما تحويه من عناصر.. وفي طليعة هذه العناصر.. العلوم التجريبية.. |
وليس القصد -طبعاً- من كتاب كهذا الكتاب يؤلفه "قدري طوقان" العالم النابغة المعروف.. هو تأكيد هذه الحقائق من أجل أن نتغنى بها، أو نباهي غيرنا.. وإنما -وهو نفسه يشير إلى ذلك في تقدمة كتابه- من أجل أن نزداد وعياً بهذه الحقائق.. وبالتالي نستلهم منها قوة لنا وعزماً.. لا مباهاة وفخراً.. وأن "نتفهم" إلى جانب ذلك -بل وأكثر من ذلك- مشاكلنا.. ليكون لنا من وعينا ما يحركنا دائماً إلى الأمام على أساس من فهم الماضي فهماً أعمق، وأوسع مدى.. ثم على أساس من فهم "الحاضر" فهماً كله تبصر.. وكله ثقة.. واعتداد.. وعزم.. على هذين الأساسين وحدهما يمكن أن يبني العرب كيانهم.. قوياً شامخاً في عهدهم الراهن.. إذا هم أرادوا -بحق- أن يكون هذا الكيان قوياً وشامخاً. |
يقول الأستاذ طوقان: قام العرب بدورهم في خدمة الحضارة والمساهمة في تقدم العلوم.. هذا ما نحاول إثباته وتركيزه في هذا الكتاب.. |
والواقع أن هناك كثيرين يجهلون الخدمات التي قدمها العرب للحضارة والعلوم.. بل إن بين هؤلاء من يعتقد أن العقل العربي لم يستطع في جميع الأدوار التي مرت عليه أن يقدم للمدنية خدمات علمية جليلة كالتي قدمها الغرب.. وأنه لم يكن بين العرب من استطاع أن يصل علمياً درجة غاليلو. وكيلر.. ونيوتن.. وفراداي.. وباكون.. وغيرهم.. |
قد يكون هناك مبررات لهذا الجهل.. وقد يكون تحامل بعض علماء الإفرنج على التراث العربي وإهمال العرب تراثهم وتاريخهم من عوامل وجود ذلك الاعتقاد. |
... وعلى الرغم من هذا كله ومن حسن الحظ وجد بين العلماء من قام يخدم الحقيقة لأنها حقيقة ومن قام يخدم الحق لأنه حق، فقد ظهر في الغرب نفر من العلماء ينصف العرب لأن التاريخ يقضي بذلك، وهو -أي التاريخ- يبحث دائماً عن الحقيقة فهي رائدة وهي مبتغاه.. |
قال سارطون بشأن الذين ينتقصون من قدر العرب العلمي: |
"إن بعض المؤرخين يجربون أن يستخفوا بتقدمة الشرق للعمران ويصرحون بأن العرب والمسلمين نقلوا العلوم القديمة، ولم يضيفوا إليها شيئاً ما.. إن هذا الرأي خطأ.. وإنه لعمل عظيم جداً أن ينقل إلينا العرب كنوز الحكمة اليونانية ويحافظوا عليها، ولولا ذلك لتأخر سير المدنية بضعة قرون.. "ويعتقد الدكتور سارطون بأن العرب كانوا أعظم معلمين في العالم وأنهم زادوا على العلوم التي أخذوها، وأنهم لم يكتفوا بذلك بل أوصلوها درجة جديرة بالاعتبار من حيث النمو والارتقاء. |
ويقول المؤلف: وعلى هذا يمكن القول إنه لولا جهود العرب لبدأت النهضة الأوروبية في القرن الرابع عشر من النقطة التي بدأ منها العرب نهضتهم العلمية في القرن الثامن للميلاد.. |
ثم يقول: برع العرب في الرياضيات وأجادوا فيها وأضافوا إليها إضافات أثارت إعجاب علماء الغرب ودهشتهم وقد اعترفوا بفضل العرب وأثرهم الكبير في خدمة العلم والعمران.. |
... واشتغل العرب بالجبر.. وأتوا فيه بالعجب العجاب: حتى أن كاجوري قال: "إن العقل ليدهش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر.. وهم أول من أطلق لفظة "جبر" على العلم المعروف بهذا الاسم.. وعنهم أخذ الإفرنج هذه اللفظة: وكذلك هم أول من ألف فيه بصورة علمية منظمة وأول من ألف فيه "محمد بن موسى الخوارزمي" في زمن المأمون.. وكان كتابه في الجبر منهلاً استقى منه علماء العرب والغرب على السواء واعتمدوا عليه في بحوثهم: وأخذوا عنه كثيراً من النظريات.. لقد أحدث هذا الكتاب أعظم الأثر في تقدم علمي الجبر والحساب. |
... ولولا العرب لما كان علم المثلثات على ما هو عليه الآن: فإليهم يرجع الفضل في وضعه بشكل علمي منظم مستقل عن الفلك وفي الإضافات المهمة التي جعلت الكثيرين يعتبرونه علماً عربياً.. كما اعتبروا الهندسة علماً يونانياً. |
.. وفي الفلك نهض العرب نهضتهم المعروفة: فيه انقلاباً.. كان من أهمه تطهير علم الفلك من أدران التنجيم.. |
.. وفي الجغرافيا ساعد العرب على تقدمها: وصححوا كثيراً من أغلاط بطليموس وكشفوا مناطق لم تكن معروفة في بعض القارات.. وقد وصلوا إلى أقصى الأرض: ووضعوا المؤلفات النفيسة: وزانوها بالخرائط: وحسبهم فخراً أنهم ربطوا الجغرافيا بالفلك فسبقوا بهذا العمل العلماء المحدثين. |
... وعرف العرب الطريقة العلمية الحديثة: وقد ساروا عليها: ومهدوا إلى أصولها وكشف عناصرها: فسبقوا "باكن" إلى إنشائها، بل إنهم زادوا على طريقة باكن التي لا تتوفر فيها جميع العناصر اللازمة في البحوث العلمية.. لقد أدركوا الطريقة المثلى، وقاموا بالأخذ بالاستقراء والقياس والتمثيل وضرورة الاعتماد على الواقع الموجود على المنوال المتبع في البحوث العلمية الحديثة... |
لقد وصل العرب في علم البصريات إلى أعلى الدرجات، وثبت أن "كبلر" أخذ معلوماته في علم الضوء عن ابن الهيثم.. وسحرت بحوث بعض علماء العرب في الضوء "ماكس مايرهوف" وأثارت إعجابه إلى درجة جعلته يقول: |
"... إن عظمة الابتكار العربي تتجلى لنا في البصريات..". |
... أما في الكيمياء فللعرب ابتكارات وإضافات جعلت "برتيلو" يقول عن "جابر بن حيان": "لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق..." وقد كان لبحوثه وبحوث غيره من علماء العرب في الكيمياء أثر كبير في تكوين مدرسة كيميائية ذات أثر فعّال في الغرب. |
... وفي الطب ثبت أن للعرب فضلاً كبيراً في إنقاذه من الضياع... وفي الإضافات المهمة إليه، ونقل ذلك إلى أوروبا.. وكذلك في الصيدلة وضعوا أسسها وهم أول من أنشأ مدارسها... واستنبطوا أنواعاً من العقاقير وامتازوا في معرفة خصائصها وكيفية استخدامها لمداواة المرضى.. |
... ومن بين علماء العرب من جمع الشروط التي تجعله مؤسساً لعلم الاجتماع، وقد وضعوا في ذلك كتباً نفيسة.. ذات أثر في تطور الفكر، لقد قال ابن خلدون بوجوب اتخاذ الاجتماع الإنساني موضوعاً لعلم مستقل وذهب إلى أن الأحوال الاجتماعية تتأتى من علل وأسباب، وقد أدرك قبل غيره من علماء أوروبا بعدة قرون أن هذه العلل والأسباب تعود في الدرجة الأولى إلى طبيعة العمران أو طبيعة الاجتماع، وقد درسها دراسة مستفيضة خرج منها بكشف بعض القوانين المتعلقة بها.. |
ثم يقول المؤلف: "يتجلى أنه كان للعرب في سير الحضارة وامتدادها ما يدل على أنهم قاموا بدورهم في التطور الفكري العام بحماسة متناهية وفهم قوي، وبذلك هيأوا العقول للتفكير العلمي الحديث... ولولا ذلك لتأخر سير النهضة الأوروبية بضعة قرون". |
الاستعمار قتل هذه الحضارة |
لقد كان هذا عندما كان العرب أحراراً.. ولكن حينما ابتلوا بالاستعمار... وما صحبه من ضغط على المواهب وتقييد للحريات، وقتل للقابليات.. وحرمان من فرص الحياة على أنواعها.. أقول حينما ابتلوا بكل ذلك، ضعفت عزائمهم وهزلت هممهم، وأحاطهم الخمول واليأس حتى لقد تسرب إلى كثيرين أن العرب ليسوا أهلاً لعظائم المبتدعات، ولا أكفاء لحمل الرسالات، ولا صالحين لخدمة المدنية إلى أن يقول: وفي هذا القرن شهد العالم استفاقة العرب من غفلتهم ونهوضهم من كبوتهم فإذا الدعوة إلى التحرر والانطلاق تأخذ طريقها على الرغم من العراقيل والعقبات، وتتجه في الاتجاه السليم.. وهذه الدعوة تتجلى قوية في العرب المثقفين.. وعنيفة في العرب الذين تحرروا من طوق الاستعمار في بلادهم، ثم انبثوا يساعدون أقوامهم للنضال، واستعادة روح الكرامة التي كاد الاستعمار أن يأتي على ما بقي منها... |
ولسنا في حاجة إلى القول إن عملية التحرر والانطلاق من القيود لا تكون مجدية مثمرة إذا لم تبن على أساس.. وإذا لم تسر في طريق يضمنان لها الاستمرار والاندفاع والنجاح وليس أضمن لهذا كله من استمداد الماضي واستلهامه عزماً وقوى لا مباهاة وفخراً ومن معرفة الحاضر وإشباعه درساً وفحصاً، ومن النظر إلى المستقبل بعين الرجاء والأمل. |
أما الماضي ففيه كل ما يعتز به ويفخر، وكل ما يوحي الثقة بالنفس والاعتماد عليها، وأما الحاضر فهو الصرح الذي نقيم عليه المستقبل، ولهذا علينا أن نتبصر فيه وأن نتفهم مشاكلنا في أنفسنا، وأن يكون لنا من وعينا ما يحركنا ويدفعنا إلى الأمام. |
ويخص المؤلف الباب الأول من الكتاب ببحث مآثر العرب في العلوم.. فيتحدث عن الطب والصيدلة عند العرب.. وعن الكيمياء والنبات وعلم الطبيعة والرياضيات والفلك والجغرافيا ثم يختتم فصول هذا الباب بكلامه عن نزعة العرب العلمية.. |
وفي هذا الموضوع يقول: امتاز العرب في الجمع بين فروع العلوم والأدب وفاقوا في هذا غيرهم فنجد بين علمائهم من وقف على روائع الأدب وغاص في دقائق العلم وجمع بينهما.. ومن يطلع على كتاب الخوارزمي في الجبر.. يجد أن المؤلف جمع بين الجبر والأدب وجعلهما متممين أحدهما الآخر.. فالمادة الرياضية مفرغة في أسلوب أخّاذ لا ركاكة فيه ولا تعقيد، ينم عن أدب رفيع وإحاطة بدقائق اللغة.. ونظرة في كتاب البيروني يتبين كيف يتعانق الأدب والرياضيات، بما فيها الفلك والطبيعيات.. وليس أدل على ما قلت من كتاب "التفهيم لأوائل صناعة التنجيم" للبيروني.. فالأسلوب في هذا الكتاب سلس خالٍ من الالتواء.. يخرج منه القارئ بثروتين: أدبية وعلمية.. ويشعر بلذتين: لذة الأسلوب العلمي.. ولذة المادة العلمية.. ومنهم من جمع في كتبه بين الأدب والنواحي الأخرى من المعرفة، كالفلسفة والعلوم والتاريخ وغيرها.. فالجاحظ مثلاً: كان له الفضل على الأدب والفلسفة جميعاً.. ففي الأدب كان فضله أن أغزر معانيه، وجعل له موضوعاً.. بعد أن كاد يكون شكلاً بحتاً.. فتقرأ رسائله فتجدها ناصعة الأسلوب غزيرة المعنى، لها موضوع ولها شكل.. هذه رسالة في القيان وهذه رسالة في المعلمين، وهذه رسالة في الغناء.. حتى رسالته في الهجاء استطاع أن يجعل لها موضوعاً علمياً بل لعلّها أحسن رسائله لمن شاء أن يعرف أي العقلية العلمية والأدبية والفلسفية كانت تشغل الناس في عصر الجاحظ. |
وكذلك أبو حيان، امتاز في الجمع بين الأدب والحكمة وأصناف العلوم والمعارف وقد وفق في ذلك مع المحافظة على الحقيقة في أصدق مظاهرها.. ونظرة في كتاب "الفهرست" لابن النديم، نجد أنه سار على أسلوب خاص اقتصادي، لا إطالة فيه ودون لغو أو مقدمات وهو يقول في ذلك: "... والنفوس تشرئب إلى النتائج دون المقدمات، وترتاح إلى الغرض المقصود دون التطويل في العبارات"، "وهو يأتي إلى الفكرة فيعرضها دون مواربة أو تمهيد، ويندفع إلى صميم الموضوع في دقة وإيجاز وضبط وإحكام، ويسيطر على ذلك كله روح علمي صحيح".. وهذا ما يجعلنا نرى أن "ابن النديم" يتحرى الصدق في كتابه العظيم، ويسير في أمانة النقل إلى أبعد الحدود.. ومن يتصفح الكتاب ومقدمته يتبين له صحة ما ذهبنا إليه. |
وكذلك امتاز أسلوب الفارابي بالإيجاز والعمق.. وقد اعترف له بذلك "كارادي فو" والفارابي مبتكر لا مقلد، فقد أنتج عقله الخصب نظريات جديدة فيها ابتكار وفيها عمق.. وكان ابن سينا يسير في أسلوبه على أساس منطقي.. وفوق ذلك فأسلوبه علمي دقيق.. وقد خالف أرسطو وأفلاطون وغيرهما من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء.. فلم يتقيد بها.. وجعل للتجربة كذلك مكاناً عظيماً في دراسته وتحرياته ولجأ إليها في طبه، وتوصل عن طريقها إلى ملاحظات دقيقة كما توفق إلى تشخيص بعض الأمراض وتقرير علاجها. |
الإخلاص للحق والحقيقة |
ومن أساليب العرب ما يمتاز بطابع خاص هو الإخلاص للحق والحقيقة، والدعوة إلى ذلك، وإلى جعل البرهان دليلاً شاهداً، ولقد تضمنت بعض الرسائل القديمة نصائح وإرشادات إلى الكتاب ليسيروا عليها حين الكتابة هي في الواقع الأساس الذي يجب أن يسلكه أصحاب الأقلام في كل زمان.. |
وقد تبين "ابن الهيثم" أن من الغايات التي توخاها في تصنيف الكتب والرسائل إفادة من يطلب الحق ويؤثره في حياته وبعد مماته.. |
ومن العلماء الذين امتازوا بروح علمي صحيح: "البيروني" وهو من أكبر الباحثين الذين تركوا مآثر خالدة في العلوم والتاريخ.. ساح في الهند أربعين عاماً بقصد البحث والدرس، وخرج من ذلك بوقوفه على علوم الهند وفلسفتها، وقد استطاع أن يسدي إلى اللغة العربية خدمة جليلة إذ أكسبها مرونة على التعبير عن دقائق التفكير الهندي.. |
ويتبين من الآثار التي خاضها "البيروني" في مختلف ميادين العلوم ومن كتابه الشهير "الآثار الباقية" أنه كان باحثاً دقيق الملاحظة وناقداً صائب النقد، يعتمد على المشاهدة.. وكتبه مختصرة، ومنقحة وبأسلوب مقنع وبراهين مادية. |
وما دمنا في صدد الإخلاص للحق، وتوخي الحقيقة والدقة العلمية لا بد لنا من الإشارة هنا إلى الطرق التي اتبعها علماء الحديث في الوصول إلى تمييز الحديث الموضوع من الحديث الصحيح. |
وللقاضي "عياض" رسالة في علم المصطلح هي أنفس ما صنف في مجموعها وقد سما بها القاضي إلى أعلى درجات العلم والتدقيق.. ويعترف الدكتور "رستم" بفضلها فيقول: "... وعلى الرغم من مرور سبعة قرون عليها فإنه ليس بإمكان رجال التاريخ في أوروبا وأمريكا أن يكتبوا أحسن منها في بعض نواحيها..". |
"وقد ثبت أن المسلك الذي اتبعه العرب في تنقية الحديث وتمييز صحيحه من موضوعه قد أثر في أساليب العلماء.. إذ أبان لهم أهمية اتباع الطرق التي تؤدي إلى الحق.. كما أوضح لها منهاجاً دقيقاً للسير بموجبه للوصول إلى الحقيقة، وإلى الصحيح من الواقع والأخبار والأقوال: وكذلك كان للأساليب التي اتبعها علماء الحديث فضل كبير على التاريخ، وأصبحت القواعد التي ساروا عليها في تحري الحقيقة هي المعول لدى المؤرخين المعاصرين "ومحل تقديرهم وإعجابهم". |
وظهر من علماء العرب من دعا إلى الدقة في العمل، وإجراء التجارب والاحتياط في الاستنتاج، من هؤلاء "جابر بن حيان" من أعلام العرب الذين أسدوا جل الخدمات إلى الكيمياء والعلوم الطبيعية.. ومن علماء العرب الذين اشتهروا بالتدقيق -حين البحث في النبات- رشيد الدين ابن الصوري، فقد كان يستصحب معه مصوراً -حين البحث عن الحشائش في منابتها- ومعه الأصباغ على اختلاف تنوعها. |
من أعلام العرب |
وننتقل مع المؤلف إلى الباب الثاني للكتاب وقد خصه بالكلام عن بعض الأعلام ممن اشتهروا بالعلوم على اختلافها كجابر بن حيان والخوارزمي والكندي والجاحظ والفارابي والرازي وابن سينا وابن الهيثم والبيروني وابن حزم والغزالي وابن خلدون والشريف الإدريسي وغيرهم.. |
يقول عن "محمد بن موسى الخوارزمي": برز في الرياضيات والفلك وكان له أكبر الأثر في تقدمها وارتقائها فهو أول من استعمل "علم الجبر" بشكل مستقل عن الحساب، وفي قالب منطقي علمي، كما أنه أول من استعمل كلمة "الجبر" للعلم المعروف بهذا الاسم، ومن هنا أخذ الإفرنج هذه الكلمة واستعملوها في لغاتهم. |
حلق في سماء الرياضيات، وكان نجماً متألقاً فيها اهتدى بنوره علماء العرب وعلماء أوروبا، وكلهم مدين له بل المدنية الحديثة مدينة له بما أضاف من كنوز جديدة إلى كنوز المعرفة الثمينة. |
ويقول عن "الكندي": "الكندي من الاثني عشر عبقرياً الذين هم من الطراز الأول في الذكاء على رأي العالم الشهير "كاردافو"". |
وعن ثابت بن قرة "يقول".. من ألمع علماء القرن التاسع للميلاد من الذين تركوا آثاراً جمّة في بعض العلوم، وكان يحسن السريانية والعبرية واليونانية، جيد النقل عنها.. ويعده "سارطون" من أعظم المترجمين، وأعظم من عرف في مدرسة "حران" في العالم الغربي... |
أما "أبو بكر الرازي" فيقول عنه: "الرازي حجة الطب في أوروبا حتى القرن السابع عشر للميلاد، ويعده معاصروه طبيب المسلمين غير مدافع.. ولقد كان الرازي منتجاً إلى أبعد حدود الإنتاج، فقد وضع من المؤلفات ما يزيد على المائتين والعشرين ضاع معظمها أثناء الانقلابات السياسية في الدول العربية ولم يبق منها إلاّ القليل في بعض مكتبات أوروبا.. خصصت جامعة "برنستون" في أمريكا أضخم ناحية في أجمل أبنيتها لمآثر "الرازي" باعتباره علماً من أعلام الحضارة الخالدين. |
ويقول عن "ابن يونس" المتوفى في مصر حوالي سنة 1009م: إنه سبق "غاليليو" إلى اختراع الرقاص.. "بندول الساعة" في حين يعتقد الكثيرون أن غاليليو العالم الإيطالي الشهير أول من استطاع أن يستعمله ويستفيد منه، ويستدل المؤلف في ذلك بما كتبه المؤرخ الفرنسي "سيديو" وبهذا يكون غاليليو مسبوقاً في هذا الاختراع بستة قرون. |
وابن يونس هو أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصوفي المصري كان من مشاهير الرياضيين والفلكيين الذين ظهروا بعد "البتاني" و "أبي الوفاء البوزجاني" ويعده "سارطون" من فحول علماء القرن الحادي عشر الميلادي. |
ويتحدث عن "ابن حزم" في صفحات خمس من الكتاب ويقول عنه: "اعترف بفضله وعلمه الأقدمون والمحدثون فقال عنه أفاضل القدماء "إن ابن حزم حامل فنون من: حديث وفقه وجدل".. وقال عنه الذهبي: "ابن حزم رجل من العلماء الكبار فيه أدوات الاجتهاد كاملة".. ولقد درس بعض تآليفه المستشرقون ورجال التاريخ في أوروبا وأمريكا فأنصفوه بعض الإنصاف واعترفوا بأثره في الفقه والعلوم. |
وتناول آراءه "جولد زيهر" وغيره من الأوروبيين فشرحوها وعلقوا عليها وأبانوا أثره في الفقه والمنطق والتاريخ.. ويعترف "سارطون" بفضل ابن حزم وعلمه.. فيقول: "ابن حزم أعظم عالم في الأندلس ومن أكبر المفكرين المبتكرين المسلمين فيها". |
أما عن "ابن خلدون" و "مقدمة ابن خلدون" فيقول المؤلف: "إن مقدمة "ابن خلدون" أساس التاريخ، وحجر الزاوية فيه كما يقول "ماكدونالد"، وهي تاريخية فلسفية لم ينسج أحد على منوالها قبلها حتى علماء اليونان والرومان وغيرهم.. وهناك من علماء الإفرنج من خرج بتصريح خطير بعد دراسة المقدمة فاعترف بأثر هذه المقدمة في التاريخ وفلسفته.. قال "روبرت فلنت": "من وجهة علم التاريخ وفلسفته يتجلى الأدب العربي باسم من ألمع الأسماء.. فلا العالم الكلاسيكي في القرون القديمة، ولا العالم المسيحي في القرون الوسطى يستطيعان أن يقدما اسماً يضاهي في لمعانه ابن خلدون.." ويتابع كلامه هذا فيقول: "إن من يقرأ المقدمة بإخلاص ونزاهة لا يستطيع إلاّ أن يعترف بأن "ابن خلدون" يستحق لقب مؤسس علم التاريخ وفلسفته "وفي هذه المقدمة يتجلى اتساع أفق تفكير "ابن خلدون" وغزارة علمه.. فقد اتخذ من المجتمع كله وما يعرض فيه من الظواهر مادة لدرسه.. وحاول أن يفهم هذه الظواهر وأن يعللها على ضوء التاريخ.. وأن يرتب من سيرها وتفاعلها قوانين اجتماعية عامة.. وهذا ما جعل الباحثين يقولون بتفوق "ابن خلدون" على "مكيافللي".. تفوقاً عظيماً في التفكير ونوع النتاج.. وقد قارن "كلوزيو" بين "ابن خلدون" و "ميكافللي" فقال في هذا الصدد: ".. إذا كان مكيافللي يعلمنا وسائل حكم الناس.. فإنه يفعل ذلك كسياسي بعيد النظر، ولكن العلامة التونسي "ابن خلدون" استطاع أن ينفذ إلى الظواهر الاجتماعية كاقتصادي وفيلسوف راسخ مما يحملنا بحق على أن نرى في أثره من سمو النظر، والنزعة التقدمية ما لم يعرفه عصره..". |
وما أروع كلمة المؤرخ البريطاني المشهور "توينبي" عن ابن خلدون والتي يختم بها المؤلف كتابه هذا القيم.. يقول "توينبي". |
"ابن خلدون في المقدمة التي كتبها لتاريخه العام قد أدرك وتصور وأنشأ فلسفة التاريخ.. وهي بلا شك أعظم عمل من نوعه خلفه أي عقل في أي زمان ومكان". |
|