شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الصهيونية العالمية
الأستاذ عباس محمود العقاد
المعروف عن المرحوم العقاد أنه الخصم رقم واحد بين الكتّاب العرب للشيوعية الدولية.
ولقد خاض العقاد معركته مع الشيوعية كأشد ما تكون المعارك عنفاً وضراوة.. وما انخدع بها قط في يوم من الأيام.. ومن قبل خاضها أيضاً مع الفاشية والنازية، عندما كان للفاشية والنازية نفوذ وسلطان!
بل لقد ظل العقاد منذ أن مارس صناعة القلم في أوائل هذا القرن العشرين وهو في كفاح موصول مرير مع كل أنواع الدكتاتوريات ومع كل أعداء العدل والنظام وأعداء الحريات..
وعلى نحو ما خاض العقاد معاركه الطويلة المريرة مع كل من الفاشية والنازية وغيرهما وأخيراً مع الشيوعية.. خاضها أيضاً في صمود مع الصهيونية العالمية، خاضها في أكثر من كتاب من كتبه العديدة، وفي عشرات من المقالات التي نشرتها له الصحف في مصر وفي العالم العربي.
وليس من شك في أن من أقيم ما ظهر للعقاد في هذا المجال، كتابه المشهور -الصهيونية العالمية- بل لعلّي لا أراني مبالغاً إن قلت إن كتاب العقاد هذا، عن الصهيونية العالمية، يعتبر أبرز ما ظهر في اللغة العربية من الكتب عن الفضائح الصهيونية.
والعقاد يتحدث في هذا الكتاب عن الصهيونية العالمية ماضياً وحاضراً، فهو لا يكتفي بحديثه عن الصهيونية كدولة قائمة مصطنعة.. وإنما يعود بقارئه إلى ماضي هذه الصهيونية العاتية منذ أن ظهرت في الوجود.
وقد لا يكون جديداً على أي قارئ حصيف أن يقال له هنا إن الصهيونية ليست وليدة هذا العصر الحديث.. وإنما هي عريقة في القدم عراقة اليهودية نفسها.. فالواقع أنه منذ ظهرت اليهودية ظهرت معها هذه الصهيونية بجميع ما تتسم به من الخصائص، وما يلازمها من الشذوذ..
وكأنما أخذت الصهيونية على نفسها عهداً منذ أن نشأت أن تعتزل غيرها، وأكثر من ذلك، أن تعادي كل العناصر والأجناس والأديان غير الإسرائيلية..
ولذلك كان لا محيص لها أن تستمر -على تعاقب العصور- في خصومة دائمة مع غيرها، وأن تكون هي البادئة دوماً، وهذا ما يثبته تاريخ اليهود.
يتحدث العقاد عن الصهيونية قبل الميلاد فينفي أولاً أن تكون الصهيونية حركة دينية قديمة، وأنها مرتبطة بما ورد من الوعود للخليل إبراهيم، عليه السلام، وإنما هي حركة سياسية تابعة لقيام الدولة وسقوطها في بيت داود.
كانت الصهيونية في الزمن القديم نزعة سياسية، ثم ذهب الأمل في نجاحها السياسي، فانقطعت العلاقة بينها وبين معناها الجغرافي.
وكما كانت الصهيونية القديمة، فكذلك أيضاً أختها الصهيونية الحديثة: كلتاهما وليدة السياسة والسياسيين، أياً كان السبب الذي تستند إليه.
وجملة أسبابها -كما يذكرها المؤرخون لها- يقول العقاد: هي الاضطهاد، وظهور الفكرة القومية، ومطامع الاستعمار.
فهم يقولون -ولا يملون تكرار القول- إن الاضطهاد هو علة الصهيونية الأولى، وإن قيام الصهيونية يقضي على هذه العلة، أو يمنع تجديدها.
ويقول العقاد: إن الاضطهاد نتيجة لداء مزمن في اليهود، سيبقى معهم في دولتهم الجديدة، كما كان معهم في دولتهم القديمة.
ويتساءل: من الذي اضطهد اليهود في مملكة سليمان حتى انقسمت على أهلها، ثم انقسم كل شطر من شطريها على أهله؟
ومن الذي اضطهدهم يوم تمردوا على كل نبي من أنبيائهم، وكل قائد من قادتهم، وهم بعيدون من سلطان غيرهم.
إن القرآن الكريم قد وصفهم حقاً حيث قال عنهم -تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى (الحشر: 14)- ولم يصفهم القرآن الكريم إلاّ بما وصفتهم به كتبهم ورسلهم من أقدم عصورهم إلى ما بعد عصر المسيحية.
وفي غير هذه الكتب إجماع على غلظ رقابهم وشكاستهم، وامتناع الوفاق بينهم وهذه هي الآفة التي لا تفارقهم في دولتهم الجديدة، وما فارقتهم قط في دولتهم الغابرة حتى قضوا عليها قبل أن يقضي عليها أعداؤها، وقد جروا على أنفسهم الاضطهاد في كل بقعة وفي كل عصر، وبين كل قبيل، فليس من المعقول أن تكون العلة في غيرهم..
ثم يقول الكاتب: وإنما آفة القوم الكمينة فيهم أنهم كائن ممسوخ من الوجهة الاجتماعية، لأنهم جماعة مقتضبة لم تصبح أمة، ولم ترجع إلى نظام القبيلة البدوية، واشتبكت مع العالم وهي في مرحلة غير نامية، وغير صالحة للنمو على حدة، فكل علاج لها ميئوس من جدواه، ما لم يغلبها العالم على طبيعتها، ويدمجها اضطراراً في طوية أممه، وسوف يكون ذلك لا محالة لأن غيره لن يكون..
ومنذ القرن الأول للميلاد لم يطرأ على الصهيونية جديد قبل القرن التاسع عشر، فكل ما عرفه اليهود عن الصهيونية في عصر السيد المسيح بقي كما كان في القرون الوسطى، وفيما تلاها من قرون النهضة والإصلاح إلى أوائل القرن التاسع عشر، أي إلى القرن الذي يصح أن يسمى في وقت واحد بعصر الثورة، وعصر الاستعمار، وعصر الصناعة الكبرى، ولكل صفة من هذه الصفات علاقة باليهودية لا تخفى على النظرة العاجلة، ولكنها تستحكم وتتغلغل في جميع الجوانب بعد إمعان النظر إليها.
كان اليهود يعيشون في أرجاء الدولة الرومانية بين أناس يخالفونهم في العقيدة، وكانوا يعزلون أنفسهم عن المجتمع باختيارهم.
ثم ماذا؟
يقول العقاد: وكلما كثرت الحروب وضح لأبناء الأمم المختلفة أن هذا الشعب المسمى "اليهود" متفق عليهم، متفاهم فيما بين أبنائه على ابتزازهم، واستباحة أموالهم وأرزاقهم.
وحدث غير مرة أن اليهود كانوا ينصرون كل مغير على البلد الذي يقيمون فيه.. وحدث غير مرة أنهم كانوا يصاحبون الجيشين المتقاتلين لشراء الأسرى، وبيع المؤونة، وبذل القروض، ثم يتقابلون على تفاهم عند تصفية الأعمال والمساومة.. فوقر في أخلاد الأمم أنهم شعب غريب.
ويسجل التاريخ الأوروبي على اليهود أنه كانت لهم مشاركة في كل فتنة، وكل إغارة ومما قيل وأصر القائلون عليه أنهم أسسوا جماعة البنائين الذين اشتهروا باسم "الماسون" وقرنوا بين التعاهد على بناء الهيكل وبين هذه التسمية وما يتصل بها من المصطلحات والشعائر.
أما فكرة "الوطن القومي" فلم تنشأ قبل عصر النهضات الوطنية، ولم يسمع فيه صوت لليهود إلاّ لأن هذا العصر كان كذلك عصر الصناعة الكبرى، وعصر الاستعمار.
وظلت فكرة الوطن القومي، وفكرة الدولة اليهودية كالسحاب الذي يتشكل على حسب أوهام الناظرين إليه: حتى أوشك القرن التاسع عشر أن ينتهي دون أن تستقر على وضع محدود، ثم تبلورت على شكل ثابت في مؤتمر بال بسويسرا سنة 1897م وتم تشكيلها على الوضع الأخير بوعد بلفور بعد عشرين سنة.
وإذن فقد دخلت الصهيونية في دور العمل السياسي النافذ بعد هذا الوعد المشؤوم: وعد بلفور، وما تلاه من انتداب بريطانيا لإدارة فلسطين.
ويخيل إلى بعضهم من اليهود ومن العرب، يقول المؤلف: إن هذا الوعد منتزع أو مغصوب بحكم الضرورات الحربية ولكنه في الواقع جزء من سياسة عامة تتناول الشرق الأدنى برمته ومنه فلسطين وسائر البلاد العربية.
إن الواقع المحقق في مسألة الصهيونية أن اليهود يستغلون الدول.. والدول تستغلهم.. وهذا الواقع المحقق وحده هو الذي يقرر لنا أن العامل المهم في بقاء الصهيونية بفلسطين يتوقف على إرادة الأمم العربية في نهاية المطاف، فلن تدوم الصهيونية في الشرق الأدنى إذا عملت أمم العرب على أن تموت ولا تدوم.
وفي وسع الدول الكبرى أن تصنع كثيراً لإسرائيل إلاّ شيئاً واحداً لا تستطيعه لأنه لا يستطاع.
ليس في وسعها أن تقيمها على قدميها، وأن تغنيها عن معونتها وهي لا تفتأ تستعين بها على نفقات الدفاع، ونفقات الإيواء والتعمير، وسداد الديون، وإن طال صبرها على معونتها فليس في وسعها أن تضمن لها دوام "التقلبات السياسية" في مصلحتها، ولا أن تقتلع من طباع أبنائها جذور ذلك الداء الذي شكاه أنبياؤها قديماً، وسيشكوه لا محالة أصبر الساسة من الأقوياء والضعفاء: داء الرقبة الغليظة وليس له، دواء.
والصهيونية العالمية حقيقة واقعة..
هي قوة موجودة بأعمالها وآثارها.. موجودة بدعايتها وأخبارها، موجودة بمقاصدها وغاياتها ولا حاجة بها إلى وجود في صورة أخرى ما دامت موجودة بالأعمال والدعوة والغايات.
لكن هذه الصهيونية العالمية لا تعمل وحدها في هذا الميدان، بل تعمل معها قوتان أخريان أكبر منها، وهما: قوة المصالح الاستعمارية، والتعصب الشديد على الإسلام.
* * *
إن الغربيين الذين يساعدون الصهيونية العالمية لا يساعدونها حباً لها فما في الناس أحد يحب الصهيونية، والصهيونيون أنفسهم لا يحب بعضهم بعضاً حتى في فلسطين.. وإنما المسألة هنا خدمة للمصالح الاستعمارية، وعداوة للإسلام وليست محبة للصهيونية.
هي -إذن- ثلاث قوى تعمل في قضية فلسطين: قوة الصهيونية العالمية، قوة المصالح الاستعمارية، وقوة التعصب على الإسلام.
والمؤلف هنا يضع النقاط على الحروف! إنه يعلنها صريحة كل الصراحة.
فلا أظن هذا الذي يقرره لنا هنا بكل وضوح في حاجة إلى أي تعليق!
فلننتقل إذن إلى موضوع آخر: موضوع يقول عنه المؤلف: الطوابير الخامسة للصهيونية العالمية في ميادين السياسة والاقتصاد.
وفي ذلك يقول: الطوابير الخامسة هي مصدر القوة الكبرى للصهيونية العالمية، لأنها منتشرة في كل بلد.. متفقة على الحقد والضغينة، وإن لم تتفق على المحبة والخير، مطلعة على أسرار الدول، وأسرار الشركات، وأسرار المجتمعات، ولا توجد قوة في العالم تنتشر هذا الانتشار، وتتفق على الحقد والضغينة هذا الاتفاق، وتطلع على الأسرار، وعلى وسائل استغلالها هذا الاطلاع.
وقد يكفينا هنا أن نشير إلى مثالين اثنين من أمثلة عديدة أوردها المؤلف، المثال الأول في الميدان الاقتصادي "الأخوة روتشيلد" يقول المؤلف عنهم: يوجد في العالم أفراد من ملوك المال أمثال مورجان وروكفلر ولكن لا يوجد فيه ملوك مال من قبيل الأخوة روتشيلد: روتشيلد بريطاني في لندن، وروتشيلد فرنسي في باريس، ورتشيلد ألماني في برلين، وروتشيلد نمسوي في فينا، وحولهم شبكة محكمة في السر والعلانية تحيط بالأسواق ودواوين الحكومات.
المثال الثاني من رجال الطابور الصهيوني العالمي في الميدان السياسي يذكره المؤلف الكبير، ليس من عندياته -كما سترى- وإنما استناداً إلى صحيفة اليهود الرسمية المعروفة "جويش كرونيكل" فمن هذا الرجل، إنه "شرشل" الذي كان يقول ولا يداري خبيئة صدره "إنه صهيوني".
ويعلق المؤلف قائلاً: هذا طابور من الطوابير الصهيونية الخامسة التي تعمل للسيطرة العالمية.. ثم يقول: وإن هذا الطابور الخامس لواحد من طوابير كثيرة. فإن يكن في الأمر عجب فليس هو العجب لنفوذ الصهيونية في العالم.. بل العجب ألاّ يكون لها في العالم نفوذ أكبر من هذا النفوذ!!
لكن هل هذه وحدها هي الطوابير الخامسة للصهيونية العالمية؟
أبداً إن الصهيونية العالمية لا تكتفي بطابورها الخامس في الميدان السياسي، أو طابورها الآخر في الميدان الاقتصادي!
إن هناك طابوراً آخر لها في الميدان الثقافي.
والصهيونية العالمية -كما يشير المؤلف- تتوسل إلى السيطرة على الثقافة والفنون بوسائل كثيرة، ومن هذه الوسائل:
أولاً: وسيلة الصحافة العالمية.
ثانياً: وسيلة الشركات التي لها اتصال وثيق بالصحافة ولا سيما شركات الإعلان.
ثالثاً: شركات النشر والتوزيع.
رابعاً: هيئات الثقافة العالمية.
وهذه الوسائل الأربع كافية مع التضامن والتآلف لتمكين الصهيونية من السيطرة على الكتابة والقراءة سيطرة لا تتيسر لقوة عالمية أخرى.
تتمكّن الصهيونية العالمية من الصحافة بالمساهمة في رؤوس الأموال، والمساهمة في التحرير والمراسلة وبالمساهمة في السبق إلى الأخبار والأسرار.
ولكن الوسيلة النافذة هي الوسيلة الثانية، وهي شركات الإعلان، فالصحف التي تطبع الملايين في البلاد الغربية لا تستغني عن الإعلانات ولا تأتي لها تعويض النفقات الكثيرة بثمن البيع أو الاشتراكات السنوية.
والصحيفة التي تجازف بالموت هي الصحيفة التي تهاجم الصهيونية العالمية، أو تناهضها في دسيسة من دسائسها فإن المساهمين في رأس مالها يهددونها ويحرجونها في مجالس الإدارة فإن لم تكن للصهيونية حصة كبيرة من رأس مالها ولم يكن لهم دخل في تحريرها وإدارتها فهناك الإعلانات التي تعول عليها ولا تستغني عنها فإنها تنقطع عنها فجأة وتتركها عرضة للإفلاس.
وتأتي الهيئات العالمية بعد هذه الهيئات المشتغلة بالصحافة أو النشر أو الإعلان والدعاية تأتي بعد ذلك هيئات عالمية لا تخطر على البال لأول وهلة، لأنها مفروض فيها أن تعمل لخدمة الأمم الإنسانية جميعاً، ولكنها لا تعمل لخدمة أحد كما تعمل لخدمة الصهيونية العالمية.
من هذه الهيئات العالمية الهيئة المعروفة باسم -اليونسكو- والتي يقال إنها مجعولة لخدمة الثقافة الإنسانية في أرجاء العالم، والتي تتقاضى المال من كل أحد غير الصهيونيين.
فهذه الهيئة العالمية -الإنسانية- ينتشر في دواوينها الصهيونيون بين أمناء السر ورؤساء المكاتب ومديري الحسابات، وزمرة المحررين والمسجلين، ولم تعمل حتى اليوم عملاً أظهر وأجهر من أعمالها في خدمة الصهيونية ومحاربة أعدائها.
والحديث سيطول ويطول لو أردنا أن نعرض لحديث المؤلف عن بقية أنواع الطوابير الخامسة للصهيونية العالمية.
فلنتجاوز ذلك إلى حديثه عن أساليب الصهيونية العالمية في العصر الحاضر حيث نراه يقول:
تختلف أساليب الصهيونية بين عصر وعصر على حسب اختلاف الحوادث والأفكار والمناسبات واختلاف وسائل الإقناع والدعاية والتأثير ولكنها في جوهرها شيء واحد تتلخص في استطلاع الأسرار والخفايا وتسخير سلطان المال لاستغلال الحركات الاجتماعية والعلاقات بذوي النفوذ والاتجاه بها إلى الوجهة التي تحقق لها مصالحها وأغراضها.
وينبغي أن نعلم أنها بطبيعتها أساليب هدم ومقاومة وأساليب غش وتضليل ولا مناص لها من ذلك إلاّ إذا خرجت على طبيعتها وتخلت عن وجودها لأنها لا تستطيع البناء والتعمير ولا تستطيع الأمانة والعمل الصريح.
كذلك لا تستطيع الصهيونية العالمية أن تسود بغير الخداع والتضليل لأنها لا تعمل بسلطان القوة الظاهرة أو بسلطان الملك والسلاح، وإنما تعمل بسلطان المطامع والمنافع والشهوات من وراء ستار فلا بد لها على الحالين من أساليب الهدم وأساليب الخداع.
لهذا تبادر الصهيونية إلى استغلال نفوذها في إثارة الفتن والقلاقل، وتظفر الفتنة بتأييدها كلما توقعت منها الإمعان في الهدم والفوضى!
وقد اشتركت الصهيونية في كل حركة من حركات الهدم والتدمير.. وآخر ما اشتركت فيه -ولا تزال مشتركة فيه- حركة الشيوعية في العصر الحديث.
وربما كان الصهيوني من أصحاب الملايين ولكنه يحرص على نشر الشيوعية ويمولها بالمال والدعاية، ويواليها بالدسائس والمؤامرات في مجتمع السياسة الدولية.
ومن المعلوم قبل هذا أن إمام الشيوعية الأول هو -كارل ماركس- اليهودي وإن منافسه في ألمانيا -لاسال- من سلالة اليهود!
ومن أساليب الصهيونية العالمية استغلال الحركات الاجتماعية، والاتجاه بها إلى الوجهة التي تريدها.
ومع استغلال الحركات الاجتماعية تعنى الصهيونية في كل وقت باستغلال المراكز العالمية والعلاقات الشخصية بأصحاب النفوذ من حكومات العالم جميعاً، وحكومات العالم الكبرى قبل سواها.
فما من رئيس ذي سلطان في السياسة الدولية وفي سياسة قومه يتركه الصهيونيون بغير رقابة منهم على القرب تحيط به وتنفذ إلى أسراره ونياته وتبذل له الخدمة التي يتعودها ويتوهم مع الزمن أنه لا يستغني عنها فلا يزال معولاً عليها في كل عمل يفكر فيه أو يقدم عليه.
وفي الوقت الحاضر كل جهود الصهيونية العالمية تنحصر في غاية واحدة، وهي إنقاذ إسرائيل من قضائها الذي تخشاه.
ولا سبيل إلى ذلك في تقدير الصهيونية وفي الواقع الذي يراه غيرها كما تراه إلاّ بوسيلتين:
أولاهما: الصلح مع العرب.
والأخرى: استبقاء نفوذها في البلاد الأمريكية.
فالواقع -يقول العقاد- إن إسرائيل هالكة لا محالة إذا استمرت مقاطعة العرب لها سياسياً واقتصادياً بضع سنوات أخرى!
ولهذا يتعمدون خلق المشكلات بين إسرائيل والبلاد العربية عسى أن يؤدي البحث في المشكلات إلى البحث في الصلح.. وعسى أن يؤدي البحث في الصلح إلى فك الحصار السياسي والاقتصادي عن الدويلة القائمة على غير أساس!
لكن: ما هو مصير الصهيونية العالمية؟
في عبارة موجزة صريحة يقرر العقاد أن الصهيونية العالمية قوة مولية.. وأن عوامل الزوال التي تحدق بها أكثر من عوامل الثبات.
ولهذا المصير، ولهذا الزوال أكثر من سبب واحد يشرحه مؤلف الكتاب، ويعنينا هنا أن نشير إلى واحد منها وهو مقاطعة العرب لإسرائيل، وفي هذا الصدد يقول:
إذا كان هناك شيء يتفق عليه العرب والصهيونيون، ويتفق عليه من يكتبون لمصلحة القضية العربية، ومن يكتبون لمصلحة الصهيونية فذلك هو الحقيقة التي تبدو لأول نظرة، ثم تبدو مؤكدة مرددة بعد مائة نظرة: إن إسرائيل لا تحتمل البقاء مع مقاطعة العرب لها، فإذا قاطعها العرب وثابروا على مقاطعتها فليس في الأرض قوة تنصرها عليهم وليس بالعرب من حاجة إلى سلاح يدفعون به خطرها أمضى من هذا السلاح.
وإسرائيل بعد لا يمكنها أن تعيش -إذا ما قدر لها أن تعيش- إلاّ بإحدى وسيلتين أولاهما أن تظل عالة على التبرعات والمعونة الخارجية بغير انقطاع ولا تستطيع دولة أن تعتمد على هذا المورد في تدبير وسائل البقاء الطويل.
والوسيلة الأخرى أن تعيش بمواردها في صناعتها ومرافقها التجارية والاقتصادية وليس في استطاعتها أن تعيش بمواردها الصناعية وثروتها الاقتصادية حين يتقدم العرب في الصناعة، وحين تصبح لهم تجارة تناسب هذا التقدم في إخراج المصنوعات.
إذن ماذا؟
إذن لا بد من وسيلة للحيلولة دون أي تقدم يحرزه العرب في مجال الصناعة والاقتصاد.
وإذن -وهذا ما يقوله الكاتب هنا في كلمات واضحة كل الوضوح: فتعجيز البلاد العربية -إلى الأبد- شرط لازم لبقاء إسرائيل معتمدة على مواردها، غير معتمدة إلى غير نهاية على صدقات المتبرعين ومعونة الحماة والنصراء من الدول الأجنبية.
ينبغي أن تظل البلاد العربية عاجزة عن التقدم الصناعي، فريسة للمستغلين من الصهيونيين لتعيش إسرائيل بثروتها وموارد صناعتها.
ينبغي أن يضرب الحجر الأبدي على بلاد العرب فلا تكون لها قوة تزيد على قوة إسرائيل في ميدان القتال، ولا تكون لها صناعة تعول عليها، وتستغني بها عن الصناعة الصهيونية في أيام السلام!
ويتابع مؤلف كتاب -الصهيونية العالمية- كلامه في هذه النقطة.. إلى أن يقول:
إذا كان رجحان الصهيونيين في عدة الحرب واجباً متفقاً عليه، وخطة مقررة في عرف حماة الصهيونية -فليس من المعقول أن يسمح للعرب بالرجحان في عدة الصناعة وموارد الثروة والمال، ولا حاجة إلى قراءة الضمائر الخفية للعلم بالمقاصد المبيتة للعرب جمعاء، فلن تقف تلك المقاصد دون تعجيز العرب في ميدان الحياة العصرية، وتقييد نهضاتهم وبرامج الإصلاح في أوطانهم -كلما عملوا على تدبير ثروتهم، وتوفير مصنوعاتهم، والانتفاع بخاماتهم، والاستغناء بها عن السادة المتحكمين، أو السادة المستغلين في إسرائيل!
وهذه هي الصهيونية المستعمرة!
وهذا هو الاستعمار الصهيوني الذي لا يدانيه في الخطر استعمار قديم ولا حديث، لأنه يوصد طريق التقدم -من جميع جهاته- أمام ثمانين مليوناً ليستغلهم مليونان، ولا ينتهي هذا الاستغلال بعد حين قصير أو طويل، بل يزداد ويتفاقم مع الزمن، وتتواطأ عليه القوى البارزة والمستترة، ممن يسمون هذا المسخ الأبدي توازناً في الاستعداد والعدة بين العالم العربي وعصابة صهيون.
وبعد.. فلا أظنه في حاجة إلى تعليق هذا الذي يقوله الأستاذ العقاد عن حقيقة الصهيونية العالمية، وحقيقة أهدافها ومخططاتها ومؤامراتها ومناوراتها.. وعن بشاعة الخطر الذي ما يزال يقف بالمرصاد من جانب إسرائيل بالنسبة للأمة العربية جمعاء.
فلنقف عند هذا.. وليكن ختاماً لهذا العرض المختصر لكتاب -الصهيونية العالمية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :887  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج