شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شمس العرب تسطع على الغرب (2)
صفحات أخرى مشرقة من كتاب المستشرقة الألمانية "زيغريد هونكة" نمضي معها في هذا الفصل..
في هذه الصفحات تتحدث إلينا المؤلفة الألمانية عن المدى الذي بلغه العرب في عشقهم للعلم.. وعنايتهم بالتعليم!
ثم نقرأ حديثها عن الأندلس وعن جمال الأندلس، وعن حضارة الأندلس وشعبها الشاعر.. كما شاءت هي أن تطلق عليه هذا الوصف الرائع الجميل!
ولا تتردد هذه المستشرقة الباحثة المنصفة وهي تختتم كتابها الضخم عن الشمس التي سطعت من أرض العرب من أرض الإسلام لتضيء بنورها سائر أنحاء المعمورة -ومنها أوروبا- لا تتردد في أن تقول إن كل موجة علم أو معرفة قدمت لأوروبا في ذلك العصر -العصور الوسطى- كان مصدرها البلدان الإسلامية.
ولنستمع للدكتورة "زيغريد هونكة": "لو أردنا دليلاً آخر على مدى الهوة العميقة التي كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف أن نسبة خمسة وتسعين في المائة على الأقل من سكان الغرب في القرون: التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر الميلادي كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة..
وبينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه في شيخوخته لتعلم القراءة والكتابة، وبينما أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة أو القراءة، وفي الأديرة يندر بين الكهنة من يستطيع مسك القلم لدرجة أنه في العام 1291م لم يكن في دير القديس جالينوس من الكهنة والرهبان من يستطيع حل الخط.. بينما كان هذا كله يحدث في الغرب، كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات يجلسون على سجادهم الصغير يكتبون بحبر يميل إلى السواد فوق ألواحهم الخشبية ويقرأون مقاطع من القرآن حتى يجيدوها، ويجودون ذلك معاً بلحن جميل عن ظهر قلب، ثم يتقدمون خطوة تلو الأخرى في المبادئ لقواعد اللغة، وكان الدافع إلى كل هذا هو رغبتهم الصادقة في أن يكونوا مسلمين حقاً كما يجب أن يكون المسلم.. فلم يجبرهم أحد على ذلك، بل اندفعوا إليه عن رغبة وإيمان لأن من واجب كل مسلم أن يقرأ القرآن.. وهنا تتسع الهوة بين الشرق والغرب أيضاً؛ فالكتاب المقدس لا يجد الناس إليه سبيلاً، إذا استثنينا الكهنة ورجال الدين فهم وحدهم يستطيعون قراءته وفهم لغته، وعلى خلاف ذلك كانت الحال في العالم الإسلامي.. لقد اهتمت الدولة بتعليم الرعية ولم تلبث أن جعلت من التربية واجباً ترعاه؛ فالأطفال من مختلف الطبقات يتلقون التعليم الأولي مقابل مبالغ ضئيلة يقدر على دفعها الناس دون مشقة، ومنذ أن بدأت الدولة تعين المعلمين للمدارس أمكن للفقراء أن يعلموا أولادهم مجاناً..
وكان الطلبة يتناولون طعامهم مجاناً، ويتقاضون مرتباً صغيراً، ويسكنون في الأدوار العليا في المدرسة دون مقابل... أما في المهاجع فثمة المطبخ والمخازن والحمامات، وفي الطبقة الأرضية تلتف الفصول وقاعات المكتبة على شكل دائري.. وفي الوسط فناء فسيح تتوسطه نافورة ماء.. هنا يتعلم شباب العرب الطموح القرآن وقواعد اللغة والديانة والخطابة والأدب والتاريخ والجغرافية، والمنطق والفلك والرياضة، ويساهم الطلاب في المناقشات والمناظرات، ويعيد معهم دروسهم مساعدون من طلبة الصفوف المتقدمة، أو من الخريجين، وتبدو هذه المدارس كخلايا النحل الدائبة النشاط، تخرج للجميع شهداً حلواً فيه شفاء للناس، ولتقدم قادة للعلم والسياسة..".
* * *
"ويحدثنا أحد أساتذة تلك المدارس عن رحلة رسمية قام بها في أحد البلدان العربية فيقول:
"لم أذهب إلى مدينة أو قرية إلاّ ووجدت فيها طالباً من طلابي يتبوأ مركزاً هاماً".
.. أما الطريق الذي يسلكه الراغب في تعلم فرع معين من العلوم والذي يرغب الطالب أن يقوم هو بتدريسه يوماً من الأيام فكان يبدأ في المساجد.. فلم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب، بل كانت منبراً للعلوم والمعارف..
.. وحول أعمدة المساجد أُتيحت للطلاب دائماً فرصة الاستماع إلى الأساتذة الزائرين من كل أنحاء العالم العربي المترامي الأطراف.. فلقد كان المتعلمون في طريقهم السنوي إلى مكة لأداء فريضة الحج يغتنمون الفرصة فيزورون مراكز الثقافة الإسلامية الواقعة على مقربة من طريقهم، فيستمعون لكبار الأساتذة في دمشق أو في بغداد.. ومن أئمة العلماء من زار القيروان أو الجامع الأزهر بالقاهرة أو الزيتونة بتونس ليلقي تلك المحاضرات.. ومنهم المؤرخون والجغرافيون، ومنهم علماء الحيوان والنبات والباحثون عن تراث الأدب القديم، وهم جميعاً في حلهم وترحالهم يفيدون ويستفيدون، ومن شفاه هؤلاء وأولئك كانت الأفكار العلمية الحديثة تنتشر في كل صوب.
وكم كان من السهل أثناء نقل مثل تلك الأخبار من فم لآخر أن تسرق النظريات، والاكتشافات.. ولكن الأمانة العلمية الحقة منعت هذا.. فلم يكن العربي يرضى أن يحرق فمه بأفكار سرقها من غيره.. فمن يرغب من المعلمين أن يحاضر عن كتاب لغيره وجب عليه أن يحصل أولاً على إجازة من مؤلف الكتاب.. لقد قدم العرب بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستروس الثاني عدداً من الغربيين من جانبي البرانس، ظل يتزايد حتى صار تياراً فكرياً دائماً، فقدم العرب بها للغرب نموذجاً حياً لإعداد المتعلمين لمهن الحياة العامة وللبحث العلمي..
لقد قدمت تلك الجامعات بدرجاتها العلمية، وتقسيمها إلى كليات، واهتمامها بطرق التدريس، للغرب أروع الأمثال.. ولم تقدم هذا المظهر فقط، بل وفرت له كذلك اللباب: مادة الدراسة!".
* * *
وتتحدث مؤلفة الكتاب عن الحضارة العربية في إسبانيا، فتقول: "ازدهرت حضارة العرب في إسبانيا، وبلغت أوجها برغم أنهم لم يجدوا فيها شيئاً من الفكر أو الثقافة كما وجدوا في البلدان الأخرى التي فتحوها مثل مصر وسورية والعراق وفارس.. تلك البلدان التي مثلت شعوبها دوراً كبيراً في مزج الحضارات الهلينية، والبيزنطية والفارسية، والهندية، بالحضارة العربية".
إلى أن تقول: "خلال مدة حكمهم -حكم العرب- التي دامت حوالي 800 سنة خلقت الأسر العربية الحاكمة للأندلس حضارة زاهرة.. وتسابق الأمويون في قرطبة، وبنو عباد في إشبيلية، وبنو نصر في غرناطة، في بناء صرح الحضارة الشامخ.. بينما كان قسم من البربر والمسيحيين الذين أبوا أن يتعربوا.. يخربون كل مكان لم يصل إليه العرب!".
ثم تقول: "وبالقرب من "قرطبة" زرع الأمير العربي عبد الرحمن أول شجرة نخيل في الأندلس في حديقة قصره الذي بناه على نظام آبائه في سورية، وأصبحت تلك النخلة أماً لكل أشجار النخيل في أوروبا.. وها هو عبد الرحمن يحدثها في إحدى أغانيه قائلاً:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت: شبيهي في التغرب والنوى
وطول ابتعادي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي
يسح ويستمري السماكين بالوبل
ويعبر عبد الرحمن سليل البيت الأموي وأحد كبار شخصياته، عن حنينه للوطن دائماً بمثل تلك الكلمات.. لقد ولى الأدبار هارباً من النهاية الدامية التي لحقت بالبيت الأموي في دمشق.. وقضى خمس سنوات محفوفة بالأخطار في شمال أفريقية إلى أن تمكن ذلك الغريب الأعزل، معتمداً على شجاعته وفطنته وعزيمته التي لا تلين، من أن يصبح سيداً مهيباً لعرب الأندلس المتنازعين..
وكما زرع عبد الرحمن شجيرات النخيل في الأندلس، كذلك زرع فن البناء والموسيقى والشعر والحب وتعهدها حتى ازدهرت وخرجت تحمل رسالتها للغرب عبر الحدود!
خلال حكمه الذي دام 33 عاماً استطاع عبد الرحمن الأول أن يضع الأسس لأكثر الدول ازدهاراً في العصور الوسطى -برغم أن عصره كان مليئاً بالحروب- ليثبت دعائم دولته الفتية!
زينة الدنيا:
وتنتقل المؤلفة إلى الحديث عن فترة حكم عبد الرحمن الناصر فتقول: "عندما يذكر العربي كلمة الأندلس، وحينما يحلم بجنة الله في أرضه، لا بد له أن يتذكر فترة حكم عبد الرحمن الأكبر من 912-961م.. لقد وهب الأندلس في شخص عبد الرحمن الثالث، مثالاً طيباً لما يجب أن يكون عليه الحاكم.
لقد أوجد عبد الرحمن في الخمسين عاماً التي حكمها، من الأمة المنقسمة على نفسها دينياً وجنسياً، شعباً متحداً قاد العالم في طريق التقدم والرقي..
واستمر مستوى المعيشة في الارتفاع، بفضل المجهود الكبير الذي بذل في التعمير وري الأرض، وعرفت عيون العرب الخبيرة قيمة الكنوز التي يمكن اكتسابها من أرض الأندلس لو أحسن الانتفاع فيها، فحفروا الآبار، واختطوا السواقي.. وما فتئت أسماء كثيرة من الأدوات في الحقل الإسباني تحمل أسماء عربية.. ولم يترك العرب شبراً من الأرض إلاّ استثمروه.
كما اهتم العرب بالمناجم التي ظلت آلاف السنين لا تلمس منذ استغلها الفينيقيون القدماء، وبدأت صناعات عدة تنتشر في جميع أنحاء البلاد مما لم يكن للغرب فيها أية دراية.. وجذبت الأجور العالية في الأندلس آلافاً من العرب من جنود وصناع وزراع وتجار لينعموا بذلك الرخاء.. وزاد عدد السكان في الجزء الغربي من إسبانيا عام 950م على 30 مليون نسمة، وانتشرت حول قرطبة آلاف من القرى وقد عمها جميعاً رخاء وازدهار!
.. واحتذى سراة القوم حذو خليفتهم فأنشأوا آلاف القصور في كل أنحاء البلاد، كما أقاموا العديد من الحدائق العامة حيث يستظل الناس تحت أشجار الزيتون والنخيل والعنب والسرو..
.. وبينما "جريدة كولونيا الألمانية" تصف إضاءة الشوارع بمصابيح الغاز في عددها الصادر يوم 28 مارس 1819م بأنه شر مستطير.. كانت شوارع قرطبة حوالى عام 950م تزدان بثمانين ألف متجر، وتضاء ليلاً بمصابيح ثبتت على حيطان المنازل، وتباشر فيها أعمال النظافة عن طريق عربات القمامة التي تجرها الثيران.. ومضى على ذلك قرنان من الزمان قبل أن تتخذ باريس عام 1185م من قرطبة مثالاً لها فترصف شوارعها وتنظفها.. ومضى قرن آخر قبل أن تحذو المدن الأوروبية حذو باريس، ومما لا شك فيه أن تلك الأمثلة العربية الحية كانت مثار إعجاب الزوار المسيحيين للأندلس، وأنهم قد نقلوها إلى بلادهم عبر البرانس..
وتسجل الراهبة الشاعرة "هروزفيتا" وهي في صومعتها بدير "جاندرز هايم" بسكسونيا، إعجابها بقرطبة فتقول أغنية جميلة:
"قرطبة المدينة الشابة، هي زينة الدنيا!
قرطبة شهيرة بجمالها فخورة بقوتها!
قرطبة هي التي حوت كل شيء تزهو به المدن!".
وكان للحكم الثاني أكبر الفضل في بدء الحركة العلمية، فقد اهتم اهتماماً كبيراً بتثقيف شعبه.. وإذا كان أبوه عبد الرحمن اهتم بالسياسة والاقتصاد، فقد جعل الحكم كل هدفه السير بالأندلس قدماً في طريق العلم والمعرفة، لتتبوأ أعلى مكانة بين الأمم المتحضرة. ولا نعني أن أسلاف الحكم لم يهتموا بالحركة العلمية، لقد كانوا هم الذين جعلوا من كل مسجد مدرسة وأنشأوا في كل حي داراً للكتب وزودوها بمئات الألوف من الكتب التي جعلوها في متناول الجميع، ولكننا نعني أن الحكم قد بلغ الذروة بما قدمه للعلم والعلماء.. لقد أنشأ على سبيل المثال سبعاً وعشرين مدرسة جديدة يتعلم فيها أبناء الفقراء مجاناً ودفع من ماله الخاص أجور معلميها كما ساهم بنفسه في كل نواحي النشاط العلمي والأدبي في قرطبة، واستغل الثروات الضخمة التي تركها له أبوه في الإنفاق على الأبحاث العلمية وشراء الكتب، وانتشر رجاله في كل مراكز الثقافة الإسلامية يبحثون عن النادر من الكتب والمخطوطات، ويدفعون أغلى الأثمان بغية الحصول عليها.. وحكى القوم الكثير عن حب الحكم الجمّ للكتب، فيقال إنه قد قرأ الأربعمائة ألف كتاب التي حوتها مكتبة قصره.. وأنه قد علق عليها جميعاً، بل وبعث بتعليقاته لمؤلفيها شخصياً.. والواقع أن الحكم كان حجة في الأدب والتاريخ، وجد فيه علماء عصره زميلاً كفياً، وراعياً كريماً، فوفدوا إليه زرافات ووحداناً عبر البحر والصحراء وزخر بلاط الحكم بالعلماء والأدباء من كافة أنحاء العالم الإسلامي..
ولم يكن الحكم الثاني هو حاكم الأندلس الوحيد الذي اهتم بالعلم كل ذلك الاهتمام، فقد شاركه ذلك المجد عدد كبير من الأمراء..
شعب من الشعراء!
.. وكان للشعر الذي هو للعربي بمثابة الماء والهواء، حظ كبير في الأندلس، وكان الأمراء أنفسهم شعراء ممتازين..
.. واستطاعت القصيدة الرائعة دائماً أن تحقق المعجزات لدى شعب جعل من الشعر لغة التخاطب، فأجاده الفلاح إجادة المتعلمين.. ونظمته الأميرات والخادمات على حد سواء.. وانسابت روائع القصائد من شفاه الجميع دون مشقة أو جهد: صياد السمك يتغنى بالأشعار، والعامل البسيط يشغل وقت فراغه بنظم الشعر، والفلاح يرتجله وهو يسير خلف محراثه.
وبين هذا الشعب الذي ألف أطفاله نظم الشعر، يصعب علينا اليوم أن نتحدث عن شعرائهم فالكل شاعر، يقرض الشعر ويرتجله، وجميع الملوك والوزراء ورجال الدولة والبلاد ورجال السيف والقلم قد نظموا الشعر وتغنوا به..
وحين نتحدث عن شعب من الشعراء لا بد لنا أن نذكر الشعب العربي قبل الإسلام، والشعب العربي في الأندلس فإنه -هنا وهناك- جعل من الشعر المرتجل لغة ثانية للتفاهم والمعاملة، أعانهم على ذلك سهولة اللغة العربية في الوزن والقافية.
والشعر العربي ظهر فجأة حوالى 500م في صور فنية كاملة متميزة، ولا ندري نحن اليوم مصدر تلك الحركة الأدبية المفاجئة.. على أنه من المؤكد أن اللغة نفسها بكلماتها المنغمة قد مهدت السبيل لذلك..
.. ويتميز الشعر العربي بالعواطف والمشاعر الحية التي تتكامل حباتها كعقد من اللؤلؤ واللغة العربية الزاخرة بألفاظها ذات النغم الجميل تساعد البدوي الساذج على صياغة أرقى المشاعر البشرية في قالب جذاب.. والبدوي بحكم ظروفه وبيئته نافذ البصيرة، ولغته العربية هي لغة غنائية، حافلة بالتعابير الذاتية المتأتية عن انطباعات ومشاعر متماسكة تماسك اللآلئ في عقد جميل، لذلك نرى أن النزعة الغنائية تسيطر على الشعر العربي سيطرة تامة، كما هي الحال عندنا في أوروبا هذه الأيام، حيث اندثرت الملاحم..
ومن ناحية أخرى فإن اللغة العربية لغة مطواعة في ألفاظها إلى درجة نجدها فيها تدعو إلى نظم العواطف والمشاعر، شعراً.. وإنه لمدهش حقاً أن نرى البدوي الساذج والمحارب الباسل يتمتعان بمنفردات قادرة على التعبير عن أشياء وحاجات من جميع الزوايا والأنحاء.
وتمتعت المرأة العربية بمكانة عالية في المجتمع.. وكان منهن الشاعرات والباحثات في العلوم وتلقين العلم وسجل لهن تاريخ الأندلس صفحات من المجد.
وكان أثر الإسلام على كل ناحية فكرية أو مادية في تلك البلاد هو الأساس الذي قامت عليه حضارة إسبانيا..
.. وقد حمل مشعل الحضارة العربية عبر الأندلس ألوف من الأسرى الأوروبيين عادوا من قرطبة وسرقسطة وغيرها من مراكز الثقافة الأندلسية.
".. وانتهت سيادة العرب على إسبانيا عام 1492م.. وبانتهاء تلك السيادة العربية انتهت أعظم حضارة عرفتها أوروبا في القرون الوسطى.. وانتهى عصر نعمت فيه إسبانيا بالرخاء والخير العميم فارتفعت صناعاتها، واستغلت مواردها وزاد عدد سكانها وازدهرت فيها العلوم والآداب والفنون بدرجة لم تعرف لها مثيلاً".
وتتساءل المؤلفة في خاتمة كتابها، وهي تشير إلى شارل مارتل الذي يوصف في الغرب بأنه منقذ الغرب من سيطرة الحكم الإسلامي في الأندلس، تتساءل وتقول:
"هل فكر شارل حين هاجم المسلمين بجنوده أن يكون كما يدعي بعضهم منقذاً للغرب؟ ثم تجيب على ذلك بقولها: الحقيقة أن شارل لم يخطر بباله شيء من هذا.. بل لقد ذهل حين أخبر في الصبح بعد معركة غير فاصلة أن المسلمين قد انسحبوا، ولم يحتفل شعب شارل به قط كمنتصر على العرب.. وإنما احتفلوا به بوصفه قد أحرز النصر على القبائل الألمانية، ولم يعر خلفاؤه معاركه عند بواتييه وأفينيون ونيم ومرسيلية وتربونة أي اهتمام يذكر.
ولم تر الكنيسة في أعمال شارل وانتصاره في "بواتييه" أية بطولة أو حماية للمسيحية من أي نوع كانت.. بل رأت في ذلك لعنة الله تحل عليه كسارق لأموال الكنيسة، استباح أموال الأديرة لتسليح وإعداد جنده الذين اشتركوا معه في القتال".
ثم تقول المؤلفة الألمانية بعد هذا: "ألا نبالغ نحن اليوم في تصوير ما حدث عند بواتييه!؟
إن مؤرخاً بلجيكياً يرى أن ما حدث لم يكن له من نتيجة سوى منع اتساع رقعة دولة العرب في الأندلس.. هذه هي الحقائق الثابتة، أما ماذا كان يمكن أن يحدث للغرب لو لم يقف زحف المسلمين فهذا سؤال لا يستطيع التاريخ أن يجيب عليه، لأنه لم يحدث فعلاً.. والتاريخ لا يخمن ولا يفترض الافتراضات ليبني عليها نتائج لم يكتب لها الوجود.
.. إن التاريخ لا يهتم بماذا كان يمكن أن يحدث لو أن هذا قد حدث، أو لو أن ذاك لم يحدث.. إن التاريخ أعمق وأدق من أن يسبح في الخيال فواجبه الأول هو الاهتمام بالحقائق..".
"فكل موجة علم أو معرفة قدمت -لأوروبا- في ذلك العصر كان مصدرها البلدان الإسلامية".
"ولقد كان ظهور الإسلام وتوسعه عاملاً أنقذ الكنيسة من الانحدار".. "ولعلّ أكبر دليل على هذا هو أن الغرب بقي في تأخره ثقافياً واقتصادياً طوال الفترة التي عزل فيها نفسه عن الإسلام ولم يواجهه.. ولم يبدأ ازدهار الغرب ونهضته إلاّ حين بدأ احتكاكه بالعرب سياسياً وعلمياً وتجارياً.. واستيقظ الفكر الأوروبي على قدوم العلوم والآداب والفنون العربية، من سباته الذي دام قروناً ليصبح أكثر غنى وجمالاً، وأوفر صحة وسعادة".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1631  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج