الأمم المتحدة وكيف تعمل |
تأليف: دافيد كرشمان كريل |
تعريب: محمَّد رفعت المحامي |
الأمم المتحدة يتردد اليوم حولها الحديث في المحافل الدولية وفي صحافة العالم كلها، وعلى كل لسان يتردد هذا الحديث.. يتردد، ويتردد لأن أزمة خانقة توشك أن تعصف بكيان هذه الهيئة الدولية
(1)
. |
وليس الأمر أمر "أزمة مالية" وكفى، وإنما هو أبعد من ذلك.. إن أخشى ما يخشاه الناس هو ما وراء هذه الأزمة بطبيعة الحال! أخشى ما يخشونه -ولهم كل الحق- أن يؤدي الخلاف القائم بين أكبر قوتين في هذه الهيئة -وهو من الأسباب التي أوجدت أو ستوجد هذه الأزمة- أخشى ما يخشاه الناس جميعاً هو أن يتطور هذا الخلاف، ويؤدي أخيراً إلى ما لا تحمد عقباه! |
إن الحديث عن الأمم المتحدة في هذه الأيام، حديث يشوبه الكثير من القلق، على مصيرها نفسه في ما إذا استمر الخلاف وتطور، ولم يتوصل الطرفان الكبيران المتنازعان، أو لم تتوصل الأطراف كلها في الهيئة إلى إنهاء هذا الخلاف.. |
ولقد يسأل سائل -هنا- لماذا القلق؟ ليرى أمامه الجواب واضحاً وصريحاً: "إن الأمم المتحدة في هذا العصر والأوان أصبحت لا بد منها..". |
نعم لا بد من الأمم المتحدة.. وبالرغم من كل الأخطاء لا بد من أن يستمر كيانها قائماً، وأن يبقى جهازها الضخم الكبير يعمل ويعمل طالما أن "شريعة الغاب" ما زالت ملاذاً لبعض الأقوياء إلى يومنا هذا.. |
وما أكثر ما وقفت الأمم المتحدة بمجموع دولها من شرق ومن غرب في وجه الأقوياء! |
وما أكثر لو أردنا أن نرجع إلى الماضي القريب! |
هيئة الأمم المتحدة -إذن- شيء ضروري في عالم اليوم! شيء ضروري لأكثر من سبب من أسباب الحرب والسلام! ولأكثر من سبب من أسباب الرغبة في التحكم والجنوح إلى العدوان! |
ولسنا نقول هذا -كعرب- وننسى الأخطاء! |
بل نقوله ولسنا بالناسين ولا بالغافلين.. نقوله بالرغم من هذه الأخطاء! |
سنقرأ في كتاب اليوم كلاماً عن الأمم المتحدة.. |
إنه كتاب لمؤلف أمريكي يتحدث فيه عن الأمم المتحدة وكيف تعمل؟ |
نقرأ أول ما نقرأ في الكتاب كلمة للسيد عبد الخالق حسونة الأمين العام للجامعة العربية يتحدث فيه عن هذا الكتاب، ثم يستطرد إلى الحديث عن الأمم المتحدة وعن ميثاقها ولا ينسى أن يشير إلى موقفها المعروف من قضية العرب: قضية فلسطين. |
وبعد أن يتحدث عن الظروف التي سبقت إعلان ميثاق الهيئة وعما كان يجري من مباحثات -في نهاية الحرب- انتهت بعقد مؤتمر سان فرانسيسكو في سنة 1945 يقول السيد حسونة: |
".. وشاركت في هذا المؤتمر -مؤتمر سان فرانسيسكو- الدول الكبرى والوسطى والصغرى، وانتهى بأن أعلنت الشعوب بلسان حكوماتها وعلى يد مندوبيها المجتمعين في سان فرانسيسكو أنها قد ارتضت ميثاق الأمم المتحدة، وأنشأت بمقتضاه الهيئة العالمية تعبيراً عن الإيمان الصادق بحقوق الإنسان الأساسية وبالمساواة بين الأمم كبيرها وصغيرها، وتعاوناً على الاحتفاظ بالسلم والأمن الدوليين وأخذاً في حل المشاكل الدولية، وسعياً لترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعوب جميعاً، ورفع مستوى العيش للسواد الأعظم في العالم كله.." "وكانت الأمة العربية من أشد الأمم تحمساً لهذه المبادئ السامية إيماناً بأن العدل الدولي والتعاون الحر المتكافئ بين الأمم وسيادة كلمة القانون هي الكفيلة باسترجاع حقوقها السليبة، والتخلص من الاستعمار والاستغلال الأجنبيين، ونصرة قضايا الحرية التي تكافح من أجلها". |
* * * |
ثم يمهد المؤلف لكتابه فيقول: "في ربيع سنة 1945م كانت الحرب العالمية الثانية تقترب من نهايتها وقد مات في هذه الحرب ملايين الناس، وتشرد ملايين آخرون بلا مأوى يقاسون الجوع والبرد، وتاق جميع الناس إلى سلام دائم.. كما كان ضحايا الدمار الذي خلفته الحرب، ومئات الملايين ممن طحنهم الفقر حتى في وقت السلم تواقين للخلاص من الفقر والجوع والمرض، وفي جميع أنحاء العالم حيثما وجد أناس يعيشون تحت حكم أجنبي أو يقاسون ظلماً داخلياً كانت هناك رغبة ملحة في نيل الحرية والعدالة". |
".. وأسست هيئة الأمم المتحدة لمعالجة المنازعات الدولية التي تؤدي إلى الحرب، وفي ذات الوقت ساعدت الأمم المتحدة ووكالاتها العديدة العاملة، الأمم الأعضاء في صراعها الطويل ضد البؤس البشري والظلم والجور.. |
إن أهداف الأمم المتحدة الرئيسية ليست متنافرة، فمن الواضح أن السلام ضروري إن كان لا بد لأهل هذا العالم أن يعيشوا أحراراً في رخاء.. ولكن السلام لا يأتي مصادفة وإنما يقام بعدة أعمال تؤدي معاً إلى توفير الأمن الجماعي والقضاء على أسباب الحروب والجهود المتحدة التي تبذل لبناء عالم أكثر رخاء بفضل تعاون الناس من مختلف البلاد والأجناس ربما تساعد أيضاً على إرساء قواعد سلام دائم، والذين يعملون معاً ضد قوى الطبيعة المعادية قد يصبحون أصدقاء.. |
وأخيراً فإن ضغط الرأي العام العالمي لإقرار حقوق الإنسان يساعد في الوقت المناسب على التخلص من بعض أسباب الحروب بين الشعوب. |
* * * |
".. وقد استطاعت الأمم المتحدة منذ سنة 1945م وقف عدة حروب أو منعها، وعلى الأخص في كشمير.. وفي كوريا صدت قوات الأمم المتحدة العدوان، ولا ريب أنه ليست هنالك أية قوة على الأرض تستطيع أن تقدم ضماناً مطلقاً بقدرتها على منع نشوب حرب عالمية ثالثة قد يكون فيها فناء الجنس البشري، ولكن من الممكن عمل الكثير لجعل هذا الدمار أقل احتمالاً، وكثير من هذا تقوم به الأمم المتحدة الآن..". |
ويخص المؤلف الفصل الأول من الكتاب بموضوع جعل عنوانه "أصول العشب -أي في محيط الشعوب المتخلفة"- يتحدث فيه عن موقف الأمم المتحدة بالنسبة لشعوب كثيرة ما زالت في دور النمو.. وما زال أمامها الكثير من المراحل لكي تصل إلى مستوى أفضل في شتى مجالاتها في الحياة. |
وفي هذا الفصل يستطرد إلى الحديث عن الوكالات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة.. ومنها: منطقة التغذية والزراعة وقد أنشئت في سنة 1943م أي قبل إنشاء الأمم المتحدة، إلاّ أنها ارتبطت بها في ما بعد بموجب اتفاق عقد مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة. |
ومن أعمال هذه المنظمة إيفادها الخبراء لمساعدة البلاد التي تحتاج إلى مشورة فنية للحصول على غذاء أوفر ومحصولات جديدة، ولتتعلم كيف تقاوم الأوبئة وأمراض النباتات والحيوانات وكيف تحفظ الطعام وبصفة عامة كيف تزيد إنتاج المزارع ومصائد الأسماك والغابات.. الخ.. |
ومن هذه المنظمات أيضاً: منظمة الصحة العالمية التي أنشئت في مؤتمر عقد بنيويورك في يوليو سنة 1946م. |
ومنظمة الصحة العالمية وكالة خاصة تشرف عليها الجمعية العامة للصحة وهي تدلي بمشورتها للدول الأعضاء في الصحة العامة والرقابة على الأمراض.. الخ. |
وفي بعض ميادين الصحة مثل العلاقة بين الصحة والتغذية والزراعة وتتعاون معها.. |
ويشير المؤلف إلى صندوق الأمم المتحدة لإغاثة الأطفال الذي أنشأته الجمعية العامة في سنة 1946م، ويختص هذا الصندوق بتنظيم الدواء والغذاء اللازمين لخدمات الأمومة والطفولة الحيوية، ومكافحة الأمراض، وخاصة التي تصيب الأطفال. |
* * * |
والوكالة الأخرى الرئيسية من وكالات الأمم المتحدة التي تعمل مباشرة في أصول العشب، هي "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة".. ويشمل نشاطها ميدان التربية بأكمله، وتتصل لذلك بسائر الوكالات الأخرى.. وقد أفرد المؤلف لمنظمة اليونسكو فصلاً مستقلاً، هو الفصل الثاني من الكتاب.. |
* * * |
ثم يتحدث في الفصل الثالث عن النقد والتجارة، فيشير إلى البنك الدولي وقد أنشئ في عام 1944م على نمط شقيقته مؤسسة "صندوق النقد الدولي"، وتتضمن أعمال البنك إيفاد بعثات إلى الدول الأعضاء لبحث المشروعات الخاصة أو لإبداء المشورة في برنامج إصلاحي عام، ويتعاون البنك مع الوكالات الأخرى التي قد تكون لها مصلحة في المشروع المفتوح، وخاصة الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة. |
أما عن صندوق النقد الدولي فيقول المؤلف: إنه نظام وضع لتوفير احتياطات نقدية تستطيع الدول الأعضاء السحب عليها لمواجهة العجز الطارئ على تجارتها الدولية. |
ويتحدث في الفصل الرابع عن الخدمات الفنية للأمم المتحدة في ميادين المواصلات السلكية واللاسلكية، والبريد والطيران المدني والأرصاد الجوية، والملاحة البحرية وغيرها.. |
وفي الفصل الخامس يتحدث عن حقوق الإنسان، ومصادقة الجمعية العامة على إعلان حقوق الإنسان في ديسمبر سنة 1948، وينادي هذا الإعلان -كما يشير المؤلف- بحق جميع الناس كافة في الحياة والحرية وفي سلامة أشخاصهم.. إلى آخر ما يذكره في هذا المجال.. |
وتعليقنا على ما يقوله المؤلف في هذا الفصل حول حقوق الإنسان أن ما أعلنته الأمم المتحدة في هذا الصدد ما يزال أشبه بحبر على ورق.. وإلاّ فأين هي حقوق الإنسان في بلاد كثيرة لا تزال تشكو وتئن من تحكم الاستعمار ومن طغيان الغاصبين؟ |
أين حقوق الإنسان بالنسبة لعرب فلسطين الذين لا تزال هيئة الأمم المتحدة -أو على الأصح لا يزال الأقوياء جداً في الأمم المتحدة- يقفون من حقوقهم موقف من لا يعنيه الأمر في كثير أو قليل؟! |
إنه خطأ واحد ولكنه خطأ جسيم من أخطاء الأمم المتحدة دون أي شك ودون أي جدال. |
* * * |
ويتحدث بعد ذلك في فصول خمسة أخرى من الكتاب عن الشعوب غير المتمتعة بالحكم الذاتي -والمنازعات الدولية وكوريا -والتنظيمات الإقليمية -ونزع السلاح. |
وفي الفصل الحادي عشر يتحدث عن تنظيم الأمم المتحدة فيشير إلى جمعيتها العامة -ومجلس الأمن- والمجلس الاقتصادي والاجتماعي -والأمين العام- والسكرتارية.. ويشير إلى "تكاليف" الأمم المتحدة، فيذكر أن الأمم المتحدة لا تكاد تتكلف شيئاً بالقياس إلى المؤسسات الدولية التي يتعين عليها أن تواجه حاجات مادية، والميزانية العادية للأمم المتحدة تبلغ نحو 47 مليون دولار سنوياً.. وتبلغ ميزانية صندوق الأمم المتحدة الدولي للطفولة نحو 20 مليون دولار، وغوث اللاجئين الفلسطينيين نحو 25 مليون دولار وبرنامج المعونة الفنية نحو 24 مليون دولار سنوياً.. وتجمع هذه الأموال من توزيع خاص للأنصبة على كل دولة، ومن الهيئات الخاصة ولا تدفع مباشرة من ميزانية الأمم المتحدة. |
وأضخم نفقات لعمل دولي هي لا ريب نفقات التسلح وتنسقها المنظمات الإقليمية وتؤديها الأمم خارج ميزانية الأمم المتحدة. |
أما الفصل الثاني عشر والأخير، فيخصه المؤلف "دافيد كريل" بحديثه عما يسميه "فلسفة الأمم المتحدة" ويبدأ حديثه في هذا الفصل بإيراد كلمات للرئيس الأمريكي أيزنهاور عن الأمم المتحدة جاءت في خطاب ترحيب وجهه في يوم 23 من سبتمبر سنة 1953 إلى لجنة الولايات المتحدة الخاصة بيوم الأمم المتحدة. |
يقول أيزنهاور: "إنها -أي الأمم المتحدة- على الرغم من جميع عيوبها ومواقف الإخفاق التي قد نحصيها عليها، لا تزال تمثل خير أمل قائم للإنسان: أن يستبدل بميدان القتال، مائدة المؤتمر. |
وإذا كان لها مواطن فشلها، فقد ظفرت أيضاً بمواطن توفيقها.. فمن يدري ماذا كان يحدث في تلك السنوات الماضية، المليئة بالجهد والنزاع إن لم تكن عندنا الأمم المتحدة. إنني أعتقد أنها أعظم بكثير من أن تكون مجرد منظمة مرجوة في هذه الأيام، وإذا كان كل اختراع جديد للعلماء يبدو أنه يجعل الإنسان أكثر تأكداً من نهاية فنائه، فإنني أرى أن الأمم المتحدة قد أصبحت ضرورة بينة". |
ويمضي المؤلف -بعد أن ينقل لنا هذه الفقرة من خطاب الرئيس الأمريكي الأسبق- فيتحدث إلينا في كلام طويل عن الفلسفة التي تقوم عليها هيئة الأمم المتحدة، وعن أهمية دورها في هذا العصر، وجدوى ما تؤديه من خدمتها للسلام! |
وبعد فهذه هي الأمم المتحدة أو هذا هو تنظيمها -في إيجاز وفي اختصار- ولنا أن نقول مع مؤلف هذا الكتاب أيضاً: "هذه هي فلسفتها"! إنها فلسفة تقوم على التقريب -ما أمكن التقريب- بين القوى المتصارعة أو كما يقول الرئيس أيزنهاور على "أن نستبدل بميدان القتال مائدة المؤتمر".. |
ولكنا نقول كذلك: إنه ما دامت الأمم المتحدة لا بد من وجودها في عالم اليوم، فلا بد لها من أن تصحح الأخطاء! بل ونقولها في وضوح أكثر: إنه من الخير للأمم المتحدة أن تجعل من نفسها مناطاً لآمال الأمم جميعاً -كبراها وصغراها على حد سواء- إذا ما أرادت بحق وحقيق أن تكسب مزيداً من الاحترام! |
|