المنهل في عامه الأربعين |
في عام 1379هـ -احتفل المنهل الأغر بيوبيله الفضي بمناسبة دخوله في عامه الخامس والعشرين.. |
والآن يستقبل عامه الأربعين، وهو أكثر رواء.. وأجمل إخراجاً، وأوفر مادة، وأوسع شهرة وذيوعاً في العالم العربي. |
ولم يكن ذلك إلاّ بتوفيق من الله، ثم بجهود متصلة ما يزال يبذلها في سبيله باستمرار، صاحبه المفضال، الأستاذ عبد القدوس الأنصاري، ومن الحق أن نقول إنها جهود كان لها ثمارها، وكان لها أثرها، شأن كل جهد يؤديه صاحبه بإخلاص، ويثابر عليه، غير ملق بالاً إلى ما يصادفه في طريقه من صعاب، ويلاقيه من عقبات! |
وما أكثر الصعاب والعقبات في الميدان الصحافي. |
وما أكثر ما يواجه رجل الصحافة من مشاق ومتاعب.. يعرفها كل من مارس هذه المهنة، أو اتصل بها من قريب أو بعيد. |
ومن أجل ذلك أصبحت توصف بمهنة المتاعب: أو مهنة البحث عن المتاعب.. |
ولا شك أن هذه المتاعب تغدو أكثر وأكثر في المجال الصحفي الأدبي، بما لا تقارن به متاعب الصحافة الإخبارية. |
فالصحافة الإخبارية -كما لا يحتاج هذا إلى بيان- لها قراؤها الكثيرون، ولها من موارد الإعلانات وغيرها ما يساعدها أكبر مساعدة على مواصلة السير، ومع ذلك، فإن هذه الصحافة الإخبارية نفسها نراها أحياناً تشكو من قلة الموارد، وكثرة النفقات... |
أما في عالم الصحافة الأدبية، فالأمر يختلف كل الاختلاف.. في عالم الصحافة الأدبية، نلاحظ أن القرّاء قليلون... قليلون جداً، وليس هذا في بلادنا فقط، بل هو أمر مشاهد ومحسوس في كل البلاد العربية مع الأسف الشديد! |
الصحافة الأدبية لا يقبل عليها سوى المثقفين، ويا ليت كل المثقفين، إذن لهان الأمر، وخفت المشقة، وهذه هي أزمة الأدب، أو بعبارة أفصح مأساة الأدب في كل مكان! |
وما أكثر المجلات التي ظهرت ثم احتجبت.. وكانت قلة الموارد فقط هي السبب في الاحتجاب! |
فإذا ما رأينا مجلة المنهل الآن.. وقد بلغت عامها الأربعين، وهي أجمل مظهراً وأدسم مادة، فلا يسعنا إلاّ أن نغتبط لذلك كل الاغتباط، مقدرين جهود صاحبها ومؤسسها الأستاذ الكبير عبد القدوس الأنصاري. |
* * * |
والواقع أن كل مجلة أدبية ثقافية من نوع المنهل تعتبر "دائرة معارف" لا يستغني عن الرجوع إليها، باحث، أو مؤلف، أو أديب.. بل هي أكثر من دائرة معارف إذا أردنا الإنصاف، ولست أقول هذا بدون مستند بل أقوله بعد أن قرأت لباحث أديب معروف كلمة ذكرها عن المجلات الأدبية، وردت في محاضرة من محاضراته عن الصحافة الأدبية قال الدكتور شكري فيصل الأستاذ بالجامعة السورية
(1)
. |
".. آية هذا كله أن للمجلات قيمتها وأثرها.. هذا الذي حاولنا أن نجليه، وأن هذه القيمة، وهذا الأثر، ينزلان المجلة من تاريخ الفكر منزلة سامية.. فهذه المؤسسة الفكرية، لا تقلّ عن أية مؤسسة أخرى من المؤسسات الثقافية... وحين نذكر الجامعات والمخابر، ودور البحث والأفراد والشخصيات المتميزة، فيجب أن نذكر كذلك معها وفي صفها "المجلات"، بل إن المجلات لتسبق بعض هذه المؤسسات لأنها تملك من الحرية والقدرة على الإثارة ما لا يملكه غيرها، وتستطيع أن تعطي من النتائج ما لا يحققه سواها.. الخ". |
* * * |
هذا وللمنهل تاريخه الأدبي الحافل وقد تناولت مواده المنوعة شتى الميادين الثقافية والاجتماعية ففيه مئات، ومئات، من بحوث الأدب والتاريخ، واللغة وغيرها وفيه مئات من تراجم الرجال المشهورين قدماء ومعاصرون بالإضافة إلى ما حفل به من شعر وقصص، عدى مقالات صاحبه في افتتاحياته، وأكثرها في التعليق على الأحداث.. |
ولقد كان من اهتمامات المنهل، عنايته الشديدة عند كل مناسبة عن مناسبات بلادنا الهامة بإصدار الأعداد الخاصة.. ولهذه الأعداد قيمتها التاريخية، لأنها تتناول موضوعاً رئيسياً معيناً من شتى جوانبه، وكافة نواحيه.. |
وأذكر من هذه الأعداد الخاصة: |
عدد الإذاعة السعودية وعدد ذكرى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وعدد الشعر، وعدد القصة وعدد أدباء المملكة، وأعداد رحلات رئيس التحرير إلى الرياض والباحة والمنطقة الشرقية، والبحرين والكويت والجار والعدد الضخم الخاص برحلات جلالة الملك فيصل المعظم إلى أنحاء العالم، وأخيراً عدد الجامعات السعودية الذي صدر في ذي الحجة 1393هـ. |
فهذه الأعداد أصبحت (مراجع) بحق للباحثين والمؤلفين، ومن هنا تبدو لنا أهميتها في تاريخنا الأدبي.. |
ومن سمات المنهل وميزاته -كما قلت هذا في (المنهل الفضي): اعتداله في كل الأمور، وتحريه للجيد من الموضوعات ولكل أديب ناضج موهوب. |
ولعلّ أبرز هذه الميزات ما كان يحرص عليه صاحبه -ولا يزال- من البعد عن المهاترات، والخصومات والإثارة، وكل ما يوجد حزازة في النفوس. |
وبهذه الصفات والسمات كسب المنهل أصدقاء كثيرين في مختلف البلدان العربية أصبحوا يسهمون بالكتابة فيه بصورة ثابتة وهذا كسب -في الحقيقة- ليس بالقليل. |
وبعد، فهذه كلمة عجلى.. أكتبها تحية للمنهل الأغر بمناسبة مرور أربعين عاماً على صدوره راجياً له المزيد من التقدم، والمزيد من الازدهار. |
ولصاحبه صديقنا العزيز أبي نبيه، المزيد من العون والتوفيق. |
|