شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
على هامش حوادث فلسطين (1)
ما أظن حوادث فلسطين الأخيرة بعد أن تطورت هذا التطور السريع على أثر قرار التقسيم المعروف... ذلك القرار الذي كان أكبر وصمة في جبين أولئك الذين لم يتورعوا عن أن يعلنوه في العالم، ما أظن حوادث فلسطين بعد أن تطورت هذا التطور، وبعد أن جاء هذا التطور في أروع مظهر قومي... إلاّ وهو: "اتحاد كلمة العرب" ووقوفهم جميعاً صفاً.. لأول مرة في تاريخهم منذ بضع مئات من السنين.. ما أظن هذه الحوادث إلاّ فيصلاً بين عهدين يختلفان كل الاختلاف بالنسبة لهذه الأمة، فأما أولهما فهو عهد الخنوع والذل والاستسلام أمام القوة العاتية الجبارة، قوة الاستعمار، والرغبة في التحكم، والميل إلى الانفراد باستغلال خيرات الأرض.. كل هذا بدعوى أن العلم والحضارة قد احتكرتهما أوروبا وأمريكا، فهما وحدهما القوامتان على الشعوب، وهما وحدهما من يجب أن يختصا بأن يحكما هذا العالم، سواءً بالذات كما سجل هذا تاريخ العهد الحديث، أو بالواسطة كما يراد اليوم أن يتجمع متشردو اليهود من شتى آفاق الأرض، لكي ينشئوا دولتهم الفاشلة في قسم كبير من أراضي فلسطين..
وأما العهد الثاني، فهو هذا العهد الجديد: عهد الشعور والإحساس والوعي، وابتداء اكتمال النضج السياسي والقومي، والإدراك العام بأن الحياة بدون الحرية لا قيمة لها، وخير منها الموت في ساحة النضال، وبأن الأمة المهانة في أوليات حقوقها لا يمكن أن تعتبر أمة ذات كيان، أو حتى ذات كرامة أو حتى ذات وجود!
أما بعد، فماذا كان من مظاهر حوادث فلسطين الأخيرة؟ وماذا كان من نتائجها؟ وماذا ينتظر أن يكون من نتائج تتابع تطوراتها على هذا النحو.. سواء من الوجهة السياسية، أو من الوجهة العسكرية أو من الوجهة الاقتصادية؟
لقد كان من مظاهر هذه الحوادث "اتحاد كلمة العرب" كما قلنا، وهو أكبر وأروع مظهر بدون جدال، وليس خافياً على أحد ما كان يتهامس به أعداء العرب من عدم إمكان تحقيق أي اتحاد من هذا القبيل..
ومن مظاهر هذه الحوادث أيضاً -وهو مظهر له مغزاه الخاص أن العرب أثبتوا واقعياً ما كان يظنه أقطاب الاستعمار، وأذنابهم من اليهود، مستحيلاً أو قريباً من المستحيل.. أثبت العرب أنهم أمة ما زالت محتفظة بخصائصها العسكرية وما يتبع هذه الخصائص من شجاعة وإقدام، وعناد في المواقف الحاسمة وثبات أمام الصعوبات، وقد كان القائلون بأن الشرق شرق، والغرب غرب، يعتقدون كل الاعتقاد بأن العرب قد فقدوا هذه الخصائص بعد أن غزت بلدانهم جحافل الاستعمار، وبعد أن تعودوا عادات الطاعة للحكم الأجنبي، وبعد أن حطمت من أعصابهم وأزالت من نفوسهم "طبائع الاستبداد!".
وكان من نتائج هذه الحوادث ما قدمته الجيوش العربية جميعها من برهان عملي على صدق جهادها وقوة روحها المعنوية، واتساع مدى فعاليتها.. وأخيراً كان من نتائج كل ما ذكر أن أولئك الذين "سودوا" قرارهم الجائر المعروف بدأوا للمرة الأولى يفتحون عيونهم على الحقائق الساطعة -لقد بدأ المتآمرون في هيئة الأمم المتحدة بعد أن كانوا- إلى بضعة شهور ينظرون بمنظار الهزء والسخرية إلى موقف العرب أصحاب البلاد الشرعيين، من اليهود النازحين إليها من أطراف الأرض، بدأ هؤلاء المتآمرون يفهمون -ولكن مع الأسف بعد أن فضحهم قرارهم الطائش وبعد أن دلل هذا القرار على مقدار رصيدهم من المزايا الإنسانية- بدأوا يفهمون أن موقف العرب من قضية بلادهم "فلسطين" موقف جد لا هزل فيه.. بل هم يرونها قضية حياة أو موت بالنسبة إليهم، إن قضية فلسطين، إنما هي قضية "حق صراح" أراد أصحابه أن ينالوه بوسائط السلم، وبأساليب الدبلوماسية، فلما تبيّن لهم أخيراً أنهم كانوا مخدوعين، بل مخطئين في استخدامهم لهذه الوسائط، وإنتاجهم لهذه الأساليب؛ وإن الحق في كل زمان ومكان يؤخذ ولا يعطى.. اجمعوا أمرهم على أن يأخذوا هذا الحق، بالطريق المعقول؛ وبالأسلوب العملي، وقد أثبتوا أنهم أكفاء للقيام بهذا الجهاد المقدس أثبتوا ذلك في خلال بضعة أسابيع فقط.. ولولا الهلع الذي ساور نفوس من يعطفون على اليهود، إزاء ما أبداه العرب خلال هذه الأسابيع من ضروب البسالة والتفوق، أقول ولولا خوفهم على مصير الدولة الإسرائيلية الوليدة، وعلى مصير تل أبيب، وعلى مصير قضية الصهاينة من أساسها.. فيما إذا استمرت معارك الفريقين على الشكل الذي كانت تبدو فيه. لولا هلعهم وخوفهم وإسراعهم إلى توقيف الحرب باللجوء إلى الهدنة الموقوتة أولاً، ثم إلحاحهم إلى أن تستمر هذه الهدنة أيضاً، وما بدى من تسامح الحكومات العربية في قبول هذه الهدنة، حتى يعرف العالم مبلغ ميل العرب إلى السلم ونزوعهم إلى حلِّ قضاياهم بالتفاهم -ما أمكن إلى التفاهم سبيل!- لولا كل ما ذكر لكان الأمر قد انتهى.. ولكان ما يسمونه "قضية اليهود" قد أصبح في وديعة التاريخ!
ولكننا نعلم أنه على الرغم من استمرار هذه الهدنة؛ وعلى الرغم من طول الصبر، وطول الانتظار وعلى الرغم من التهديد والوعيد؛ وعلى الرغم من هذه الأساليب العنيفة الملتوية في محاولة تحقيق ما لا يمكن أن يتحقق، على الرغم من كل ذلك، فإن العرب قد صمموا على أن يواصلوا قتالهم فإما حياة حرة شريفة لأهل فلسطين واستقلال تام لا شائبة فيه لبلادهم بسائر حدودها الطبيعية المعروفة قديماً وحديثاً، وإما حرب إلى النهاية، ودفاع إلى النهاية؛ إلى أن يحق الله الحق ويزهق الباطل.
* * *
هذا ما جاءت به، وأوحته حوادث فلسطين من ناحيتها السياسية والعسكرية، وأما من الناحية الاقتصادية -وهي ناحية أصبحت لها أهميتها في الوقت الراهن فلم يعد محلاً للشك، إن الشعوب العربية قد بدأت من وقت ليس بقليل، ترسم خطتها لإقامة بنيانها الاقتصادي على أساس اكتفائها الذاتي.. فهي تعمل الآن على أن تستغني بنفسها بطريق استغلال كافة أراضيها زراعياً إلى أبعد مدى... وليس هذا فحسب، بل إن الخطة الاقتصادية للشعوب العربية أصبحت ترمي أيضاً إلى تعميم الإحياء الصناعي في شتى عواصمها وبلدانها؛ فالمواد الخام لا تنقص هذه الشعوب والوقود وهو الجهاز العصبي للصناعة أصبح معروفاً من أين يأتي.. إن البلاد العربية والشرق الأوسط جميعه هما مصدر البترول.. وإذن فما أحرى البلاد العربية! وما أحرى الشرق الأوسط أن يستغلا هذا البترول كما ينبغي أن يستغل، وأن يستفيد منه في إحياء ما يحتاج إليه أقوامه من مختلف الصناعات؛ ولا نشك في أن انتشار التعليم الفني في هذه الشعوب؛ واتساع مدى هذا التعليم، وإطراد التقدم المشهود في سائر أنواع التعليم الأخرى، سيكون أكبر معوان على نجاح الخطة الاقتصادية العتيدة للشعوب العربية وعلى تحقيق ما ترمي إليه من أهداف!
لقد كانت قضية فلسطين؛ وما زالت إلى اليوم "مشكلة المشاكل" لا أقول في العالم العربي وحده، بل في العالم أجمع.. ولكنها وقد اشتدت الآن... ولكنها وقد وصلت في حرارتها إلى درجة الغليان... فلن يكون هذا إن شاء الله بعد أن أثبت العرب أنهم "العرب الأحياء" إلاّ فاتحة الخير.!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :519  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج