شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مع شاعر العرب
شاعر العرب الكبير، أو الشاعر الأول بين طلائع الشعراء الأحرار، الذين طالما غنُّوا على وتر الدعوة إلى حرية الشعوب العربية، وهتفوا بأناشيد الاستقلال، وأهابوا بالعرب جميعاً على اختلاف الديار، إلى وجوب التحفز والنهوض من أجل حياة جديدة صالحة، حياة تليق بأمة عظيمة كالأمة العربية حملت راية الإسلام والنور والمدنية إلى العالم أجمع.. شاعر العرب الشيخ فؤاد الخطيب والذي يشهد له شعره بكل هذا الذي نقول، يقف مرفوع الرأس كشاعر سياسي واجتماعي من الطراز الأول إلى جانب الأوائل من نظرائه ومعاصريه.. إلى جانب "أحمد شوقي" و "معروف الرصافي" و "حافظ إبراهيم" وغيرهم.
في حفل كبير ضم النخبة من رجالات الأدب والفكر، استمع الحاضرون إلى الشيخ فؤاد يلقي قصيدته الرائعة والتي بدأها بقوله:
من مهبط الوحي حول البيت والحرم
تترى البشائر من خير ومن نعم
والدار قد شهد العهد الجديد لها
بالفجر منبلجاً عن نهضة عمم
فبت من روعة الآثار أشهدها
في حيرة وكأني كنت في حُلُم
فالبر يترعه العمران منتشراً
ومن أراد نهوض الشعب لم ينم!
أجل.. ما أروعها من حقيقةٍ تقال هنا.. بل ما أروع الحقائق حين يتلقاها السامعون أو القارئون مياسةً في ثوب من الفن الرفيع، مزهوةً في بيتٍ من الشعر الصادق الجميل!
وإنها لإحدى الحقائق الكبرى هذا الذي نعنيه من إرادة حياة الشعب، وإرادة نهوض الشعب، وما ينبغي لهما.. فما من إنسان ينكر ذلك أبداً.
إذن ما سر الإبداع في هذا الذي أسمعنا إياه شاعرنا الكبير؟
إنها دولة الشعر أو عبقرية الشعر تستطيع وحدها أن تحيل ما يسمُونه "الحقائق العادية" إلى حقائق غير عادية.. وهي حينئذ أحرى أن تبدو للسامعين أو القارئين أكثر وضوحاً وإشراقاً، وأكثر روعة وقوةً ومن ثم أكثر تأثيراً في النفوس!
وهذا الذي يفصح عنه شاعر العرب -هو عينه ما طالما عبر عنه في مختلف المواقف، وهو نفسه ما لهج به في شعره طوال السنين، فالروح هي الروح علواً وسمواً، والنزعة هي النزعة، والهدف هو الهدف، من حيث اهتمام الشاعر بكل ما يمس حياة أمته العربية، اسمعه في أول قصائده في الجزء الأول من ديوانه، وهي بعنوان "آمال وآلام" يقول:
رفعت صوتي فهل من يشرئبُ له
أم غفلة بعد هذا الصوت أم صممُ
لم أخش من جاهل يبدي نواجذه
غيظاً وإن كلمته تلكمُ الكلمُ!
لكن أرى أمة في اللهو سادرة
وخير ما يستفز اللاهي الألمُ!
وأقتل الداء ما نغضي مجاملةً
عليه، والضعف يخفيه فينكتمُ
غداً يقولون "رجعي" وكل فتى
في العُرب يرجو نهوضاً فهو مُتَّهمُ
ذرهم وإن جازفوا في الحكم وأفتأتوا
فلست إلاّ إلى شيئين أحتكم
إلى الضمير الذي لم يغشه دنسُ
إلى الفؤاد الذي لم يعره سقمُ
ففي هذه الأبيات الطليقة، والمتسمة بروح الحرية والصراحة والإخلاص المحض للأمة، وفي غيرها أيضاً مما سيأتيك، لن نرى من شاعرنا سوى ذلك الشاعر الأبي الغيور، ذي النزعة المتحررة، والذي لا يعنيه أن يحتكم لسوى ضميره النقي، وإلى فؤاده الصادق الحب لأمته العربية المسلمة، هذه هي روح الشاعر متجلية دائماً في كل ما أبدعه من شعره في الماضي والحاضر، وهذه هي نفس الروح المتوثبة في شعره الذي استمعنا إليه.
واستمع إليه في قصيدة أخرى من قصائد ديوانه الأول، يقول فيها مخاطباً قومه العرب:
فيا قوم هل للعُرب في الشرق نهضة
فإني أخشى إن تجاوزنا غدا
وهل لعيوني قبل موتي أن ترى
فتى عربياً يأنف الذُّل مقعدا
يرد على أم اللغات جلالها
ويجعل للمجد الطريق معبَّدا
وكأنما كان ذلك الداء العضال، داء الحزبية البغيض.. العقبة الكأدآء في طريق قومه العرب حتى في أول مراحل نضالهم.. ولعلّ هذا ما حدا بالشاعر أن يقول في نبرة واضحة من الألم والإشفاق:
ولي أمة حاولت ضم شتاتها
فلم ترد "الأحزاب" إلاّ تمردا
أهبت بهم أن يرفقوا فتفرقوا
وقد ضربوا لي ليلة الحشر موعدا
أرى العرب شعباً كلما غالب الكرى
سقته دهاقين السياسة مرقدا
وفي قصيدته الثائرة بعنوان: أين الأسطول وأين الرجال، تراه يقول:
لم يُغن تحذيرٌ ولا إغراءُ
فقد استوى الأموات والأحياء
أَنَّى صرخت فلم يكن إلاّ صدىً
مرت به الأرواح والأنواءُ
يا قوم ما هذا الجمود فحسبكم
إن الجمود إذا استطال "فناءُ"
اللَّه أكبر هل جهلتهم أنكم
نهب القوي وأنتمو ضعفاءُ
ساد التنازع في البقاء فلم يعد
فيه لمن نبذ الجهاد بقاء
إلى أن يقول:
إن الرزيَّة أن تكون بلادكم
بيد الغريب وأنتمو الغُرباءُ
وفي هذه القصيدة نفسها يشير إلى فكرة تعزيز السلام.. وأظنك ستقول بعد أن تتأمل الأبيات التالية إنه إنما قالها في هذه الأيام، أو هذه الأعوام، لأنها تصوير وأي تصوير للواقع الحاضر في عالم ما بعد الحرب.. ولأنها تدلنا على أن نغمة السلام، نغمة قديمة، ولأنها تزيدنا إيقاناً بالكلمة المأثورة: "التاريخ يعيد نفسه" وهذه هي الأبيات:
هتفوا بتعزيز السلام وإنما
هي خدعة يرضى بها الجهلاءُ
أفلم تروا سُفناً تنوء بجهدهم
ضاق الفضاء، وغصَّ منها الماءُ
ركبوا البحار فأدركوا ما أمَّلوا
سيَّان أرض عندهم وسماءُ
ثم في قصيدة الامتيازات، يقول مخاطباً الشرق:
أيها الشرق أنت في خدمة الـ
ـغرب كما يخدم اليتيمُ الوصيَّا
فهو يمتص من دمائك ما شا
ء وقد عز أن تراه رضيا
إيه يا شرق حان أن تتفانى
في المعالي لا أن نكون دعيَّا
أفنجني منك القتاد.. ولكن
يجد الغرب فيك زهراً جنيَّا
وبعد فهذه لمحة.. وليست دراسة، كما يجب أن تكون الدراسة، عن شاعر العرب الشيخ فؤاد الخطيب.
وقد لا تكون هذه النماذج أجود ما حواه الجزء الأول من "ديوان الخطيب".
فهل آن الأوان لكي تحظى المكتبة العربية بديوانه الكامل؟ ذلك ما نرجوه ويرجوه القارئون جميعاً (1) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :610  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.