شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
برنارد شو.. ورأيه في الإسلام
أكتبُ كتَّاب الإنجليز في العصر الحاضر، وزعيم الأدب الساخر بإجماع الناقدين، نزعته الاشتراكية صبغت معظم كتاباته بأعنف ما عرف من الحملات القلمية على النزعة الفردية أو النزعة الرأسمالية.
صراحته البالغة حد التطرف واعتداده بالذات وولعه الدائم بالمفارقات كل هذه العوامل كان من شأنها أن تطبع آثاره الأدبية بطابع خاص يمتاز، في مقدمة ما يمتاز به، بالرأي الطليق يرسله إرسالاً في بساطة وارتجال، وفي أسلوب من أساليب الفكاهة المرة أو السخرية اللاذعة. هذا إلى تفاؤل عجيب عرف به هذا الكاتب الساخر يتسامى به كل التسامي عن نزعات المتشائمين.
فهو يقول عن المتشائم: "إنه رجل يعتقد أن الناس خبثاء مثله ويمقتهم من أجل ذلك".
ومن أشهر ما عرف الناس به "شو" أنه خصم لدود في عالم الأدب لمذهب "الفن للفن" المذهب الأدبي المعروف، المذهب الذي خفت صوته اليوم أمام تيارات الأدب الجديدة التي تكاد تجمع كلها على وجوب أن يكون الإصلاح من غايات الفنون!
والحق أن برنارد شو -كما كان تولستوي من قبله- من أكبر زعماء هذه النظرية، نظرية أن يكون الفن واقعياً.. متصلاً بالحياة.. ومتفقاً مع الأخلاق.. وبالتالي أن تكون له غايات إصلاحية وأهداف اجتماعية تسير مع التقدم الإنساني سواء بسواء.
وفي سبيل دفاعه عن هذه الفكرة لم يتردد في أن يحمل في صراحته الساخرة المعهودة على من يعتبره الإنجليز أكبر شعرائهم على الإطلاق.. أجل على شكسبير الذي يفاخرون به العالم، شكسبير الذي قال عنه كارليل في القرن التاسع عشر أنهم يختارونه على الهند فيما لو سئلوا أن يختاروا بين الاثنين.
شكسبير ذو الروائع الخالدة يحمل عليه برنارد شو بأقسى ما عرف عنه من الشدة والعنف وهو في حملته هذه إنما يحمل في الصميم على نظرية (الفن للفن) التي كان شكسبير علماً من أعلامها.
إن كتابات "شو" رغماً عن أسلوبها الفكه، وعما يبدو فيها من المفارقات، تدل على معرفة أصيلة بطبائع الناس وروح الاجتماع ونفسية الجماهير.
فهو يقول في كيفية معاملة الناس: "لا تعمل لغيرك ما يجب أن يعمل لك فربما اختلفت الأذواق".
ويقول في معنى آخر "لا يحفظ سر بين الناس كالسر الذي يستطيع جميع الناس أن يخمنوه".
ويقول: "ليس بلاء الكاذب أن أحداً من الناس لا يصدقه.. وإنما بلاؤه أنه لا يصدق أحداً من الناس".
ويقول -وما أعمق ما يقول: "كلما زاد عدد الأمور التي يخجل منها الإنسان، زاد نصيبه من الاحترام".
ويقول: "الرجل المعقول يوفق بين نفسه وبين العالم.. والرجل غير المعقول يحاول أن يوفق بين العالم وبين نفسه.. ومن ثم كان كل تقدم في هذا مرهوناً بغير المعقولين".
ولعلّ من أبلغ أقواله التي تشير إلى ما يجب على الفرد أن يؤديه نحو غيره من الأفراد، أو نحو المجتمع الذي يعيش فيه، حتى يمكن أن يكون جديراً بما يناله من سعادة هو هذا القول: "لا حق لنا في استهلاك السعادة بغير إنتاجها، إلاّ كحقنا في استهلاك الثروة بغير إنتاج".
هذا هو برنارد شو أكتب الكاتبين في العصر الحديث، وإمام السخرية والساخرين والذي احتفلت بلاده به، بل احتفلت به أوروبا جميعها، بمناسبة بلوغه سن التسعين. ومن واجبنا أن نشير هنا -وهو ما دعانا إلى كتابة هذا الفصل- إلى ما أذاعه هذا الكاتب في وقت من الأوقات عن رأيه في الإسلام، وهو رأي عميق يدل على بعد نظر وعدم ميل إلى التحيز. وليس لهذا الرأي أهميته لأنه يشهد للإسلام بمزايا جديدة أو غير معروفة، وإنما أهميته لصدوره من كاتب أوروبي يساري متطرف جريء لا يبالي المعارضة، مهما كانت عنيفة، في سبيل إعلان ما يعتقده من رأي، ومتى عرفنا أنه كان خارجاً على إجماع أمته في الحربين العالميتين لأنه كان ينادي بعدم الدخول في الحرب، عرفنا وجه الأهمية في كل ما يقول، وبالتالي عرفنا أن رأيه في الإسلام، إنما هو من وحي تفكيره الخالص، وليس هو من وحي السياسة، وهي كثيراً ما توحي إلى أكابر الكتّاب هناك بأن يذيعوا للناس أمثال هذه الآراء، تخديراً للأعصاب وتضليلاً للأفهام، للوصول إلى تحقيق ما يريده الاستعمار من أقصر طريق.
والآن هذا ما يقوله عن الإسلام هذا الكاتب الكبير: "لقد وضعت دائماً دين محمد صلى الله عليه وسلم موضع الاعتبار السامي بسبب حيويته المدهشة، فهو الدين الوحيد الذي يلوح لي أنه حائز أهلية الهضم لأطوار الحياة المختلفة بحيث يستطيع أن يكون جذاباً لكل جيل من الناس".
"لا مشاحة في أن العالم يعلق أهمية كبيرة على نبوءات كبار الرجال ولقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوروبا غداً. وقد بدأ يكون مقبولاً لديها اليوم.. وقد صور رجال إكليروس القرون الوسطى الإسلام بأحلك الألوان إما بسبب الجهل وإما بسبب التعصب الذميم".
"لقد أدرك في العهد الأخير مفكرون مخلصون أمثال كارليل وجوته وجيبون، القيمة الذاتية لهذا الدين المحمدي، وهكذا وجد تحول حسن في موقف أوروبا من الإسلام.. ولكن أوروبا في القرن الراهن تقدمت في هذا السبيل كثيراً فبدأت تعشق عقيدة محمد، وفي القرن التالي ربما تذهب إلى أبعد من ذلك.. فتعترف بفائدة هذه العقيدة في حل مشاكلها".
إلى أن يقول: "بهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتي، وفي الوقت الحاضر، كثيرون من أبناء قومي ومن أهل أوروبا قد دخلوا في دين محمد. حتى ليمكن القول إن تحول أوروبا إلى الإسلام قد بدأ" (1) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :689  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 38 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.