الكَواكبي في أُم القرى |
السيد عبد الرحمن الكواكبي صاحب الكتاب المشهور "أم القرى" شخصية رائدة عظيمة في تاريخ الإسلام الحديث. |
ولد في مدينة حلب سنة 1265 هجرية وتوفي بمصر سنة 1320هـ. |
تلقى في حلب ثقافته الدينية وأكب على الاطلاع وزاول بعض المناصب ثم اشتغل بالأعمال الحرة، ومنها الصحافة فأصدر في حلب صحيفة "الشهباء" ثم توقفت... وكان على خلاف شديد مع ولاة الترك في بلده ولفق أحدهم، تهمة سياسية باطلة ظهرت براءته منها بعد محاكمته في بيروت فعزل الوالي من منصبه على أثر ذلك.. ثم دفعت الظروف الكواكبي إلى الهجرة فغادر حلب إلى مصر. وهناك بدأ اسمه يشتهر منذ بدأت جريدة "المؤيد المصرية" تنشر تباعاً فصول كتابه الأول "طبائع الاستبداد". |
يصفه المرحوم الدكتور أحمد أمين فيقول: ".. مؤدب اللسان فلا تؤخذ عليه هفوة، يزن الكلمة قبل أن ينطق بها وزناً دقيقاً، حتى لو ألقي عليه السلام لفكر في الإجابة، متزن في حديثه إذا قاطعه أحد سكت وانتظر حتى يتم حديثه، ثم يصل ما انقطع من كلامه فيؤدب بذلك محدثه.. نزيه النفس لا يخدعها مطمع، ولا يغريها منصب، شجاع فيما يقول ويفعل، مهما جرت عليه شجاعته من سجن وضياع مال وتشريد.. وهو -مع أنفته وعزته وصلفه على الكبراء- متواضع للبائسين والفقراء، يقف دائماً بجانب الضعفاء، يشع على من يجالسه الاتزان والتفكر الهادئ، وحب الحق، ونصرة المبدأ، والتضحية للفضيلة.. |
ثم يقول الأستاذ أحمد أمين: "... وأنصع صفحة في تاريخ حياته قوة شعوره بفساد حال المسلمين، وتخصيص جزء كبير من حياته في تعرف أحوالهم في جميع أقطار الأرض، وتشخيص أمراضهم، وتلمس العلاج لهم، فعكف على مطالعة تاريخهم في ماضيهم وحاضرهم وما كتبه الكتّاب المحدثون في ذلك في الكتب والمجلات والجرائد، ودرس أحوال المسلمين في المملكة العثمانية، ثم رحلته إلى كثير من بلاد المسلمين، فساح في سواحل أفريقيا الشرقية، وسواحل آسيا الغربية؛ ودخل بلاد العرب، وجال فيها واجتمع برؤساء قبائلها، ونزل بالهند وعرف حالها، وفي كل بلد ينزلها يدرس حالتها الاجتماعية والاقتصادية، وحالتها الزراعية، ونوع تربتها وما فيها من معادن ونحو ذلك دراسة دقيقة عميقة، ونزل مصر وأقام بها، وكان في نيته رحلة أخرى إلى بلاد المغرب يتم فيها دراسته، ولكن عاجلته منيته.." ا.هـ. |
هذا هو -في كلمات قلائل- عبد الرحمن الكواكبي أحد زعماء الإصلاح في العصر الحديث. |
فما هو كتابه "أم القرى"؟ |
أنه تسجيل لأعمال مؤتمر تخيّل فيه الكواكبي أنه تم عقده في مكة في شهر ذي القعدة من عام 1316 للهجرة حضره ممثلون من جميع الأقطار الإسلامية وأعمال هذا المؤتمر تتلخص في بحث أحوال العالم الإسلامي والنظر في موضع الداء في المسلمين وأعراضه وجراثيمه ودوائه وكيفية استعماله الخ. |
وقد طبع هذا الكتاب مراراً وآخر طبعة له في بيروت سنة 1959م قدم لها الدكتور عبد الرحمن الكواكبي "حفيد المؤلف" مؤكداً في مقدمته "إن المؤتمر الذي عقد في مكة والذي يدور عليه موضوع الكتاب إنما هو مؤتمر تخيله المؤلف ليعرض فيه آراءه الإصلاحية في قالب جذّاب يستهوي النفوس". |
وهذا يؤيد بصورة قاطعة ما يذهب إليه الكثيرون -ومنهم المرحوم أحمد أمين- من أن مؤتمر أم القرى لم يكن حقيقة، وإنما هو من نسج خيال الكواكبي. |
ومع ذلك فإن الناظر في هذا الكتاب، وما اشتمل عليه من تدوين رائع لجلساته وما ألقي في هذه الجلسات، وأُثير من مناقشات، وانتهى إليه من قرارات... ليأخذه العجب من مقدرة هذا الرجل في تصويره لحالة المسلمين في أوائل القرن الرابع عشر الهجري.. ثم يأخذه العجب أكثر من هذا النقاش المتشعب والمتعدد الجوانب يدور بين الأعضاء المؤتمرين وكل منهم يبدي وجهة نظره في ضوء الحالة الفكرية المخيمة في بلده بأدق عبارة وأوضح أسلوب. والمتكلم -في الحقيقة واحد- هو مؤلف كتاب أم القرى. |
وليس من شك في أن هذه الدقة وهذا الوضوح في التعبير بلسان كل مندوب في المؤتمر إلى جانب ما ارتسم عليه من عمق التفكير، ثم كونه جاء منطبقاً تماماً على واقع المسلمين الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في ذلك العهد.. ليس من شك في أن كل هذه السمات قد جعلت من هذا المؤتمر شيئاً أبعد ما يكون عن الخيال فلا غرابة في أن يعتقد بعضهم أنه مؤتمر حقيقي إذ أنه لا يمكن لأي خيال أن يصف هذا الوصف الدقيق، ويأتي بهذا التصوير الواقعي البديع لحالة الأقطار الإسلامية المتباعدة الأطراف، والمتباينة الأوضاع والمختلفة اللهجات.. مهما كان صاحب هذا الخيال قوي الملكة أو عبقرياً! |
ومن هنا اتضحت شخصية عبد الرحمن الكواكبي إنساناً مفكراً ذكياً! واسع الأفق، صائب النظرة إلى جانب علمه الغزير وإطلاعه الوافر على التاريخ قديمه وحديثه ومعرفته بأحوال المجتمعات في عصره بصورة عامة والمجتمعات الإسلامية بصورة خاصة، وما يسري فيها من أدوار اجتماعية بعيدة الأثر، خلفتها لها عهود طويلة من التقهقر والتخلف بصورة أخص.. |
وليس مَن يُنكر أن التقهقر والتخلف في حياة المجتمعات الإسلامية قد بلغا أقصاهما في عصر الكواكبي. عصر أواخر السلطنة العثمانية. |
وجاءت غزوات الاستعمار من الغرب وقد بدأت من أوائل القرن التاسع عشر للميلاد -على ما هو معروف- جاءت هذه الغزوات بجيوشها الفتاكة وسلاحها الرهيب فما لبثت أن استولت على قسم كبير من بلاد المسلمين، ولم تكتف بأنها استولت... وإنما أعانت بتدبير محكم، وبمخطط رهيب أملاهما الحقد الموروث على الإسلام.. أجل أعانت غزوات الاستعمار بسبق إصرار وبدهاء. سلاحه الحديد والنار على تثبيت التخلف والتقهقر في البلاد التي استقرت فيها من ناحية وإفساد حياتها خلقياً واجتماعياً من ناحية أخرى. |
في هذا الجو.. وفي وسط هذه الظلمات، ظهر في الشرق أول صوت قوي جهير يطالب بيقظة المسلمين، ويدعو إلى تحررهم من الركود والجمود مناشداً إياهم العودة بدينهم الحنيف إلى مثل ما كان عليه في عهد الصدر الأول من السلف الصالحين، بعيداً عن الخرافات والبدع التي طرأت عليه في عهود الانحلال
(1)
ومنادياً في نفس الوقت بتحقيق الوحدة الإسلامية الكاملة ووجوب التصدي لمقاومة الاستعمار! |
كان هذا الصوت القوي الجهير، صوت جمال الدين الأفغاني! |
ولم يكن الشيخ محمد عبده -وهو الرجل الثاني بعد جمال الدين من الدعاة إلى الإصلاح الإسلامي الحديث- لم يكن -على رسوخ قدمه في دعوة الإصلاح، وعلو مكانته في عصره- بالرجل الذي اقتفى أثر أستاذه جمال الدين في الأسلوب الذي اختاره الأول.. وإنما اختار أسلوباً آخر رآه أقرب إلى الصواب! |
اختار الشيخ محمد عبده، أُسلوب التربية والتعليم على أنه الأسلوب المفيد -بادئ ذي بدء- في ميدان الإصلاح الإسلامي! |
وجاء الكواكبي ناهجاً تقريباً نهج جمال الدين في وجوب أن يكون الإصلاح شاملاً لكل المجالات: سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً وكان أعظم أَثر له في هذا المجال: كتابه (أم القرى). |
في الخامس عشر من ذي القعدة سنة 1316هـ افتتح هذا المؤتمر أو الجمعية -كما يسميها الكواكبي- وبدأت أولى جلساته، وكان الأعضاء الحاضرون 22 (وهم: السيد الفراتي -وهو الكواكبي نفسه- ثم الفاضل الشامي، والبليغ القدسي، والكامل الإسكندري، والعلامة المصري، والمحدث اليمني، والحافظ البصري، والعالم النجدي، والمحقق المدني، والأستاذ المكي، والحكيم التونسي، والمرشد الفاسي، والسعيد الإنكليزي، والمولى الرومي، والرياضي الكردي، والمجتهد التبريزي، العارف التاتاري، والخطيب القازاني والمدقق التركي، الفقيه الأفغاني، والصاحب الهندي، والشيخ السندي، والإمام الصيني. |
فما أن ينعقد الاجتماع حتى يبادر السيد الفراتي الأخوان جاهراً بكلمة شعار الأخوة.. وهي "لا نعبد إلاّ الله" يقول السيد الفراتي: وخاطبتهم بقولي: |
"من كان منكم يعاهد الله تعالى على الجهاد في إعلاء كلمة الله، والأمانة لأخوان التوحيد أعضاء هذه الجمعية المباركة فليجهر بقوله: "على عهد الله بالجهاد والأمانة" ومن كان لا يطيق العهد فليعتزلنا.. ثم يقول: وما جال نظري فيهم إلاّ وسارع الذي عن يميني إلى عقد العهد، ثم الذي يليه: ثم وثم إلى آخرهم.. |
"ثم التمست منهم -يقول السيد الفراتي- أَن ينتخبوا أحدهم رئيساً يدير الجمعية ومذكراتها، وآخر كاتباً يضبط المفاوضات، ويسجل المقررات، فأجابني العلامة المصري: "أن معرفة الأخوان بعضهم بعضاً جديدة العهد، وأنك أشملهم معرفة بهم، فأنا أترك الانتخاب لك"، وما أتم رأيه هذا إلاّ وأجمع الكل على ذلك، فحينئذ أعلنت لهم إني أتخير للرئاسة الأستاذ المكي، وأتخير نفسي لخدمة الكتابة، تفادياً عن أتعاب غيري في الخدمة التي يمكنني القيام بها، واستأذنت الأفاضل الأعجام منهم بنوع من التصرف في تحرير بعض ألفاظهم، فأظهر الجميع الرضاء والتصويب، وصرح الأستاذ بالقبول مع الامتنان من حسن ظنهم، واستولى على الجمعية السكوت ترقباً لما يقول الرئيس... |
ثم يلقي الرئيس كلمته وفيها -بعد التمهيد- يقول: "إن مسألة تقهقر الإسلام بنت أَلف عام أو أكثر، وما حفظ هذا الدين المبين كل هذه القرون المتوالية إلاّ متانة الأساس مع انحطاط الأمم السائرة، عن المسلمين في كل الشؤون، إلى أن فاقتنا بعض الأمم في العلوم والفنون المنورة للمدارك، فربت قوتها، فنشرت نفوذها على أكثر البلاد والعباد مسلمين وغيرهم، ولم يزل المسلمون في سباتهم إلى أن استولى الشلل على كل أطراف جسم المملكة الإسلامية، وقرب الخطر من القلب، أعني "جزيرة العرب" فتنبهت أفكار من رزقهم الله بصيرة بالعواقب، ووفقهم لنيل أجر المجاهدين، هبوا ينشرون المواعظ والتذكرة والمباحث المنذرة، فكثر المتنبهون وتحركت الخواطر، لكنها حركة متحيرة الوجه، ضائعة القوة، فعسى الله أن يرشد جمعيتنا للتوصل لتوحيد هذه الوجهة، وجمع هذه القوة". |
ويتابع كلمته المسهبة، ثم يختمها بإيضاح برنامج المسائل الأساسية التي ستدور عليها مذكرات المؤتمر أو الجمعية وهي تنحصر في عشر مسائل يختص كل منها بناحية من نواحي الضعف المسيطر على المسلمين آنذاك.. |
ثم يتبادل الأعضاء النقاش وينتهي الاجتماع الأول، ثم تتوالى الاجتماعات إلى أن بلغت اثني عشر اجتماعاً، عقد آخرها في التاسع والعشرين من ذي القعدة سنة 1316هـ. |
* * * |
في اجتماع من هذه الاجتماعات يشير الرئيس إلى أن أوضح عرض من أعرض المسلمين فتورهم.. ويتساءل: ما أسباب ملازمة هذا الفتور منذ قرون للمسلمين؟.. ثم ينتهي من بيانه وتساؤله بقوله: هذا هو المشكل العظيم الذي يجب على جمعيتنا البحث فيه أولاً، بحث تدقيق واستقراء، عسى أن نهتدي إلى جرثومة الداء عن يقين. فنسعى في مقاومتها، حتى إذا ارتفعت العلة برأ العليل إن شاء الله. |
وتدور المناقشات ويتكلم الأعضاء واحداً واحداً؛ مبدياً كل منهم رأيه في أسباب الفتور الملازم للمسلمين، فتعلم من مجموع آرائهم -التي هي آراء الكواكبي نفسه- أن للفتور أسباباً كثيرة منها ما أصاب المسلمين عن عقيدة جبرية.. ومنها ترك المسلمين أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها إهمال الناس الاهتمام بالدين حتى لم يبق له أثر إلاّ على أطراف الألسن.. ومنها أن المسلمين أُصيبوا باقتصارهم على العلوم الدينية، وإهمالهم العلوم الدنيوية على أن هذه العلوم نمت في الغرب، وترقت وظهرت لها ثمرات عظيمة في جميع الشؤون المادية والأدبية حتى صارت عندهم كالشمس لا حياة لهم إلاّ بنورها، وأصبح المسلمون في أشد الحاجة إليها في جميع أمورهم من تربية الطفل إلى سياسة الدولة، ومن عمل الإبرة إلى عمل المدافع والبوارج و... و.. فابتعاد المسلمين إلى الآن عن هذه العلوم النافعة للحيوية جعلهم أحط من غيرهم من الأمم، وكلما تمادت الأيام بعدت النسبة بينهم وبين جيرانهم.. |
ومن الأسباب: نومنا ويأسنا.. ومنها فقدان القادة والزعماء فلا أمير حازم يسوق الأمة طوعاً أو كرهاً إلى الرشاد ولا مخلص تنقاد له الأمراء والناس، ولا تربية قويمة المبادئ ينتج منها رأي عام لا يطرقه تخاذل وانقسام، ولا جمعيات منتظمة تسعى بالخير، وتتابع السير، ولذلك حل فينا الفتور، وإلى الله ترجع الأمور! |
ومن الأسباب: الفقر الآخذ بالزمام، لأن الفقر قائد كل شر، ورائد كل نحس، فمنه جهلنا، ومنه فساد أخلاقنا بل منه تشتت آرائنا حتى في ديننا، ومنه فقد إحساسنا، ومنه كل ما نحن فيه.. أو نتوقع أننا سنوافيه! |
ويورد الكواكبي على لسان المسلم الإنكليزي: إن الفقر في المملكة الإسلامية ليس طبيعياً، فهي بلاد غنية، لو نفذت تعاليم الإسلام فيها من تحصيل الزكاة والكفارات وما إلى ذلك، وصرفت في وجوهها لخفت وطأة الفقر.. وإنما سبب الفتور في نظره: فقد الاجتماعات والمفاوضات، وتبادل الآراء، فنسي المسلمون حكمة تشريع الجماعة والجمعة وجمعية الحج.. وصارت الخطب التي تلقى تافهة لا قيمة لها في حالة أَن الغرض منها كان التعرض للشؤون العامة، كما أن زعماءهم جعلوا التحدث في الأمور العمومية والخوض فيها من الفضول والاشتغال بما لا يعني، وأن إتيان ذلك في الجوامع من اللغو الذي لا يجوز، وربما اعتبروه من الغيبة، أو التجسس، أو السعي بالفساد.. فسري ذلك إلى أفراد الأمة، وصار كل شخص لا يهتم إلاّ بخويصة نفسه، وحفظ حياته في يومه. |
ثم يقول المسلم الإنكليزي: "وإذا دققنا النظر في حالة الأمم الحية المعاصرة -وهي ليس عندها ما عندنا من الوسائل الشريفة للاجتماعات والمفاوضات- نجدهم قد احتالوا للاجتماعات ولاسترعاء السمع والاستلفات بوسائل شتى.. |
ومن أسباب فتور المسلمين -كما جاء على لسان المندوب النجدي-: أن سبب الفتور الطارئ الملازم لجامعة هذا الدين هو أن هذا الدين الحاضر ذاته ليس هو الدين الذي تميز به أسلافنا مئين من السنين على العالمين، كلا بل طرأت على الدين طوارئ تغيير، غيرت نظامه. فالدين الحاضر ترك إعداد القوة بالعلم والمال والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود وإيتاء الزكاة إلى غير ذلك. |
* * * |
وتنتهي الاجتماعات، بعد أن نوقشت فيها موضوعات شتى وطرح الكثير من الآراء في تشخيص الداء: داء الفتور.. والبحث عن الدواء.. وأنه لمما يدهش حقاً أن نجد معظم هذه الآراء كأنها وليدة اليوم بعد أن نما الوعي؛ وتنبهت الأفكار، وارتفع مستوى الثقافات.. وكأنها لم تكن من بنات أفكار جمعية أم القرى كما صورتها ألمعية الكواكبي في العقد الثاني من القرن الرابع عشر أي قبل ثمانين عاماً... |
* * * |
وينتهي المؤتمر من أعماله في آخر اجتماع بعد أن يتوصل إلى عدة نتائج من أهمها: |
- المسلمون في حالة فتور مستحكم عام. |
- يجب تدارك هذا الفتور سريعاً وإلاّ انحلت عصبيتهم كلياً. |
- جرثومة الداء: الجهل المطلق. |
- أضر فروع الجهل: الجهل في الدين. |
- الدواء هو: أولاً تنوير الأفكار بالتعليم، ثانياً إيجاد شوق للترقي في رؤوس الناشئة. |
- المكلفون بالتدبير هم حكماء ونجباء الأمة من السراة والعلماء. |
* * * |
ونعود إلى الأستاذ الدكتور أحمد أمين في ختام هذه الإلمامة عن "الكواكبي في أم القرى" لنستمع إلى رأيه مرة أخرى حول هذا الرجل الفريد حين يقول: "هذا هو تفكير الكواكبي" من نحو نصف قرن
(2)
.. يشف عن سعة إطلاع وصدق إخلاص وسمو فكر، وبعد نظر، وشجاعة وصراحة، فإذا نحن أطلعنا على ما كان يكتب قبله في المجلات والصحف في مثل هذه الموضوعات رأيناها كانت أقرب إلى موضوعات إنشائية جوفاء، فنقلها هو إلى بحوث علمية عملية، يحلل، ويذكر العرض، وسبب الداء وعلاجه في صبر وأناة واستقصاء. |
"كتاب "أم القرى" رواية جدية ليس فيها غرام وغزل، بل فيها غرام مؤلفه بالعالم الإسلامي، يعاني في سبيله ما يعاني المحب الهائم، ويود من صميم قلبه أن يصل محبوبه إلى أعلى درجات الكمال". |
وأخيراً: من الحق أن نقول أيضاً -إلى جانب ما ذكر أن كتاب أم القرى للمرحوم الكواكبي هو كذلك وثيقة تاريخية هامة صادقة كل الصدق في تصويرها لأحوال المجتمعات الإسلامية عامة في أوائل هذا القرن العشرين (الرابع عشر الهجري).. |
|