((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيك، سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين وصحابته أجمعين. |
الأستاذات والأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
نثر كنانة مواهبه باكراً، ونهل من علوم عصره، وما كان متاحاً لنظرائه، في النصف الأول من القرن العشرين، وربما كان أقل حظاً من غيره في الإلمام باللغات الأجنبية.. إلا أنه استطاع ببصيرة العارف أن يهضم ما قرأ، ويتمثله ملياً، ثم يفرزه شعراً محلقاً في عليائه، ونثراً بارعاً في تصوراته.. إنه فارس أمسيتنا الغائب الحاضر، الشاعر والأديب الكبير حمزة شحاتة "رحمه الله".. وهي أمسية على غير العادة تحتفي بعطاء من رحل عنا إلى دار البقاء، إلا أنها تأتي مواكبة للذكرى المئوية لميلاده (1392هـ/1910م). |
إن وقفة "الذكرى المئوية" ليست غريبة على ثقافات الشعوب المختلفة، فالعظماء لا يمرون أمامنا كل يوم.. وعليه فإن الاحتفاء بهم أحياء وأمواتاً يظل هاجساً ملازماً للتطور الحضاري والفكري للأمم التي ينطوي ماضيها وحاضرها وأملها في المستقبل، على ركيزتي التراث والمعاصرة، اللتين لا غنى عنهما في حال ومآل العمل الفكري والثقافي.. وهي وقفات تمثل ذكريات عطرة، وإشارات وفاء، ومناهل تأمل مستفيض في أي إرث حضاري ينبغي أن يظل نابضاً بالحياة رغم كل شيء.. كما أنها مصادر إلهام للشباب يلتمسون منها النور الذي يضيء مكامن الإبداع في نفوسهم، ويعود بهم من دوائر التغريب إلى واقع جميل كان وسيظل جزءاً من تركيبتهم الثقافية والفكرية. |
لقد كان شاعرنا الكبير، وأديبنا الفذ -الذي رضع الفلسفة من أمهات الكتب- وطنياً حتى النخاع، أحبَّ وطنه بكل مكوناته وألوان طيفه، ومنحه من دفق العاطفة ما اختلط بذرات كيانه في كل مراحل حياته.. ومن ذلك الحب الطاغي استطاع أن يقف أمام فطاحل الأدباء ليلقي محاضرته الشهيرة في مكة المكرمة بعنوان "الرجولة عماد الخلق الفاضل"، فضج بها المجتمع واحتفى بمبدعها الذي كان في شرخ الشباب، لكن ثقته بنفسه دفعت به إلى منصة كان يهابها كبار الأدباء والشعراء، ذلك أن للكلمة مسؤوليتها الباقية أبد الدهر ما إن تخرج من صدر قائلها إلى أثير العالم الواسع، وهكذا بقيت تلك المحاضرة الفذة تأتلق إلى أن تحولت إلى كتاب يرسل شعاع الكلمة جيلاً بعد جيل. |
جاء فارس أمسيتنا "رحمه الله" من خارج الزمن، ومن حسن الطالع أن احتضنته مكة المكرمة التي كانت حفية بالعلماء والأدباء والشعراء من كل أصقاع العالم الإسلامي.. فكان النبتة الصالحة في الأرض الخصبة المعطاء.. وعندما ضاقت عليه قنوات التواصل، آثر الهجرة إلى أرض الكنانة، فوجد ضالته في دوائر معارفها الكبيرة، ووسائل اتصالاتها المتعددة، وما تعج به من منتديات، ومسارح، وصحف، وإذاعات، وغيرها من فنون وآداب.. فانطلق خفيفاً يحث الخطى في مضمار العطاء الرحب، حاملاً حب الوطن في عينيه حلاً وترحالاً.. إلى أن وافته المنية بالقاهرة عام 1392هـ/1972م، ودفن في مكة المكرمة، رحمه الله رحمة الأبرار. |
لقد استغرق التخطيط لهذه الأمسية وقتاً ليس بالقصير، وممّا وفقنا المولى عز وجل في القيام به لهذه المناسبة، إصدار "الأعمال الكاملة للأديب الكبير الأستاذ حمزة شحاتة" في ثلاثة مجلدات، تم رصد شعره في المجلد الأول، والآخرين للنثر.. وهو أول عمل يلم شتات المنجز الشعري والأدبي للراحل المقيم، لا سيما وأنه لم يكن مهتماً بحفظ منجزه الإبداعي بشكل منهجي.. فتناثر عطاؤه وبقي راكداً في مظان مختلفة.. لم يكن حفياً بما يكتب وقد أثبت ذلك بقوله: "لم أكن راضياً قط عن أثر من آثاري الأدبية بعد تأمله، ولذلك لم أفكر في جمع هذه الآثار".. كان يعتقد في قرارة نفسه أنه لم يصل بعد إلى حقيقة "الشعر" كما يفهمه ويقدّره حق قدره.. لذا كان يطلق فراشاته تسرح وتمرح كيف تشاء، وتنام حيث أنهكها التعب، لا يلقي لها بالاً، أو يجهد نفسه في البحث عن مهاجعها الأبدية.. وهكذا كان أمر جمع أعماله الكاملة أصعب مما يتصور الكثيرون، وتبقى يد الله فوق الجماعة، فتكللت بالنجاح بحمد الله الجهود التي بذلها أساتذة أفاضل، أذكرهم بوافر الشكر وعميق التقدير مع حفظ الألقاب: |
1- محمد صالح باخطمة |
2- عبد الفتاح أبو مدين |
3- حسين عاتق الغريبي |
4- عبد الله فراج الشريف |
5- عاصم حمدان علي |
6- جميل محمود مغربي |
7- محمود حسن زيني |
8- محمد الحسن محجوب |
الجدير بالذكر أن بحثي عن الأعمال الكاملة لشاعرنا الكبير بدأ قبل اثني عشر عاماً، حيث كنت أعلم وجود الكثير من شعره لدى الشيخ محمد نور جمجوم "رحمه الله"، غير أنها كانت شبحاً من شدة حرصه عليها، فكان يعدني بلطفه وكلماته الطيبة بإرسالها لي عن طريق ابنه الدكتور هشام، وكرّت السنون إلى أن اختاره الله إلى جواره، ثم أنجز الأخ الدكتور هشام وعد والده الكريم، ودفع إليَّ مشكوراً بتلك التركة الأدبية كاملة. |
وقد بذلتُ شخصياً جهداً مضنياً في تحقيق قصائد كثيرة ضمّها هذا العمل، فلشاعرنا الكبير قاموسه الخاص الذي ارتوى من بيئته الخصبة في مسقط رأسه ومدارج صباه بمنطقة مكة المكرمة.. كما أن هناك قصائد ذات طبيعة خاصة وصبغة شخصية وعائلية لا تعني إلا قائلها، لذا كان حجبها طبيعياً لا خلاف حوله.. ومع ذلك لا ندعي الكمال، وينطبق علينا ما قاله العماد الأصبهاني صاحب كتاب معجم الأدباء: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل.. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". |
لن أتحدث عن فارس أمسيتنا حديث العارف، فلم أكن ممن جايله واحتك به احتكاك الصديق، رغم علمي الأكيد بما أنجز وقدم لأمته، ولقد سعدت بلقائه عدة مرات عندما كنت في بيروت، وأثناء وجودي بالمملكة حضرت مجالسه مع معالي الشيخ محمد عمر توفيق بمكة المكرمة، أو مع شقيقه محمد نور شحاتة، وأثناء مروري بالقاهرة كنت أقابله في "ذهبية" معالي الشيخ إبراهيم فودة "رحمهم الله"، أو مع الأستاذ الكبير عبد الله عبد الجبار.. وقد رأيت من المناسب أن تتحول هذه الأمسية إلى ما يشبه "ورشة العمل" فهي "اثنينية" مختلفة وذات خصوصية، إذ يتناول كل من المتحدثين الأفاضل محوراً معيناً يلقي من خلاله الضوء على بعض مآثر أستاذنا الكبير "رحمه الله"، وبهذا يكون التوثيق عملياً أشمل، ويتم استثمار الوقت بشكل أفضل، ثم يأتي الحوار بين المتلقين والأساتذة الأفاضل الذين سيتناولون هذه المحاور وهي باختصار: |
1- السيدة زلفى حمزة شحاتة، في محور: الدور الأبوي والرسالة التربوية لوالدها. |
2- الأستاذ السفير محمد صالح باخطمة، في محور: أيام معه. |
3- الدكتور عبد الله مناع، في محور: الأزمة بين حمزة شحاتة ومحمد سرور الصبان. |
4- السيدة دلال عزيز ضياء، في محور: النسق الإنساني في حياة حمزة شحاتة. |
5- الأستاذ الدكتور عاصم حمدان، في محور: قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري. |
6- الأستاذ عبد الله فراج الشريف، في محور: أثر الحكمة والفلسفة في أدب حمزة شحاتة. |
متمنياً لكم أمسية ماتعة مع الأستاذات والأساتذة المتحدثين الأفاضل، متطلعاً أن نلتقي الأسبوع القادم للاحتفاء بالدكتورة فوزية سلامة، الإعلامية المعروفة، رئيسة تحرير مجلة "سيدتي" سابقاً، والمشاركة بفعالية في برنامج "كلام نواعم" الذي تبثه قناة mbc الأولى على مدى ثماني سنوات. |
فإلى لقاء يتجدد.. طبتم وطابت لكم الحياة. |
|