((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيك، سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين وصحابته أجمعين. |
الأستاذات والأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
مسيرة مفعمة بالعطاء والترحال شقت دروبها ضيفتنا الكريمة الأستاذة شريفة إبراهيم الشملان؛ فمن القصيم، إلى الزبير، ثم بغداد، مروراً بالبصرة ومينائها النابض بالحركة والتجارة، وعوداً حميداً إلى رحاب الوطن لتستقر في الدمام، حاضرة المنطقة الشرقية.. فمرحباً بها في هذه الأمسية التي تعكس جانباً من حفاوة الغرب بالشرق، ضمن سيمفونية الوطن الحبيب الذي ينعم بالوحدة والتناغم والتآزر، بعيداً عن المناطقية والتشرذم والتعصب. |
إن المرور من الإعلام إلى الكتابة الأدبية لا يحتاج إلى جواز سفر، فبينهما من الوشائج ما لا يخفى على كثير من المهتمين.. فقد بدأت الصحافة "أدبية" في أساليب طرحها، والقضايا التي تناولتها، ولغة تواصلها مع المتلقين.. ثم تطورت إلى صحافة الخبر، والتحليل، والصورة، والكاريكاتير، وصولاً إلى عالم الصحافة الإلكترونية الذي أصبح يدق الأبواب دون استئذان. |
ظل المقال الصحفي يمثل الفضاء المثالي الذي يجتذب اهتمام ضيفتنا الكريمة، تعلقت به ومنحته الكثير من جهدها وطاقتها وفكرها.. كان متنفساً طبيعياً في وقت تزايدت فيه الحاجة لفتح قنوات متعددة للحوار، بالإضافة إلى تناول مختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطنين، وبالدرجة الأولى قطاعاً كبيراً من الأغلبية الصامتة التي لا تجد من يعبر عنها، ويعكس همومها وآلامها وآمالها للمسؤولين، وبطبيعة الحال فإن قضايا المرأة، على كثرتها وتشعبها، حظيت بنصيب وافر في إطار تناولها الجاد والدؤوب.. كقضايا الأسرة بكل زخمها وتعقيداتها، ومسائل التعليم والطب والزواج والطلاق، وما يستجد على ضفافها أحياناً مثل تكافؤ النسب، وما يترتب عليه من مسائل إنسانية في غاية الدقة والأهمية.. كل هذا لم يحجب عن ضيفتنا الكريمة بعض المسائل الاقتصادية التي تناولتها بكثير من العفوية، ودون تفاصيل تدخلها في قنوات التخصص الدقيق؛ فهي تنسج كلمتها وتسير واثقة الخطى، مرفوعة الرأس، لا تسيء إلى أحد، ولا تتعرض بقول جارح لأي شأن عام، بل تعكس بهدوء ما يعتمل في نفوس البسطاء والحائرين الذي تتلقفهم دوائر البيروقراطية، وتقذف بهم إلى جحيم الانتظار لسنوات في غياهب النسيان المتعمد، أو الذي تفرضه آلية العمل ودواليبه المتشاكسة. |
تتناول ضيفتنا الكريمة المقال الصحفي بمهنية عالية، فهي تطرق بابه، وتتعامل معه بمفاتيحها الخاصة والمتنوعة، ثم تدلف متجولة في أرجائه مع ترك الباب موارباً.. ولها أساليبها الخاصة في إدارة دفة الحديث بما يتناسب مع كل مقال.. وأخيراً تخرج بهدوء عبر بابها الموارب، فإذا اضطرت إلى المغادرة من غيره وجدت دون شك مخرجاً جانبياً تنساب منه بهدوء، بعد أن تترك ما شاءت من أثر قد يجرح دون أن يدمي، متأكدة من وصول صوتها إلى أبعد مدى، متسلحة بذكاء فطري عميق، يزينه أدب الدرس، وأدب النفس. |
إن رسوخ قدم كاتبتنا الكبيرة في ميدان القصة لم يكن وليد صدفة، بل نتاج تطور طبيعي في شخصيتها التي رضعت حب السرد من حكايات جدتها التي كانت تدثرها بخيال خصب، وتوشوشها بشخصيات تتراءى لها، وتستكين معها في لحظات الغفوة ما بين الصحو ولذيذ النوم.. ومن تلك البدايات الموغلة في البساطة، التي تلفها رائحة الجدة والأم، والعمات والخالات، رائحة لا تفارق الإنسان مهما تقدم به العمر، لأنها عطر الأصالة، وعطاء المحبة التي لا تعرف أخذ المقابل، نسجت ضيفتنا الكريمة خيوط قصصها، راسمة الواقع بصور شديدة التوهج والتكثيف.. فتجاوزت المحلية إلى الإقليمية، فالعالمية بأكثر اللغات الحية تداولاً.. وأحسب أن حبها للغة العربية جعلها تمسك بناصية البيان، وتتماهى مع شخوصها دون عناء.. فما أجمل تعبيرها عن حب اللغة وهي القائلة: "أعتقد أن اللغة كالأم، والأم يجب أن نطلب رضاها كل الأوقات، وإذا كانت الأم هي جنتنا ونارنا في الآخرة فاللغة على الأقل الوسيلة لذلك.. فلا دين ولا صلاة ولا قراءة قرآن من دون اللغة العربية".. ورغم هذا التفرد لم تتمكن ضيفتنا الكريمة من اختراق ضاحية "الرواية".. فمكثت في أضابيرها عدة روايات لم تكتمل، لا بسبب إلا ضيق الوقت، ونفاد الصبر والنفس الطويل الذي يرصف طريق الرواية، وكاتبتنا الكبيرة تلهث كل يوم وراء فكرة مقال، أو تنحت من الخيال قصة تسد بها فراغاً متزايداً في مكتبتنا العربية.. متطلعاً أن ترى رواياتها النور لتسهم في إثراء مشهدنا الثقافي. |
لقد ساهم عمل ضيفتنا الكريمة في المجال الاجتماعي في صهر علاقاتها المميزة مع شرائح مختلفة، مشيرة إلى أن "حلم حياتها كان بناء بيوت أسرية لذوي الظروف الخاصة، بما يكون تعويضاً لهم عن الفراغ الأسري".. ويكفيها من الحلم نبله -وإن لم يتحقق- فكثير من الأحلام تبقى مرفرفة فوق أصحابها، تؤنسهم وترتقي بإنسانيتهم إلى ذرى غير منظورة، وتجسد في الوقت ذاته روحهم المتألقة، المنجذبة نحو مرافئ النور والخير والحق والجمال.. فعندما تقاعدت عن العمل الحكومي، لم تتقوقع في ذاتها، بل مدت غصون عطائها لتعمل مديرة للقسم النسائي بفرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية، وهو مجال يصب في صميم اهتماماتها الصحفية والأدبية والاجتماعية، ذلك أن الهم الإنساني كل لا يتجزأ، فأينما يممت وجهها كان العمل لأجل الإنسان في ركابها.. فهنيئاً لنا ولها ذلك الوصف الشفاف الذي أطلقه عليها أحد النقاد قائلاً بأنها: "بسيطة كالشموع، حادة كالبرق، وقاسية كالبكاء".. ويسعدني أن أضيف إليه أنها أيضاً: متسامية في إنسانيتها كالنسيم، صادقة في تعاملها كالطفولة.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بها بين عارفي فضلها الذين يثمّنون عالياً جهودها المشكورة، وأعمالها المبرورة. |
سعداء أن نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله للاحتفاء بمعالي الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد، قادماً خصيصاً من أرض الكنانة.. المفكر الإسلامي، والحقوقي المعروف، الذي شرف بحمل حقيبتي وزارتي الشباب فالإعلام خلال مسيرته الحافلة بالعطاء في سبعينات القرن الماضي. |
طبتم وطابت لكم الحياة. |
والسلام عليكم ورحمة الله... |
عريفة الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه مؤسس هذه الاثنينية على هذه الكلمة الترحيبية. |
أود أن أشير إلى أنه بعد أن تعطى الكلمة لفارسة أمسيتنا، ستتم محاورتها عن طريق الأسئلة التي آمل أن تتفضلوا بإلقائها مباشرة، راجين أن يكون سؤالاً واحداً لكل متسائل ومتسائلة، وأن يُعرّف السائل بنفسه ومهنته ثم يطرح السؤال مباشرة، حتى نتيح الفرصة لأكبر عدد منكم ومنكن. والآن الكلمة نستمع إليها من سعادة الأستاذ محمد علي قدس الكاتب المعروف فليتفضل. |
|