يا رَبِّ: إِنِّي واقِفٌ بِالبابِ |
ظَهْري يَنوءُ بِمَحْمَلي وَبِما بي |
يا مَنْ رَجَوْتُ الصَّفْحَ مِنْهُ: فَجُدْ بِهِ |
أَنْتَ العَليمُ بِتَوْبَتي وَمآبي |
يا مَنْ رَجَعْتُ إِلَيْهِ أَطْلُبُ عَفْوَهُ |
عَمَّا جَنَيْتُ بِشَيْبَتي وَشَبابي |
مِنْ غَفْلَةٍ أَوْ خاطِرٍ أَوْ مَوْقِفٍ |
وَأَشَحْتُ فيهِ عنِ الهُدَى بِرِكابي |
فَأَضَعْتُ دَرْبي في دُروبٍ جَمَّةٍ |
شَغَلَتْ شَبابي الغِرَّ بالأَسْبابِ |
وَاسْتَسْلَمَتْ روحي لإِيقاعِ الهَوَى |
فَطَرِبْتُ، مِنْ جَهْلٍ، وَساغَ شَرابي |
وَشُغِلْتُ عَنْ هَدْيِ الحَبيبِ المُصْطَفَى |
وَأَطَلْتُ إِعْراضي، فَتاهَ صَوابي |
وَمَضَى زَمانٌ، فيهِ قَلْبي غافِلٌ |
فَتَراكَمَتْ، في غَفْلَتي، أَوْصابي |
وَصَحَوْتُ مِنْها، بَعْدَ لأْيِ، سَيِّدي |
يا رَبِّ: يا مَنْ لُطْفُهُ أَوْلَى بي |
كَثُرَتْ ذُنُوبي، يا غَفُورُ: فَجُدْ عَلَى |
مَنْ تَابَ مِنَ ذَنْبِ، وَجُدْ بِثَوابِ |
أَنْتَ اللَّطيفُ كَذا العَفُوُّ، وَواسِعٌ |
وَلَقَدْ كَفلْتَ الوُدَّ لِلأَحْبابِ |
وَأَنا مُحِبٌّ، سَيِّدي، أَنا مُؤْمِنٌ |
وَإِلى الحَبيبِ المُصْطَفَى أَنْسابي |
فَبِحَقِّ حِبِّكَ أَحْمَدٍ، عَيْنِي الفِدا |
إِقْبَلْ، إِلهي، تَوْبَتي وَإِيابي |
هَذا الحَبيبُ مُحَمَّدٌ رُوحي لَهُ |
تَبَعٌ، وَيَسْكُنُ خافِقي وَإِهابي |
هَذا الأَمينُ مُصَدَّقٌ وَمُقَرَّبٌ |
مَلَكَ القُلوبَ بِمَسْلَكٍ وَخِطابِ |
وَبِعِلْمِهِ، وَبِحِلْمِهِ، وَبِزُهْدِهِ |
وَبِحِفْظِهِ لِلعَهْدِ، وَالأَصْحابِ |
فَكَلامُهُ صِدْقٌ وَحَقٌّ ناصِعٌ |
مُوُحَى بِهِ مِنْ رَبِّهِ الوَهَّابِ |
ما ضَلَّ يَوْماً في البَلاغِ، وَما غَوَى |
هُوَ شاهِدٌ بِالحَقِّ، رغْمَ صِعابِ |
وَلَئِنْ تَعَذَّبَ مِنْ قَبيلٍ مُشْرِكٍ |
فَاللَّهُ أَيَّدَهُ بِذُلِّ رِقابِ |
وَبِفَتْحِهِ، وَمَلائِكٍ، وَبِقُدْرَةٍ |
عَزَّتْ عَلى الكُفَّارِ وَالمُرْتابِ |
وَغَدا المُؤيَّدَ مِنْ عَزيزٍ قادِرٍ |
سُبْحانَهُ، وَمُسَبِّبِ الأَسْبابِ |
نَصَرَ النَّبِيَّ، فَكانَ خَيْرَ مُبَلِّغٍ |
وَسِراجَ نُورٍ مِنْ لَدُنْ وَهَّابِ |
في وَجْهِهِ شَمْسُ المَعارِفِ وَالهُدَى |
شَمْسٌ تُعانِقُ مُهْجَتي وَصَوابي |
وَشَقائِقُ النُّعْمانِ في وَجَناتِهِ |
وَالفُلُّ لَوْنُ أَديمِهِ، كَشِهابِ |
مُتَلأْلئٌ بِالنُّورِ، يَمْلأُ ناظِري |
وَيَفيضُ يَمْلأُ خافِقي وَرِحابي |
بَدْرُ البُدورِ، يَشِعُ مِنْ قَسَماتِهِ |
نُورُ الهِدايَةِ في أَجَلِّ ثِيابِ |
حُسْنٌ يُقَيِّدُني بِحُبٍّ جارِفٍ |
حُبٍّ أُمارِسُهُ بِغَيْرِ حِجابِ |
حُبٍّ رَفيعٍ، طاهِرٍ، مُتَعَفِّفٍ |
هَذا الهَوَى طَهُرَتْ بِهِ أَثْوابي |
حُبِّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، دانَتْ لَهُ |
رُوحي، وَزيَّنَ بِالسُّمُوّ حِقابي |
غَطَّى حَياتي بِالنَّعيمِ، بِلُطْفِهِ |
وَسَكينَةٍ سَكَنَتْ بِكُلِّ رِكابي |
فَلَبِسْتُ مِنْهُ ثِيابَ عِزٍّ سابِغا |
تٍ، مِنْ جَلالٍ، خِطْتُ مِنْهُ نِقابي |
يَتَأْلَّقُ التَّاريخُ، ثَمَّ، بِذِكْرِهِ |
وَبِفكْرِهِ، في مَحْفلِ الكُتَّابِ |
فِبَكُلِّ رُكْنٍ مِنْ هُداهُ شُعْلَةٌ |
وَاسْأَلْ سُهولي الخُضْرَ بَلْ وَهِضابي |
تُنْبِئكَ عَنْ هَذا النَّبِيِّ، وَفَضْلِهِ |
وَثَباتِهِ في شِدَّةِ وَصِعابِ |
وَرَجاحَةٍ في العَقْلِ، بَلْ وَتَواضُعٍ |
وَطَلاَقَةٍ في الوَجْهِ، فَيْضُ سَحابِ |
جُودٌ، وَقارٌ، هَيْبَةٌ وَشَجاعَةٌ |
وَفَصاحَةٌ، وَبَلاغَةٌ بِخِطابِ |
لا عَيُّ في قَوْلٍ، وَلا مُتّفَيْهِقٌ |
عَفُّ اللِّسانِ، مُبَرَّأُ الأَثَوابِ |
جَمَعَ السَّماحَةَ، وَالمَلاحَةَ وَجْهُهُ |
وَبِهِ الحَياءُ مُحَبَّبٌ، إِيجابي |
وَهُوَ الخُلاصَةُ لِلْمَوَدَّةِ وَالْوَفا |
إخْلاصُهُ في حَضْرَةٍ وَغِيابِ |
وَفِراسَةٍ، وَكِياسَةٍ، في حِكْمَةٍ |
إِنْ قالَ قَوْلاً كانَ مَحْضَ صَوابِ |
أَوْ جاءَ فِعْلاً كانَ مَحْضَ تَرَفُّعِ |
عَنْ كُلِّ ما يُزْري مِنَ الأَسْبابِ |
بَلْ كانَ مِلْءَ العَيْنِ مَعْصومَ الخُطا |
وَعَنِ الخَطَا يَزْوَرُّ، بَلْ وَالعابِ |
حَسَنَ القَبولِ، مُنَزَّهاً، مُتمَتِّعاً |
بِالحُبِّ صِرْفاً، حائِزَ الإِعْجابِ |
لِشَمائِلٍ مِنْ صُنْعِ رَبِّي، حُلْوَةٍ |
هُوَ سَيِّدُ الأَخْلاقِ والآدابِ |
كانَ اللَّبيبَ الأَلْمَعِيَّ، وَذا الحِجا |
والحُجَّةِ المُهْداةِ لِلأَلْبابِ |
وَصَلَ الأَرامِلَ والضّعافَ بِفَضْلِهِ |
وَالرَّحمَ بِالإِكْرامِ والأَسْبابِ |
حاني الجنَاحِ كَما النَّسِيمُ، وَلَيِّناً |
وَمُوَطَّأَ الأَكْنافِ للأَصْحابِ |
وَهُوَ الشَّديدُ عَلَى الكَفُورِ، وَقاهِرٌ |
لِضَلالَةِ المَخْدوعِ، والمُرتَابِ |
وَهُوَ الغَنِيُّ بِرَبِّهِ، وَبِدينِهِ |
وَهُوَ العَزيزُ بِمَوْقِفٍ وَضِرابِ |
وَهُوَ الأَصيلُ، وَلا أَصالَةَ فَوْقَهُ |
هُوَ أَرْفَعُ الأَنسابِ وَالأَحْسابِ |
فَهُوَ اللُّبابُ هَوَ المُصَفَّى جَوْهَراً |
مَنْ مِثْلُهُ في مُجْمَلِ الأَحْقابِ؟! |
مَعَ فَقْرِهِ كانَ السَّخِيَّ، بِجُودِهِ |
غَمَرَ الأَنامَ فَكانَ فَيْضَ سَحابِ |
يُهْدي الَّلأَلِئَ مِنْ بُحورِ سَخائِهِ |
لِسَواحِلِ المُمْتاحِ وَالجَوَّاب
(1)
|
مَعَ فَقْرِهِ، رَفَضَ الدُّنَا بِنَعيمِها |
وبَرَيقِها، مَعَ أنَّها بِالبابِ |
بِيَمِينِهِ، لَوْ شاءَ، أَصْبَحَ مالِكاً |
لِجَميعِ ما يَرْجو مِنَ الأَلْقابِ |
لَكِنَّهُ زَهِدَ الحَياةَ بِزَهْوِها |
وَاخْتارَ رَبَّ الكَوْنِ والأَرْبابِ |
هذا النَّبيُّ مُؤَزَّرٌ، مُتَوَكِّلٌ |
هُوَ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ الوهَّابِ |
هُوَ صاحِبُ الحَوْضِ الَّذي تَهْفو لَهُ |
رُوحي، وأَرْجوهُ بِيَوْمِ حِسابي |
حَتَّى يَطيبَ الورْدُ، تَهْنَأُ شَرْبَتي |
يا ما أُحَيْلَى مَوْرِدي وَشَرابي |
في صُحْبَةِ المُخْتارِ، نورِ نَواظِري |
بَلْ روحِ روحي بَلْ أَعَزِّ طِلابي |
فَاكْتُبْ، إِلَهي، أَنْ أَكونَ مَعَ الَّذي |
بَارَكْتَهُ في حَضْرَةٍ وَغِيابِ |
وَجَعَلْتَهُ الهادي البَشيرَ، ومَاحِياً |
لِلْكُفْرِ في أَفْعالِهِ، وَخِطابِ |
وَرَفَعْتَ، في القُرْآنِ رَبِّي، ذِكْرَهُ |
يا خَيْرَ ذِكْرٍ، في أَجَلِّ كِتابِ |
يا مَنْ تَكَفَّلَ بِالشَّفاعَةِ لِلْورَى |
وَبِفَضْلِ رَبِّي كُنْتَ خَيْرَ مُجابِ |
إشْفَعْ حَبيبي يَوْمَ مَوْقِفِ رَبِّنا |
وَبِذاكَ أَنْجُو مِنْ لَظَى وَعَذَابِ |
وَأَكونُ في كَنَفِ الودودِ وَظِلِّهِ |
ربِّ الأَنامِ، الماجِدِ، التَّوَّابِ |
هَذا النَّعيمُ وَتِلْكَ صُحبَةُ أَحْمَدٍ |
نُورِ الوُجودِ، وَأَفْضَلِ الأَصْحابِ |
فَمقامُهُ المَحْمودُ يُثْلِجُ خافِقي |
يُهْدي الفُؤادَ لَطافَةَ الأَحْبابِ |
هُوَ عَنْ يَمينِ العَرْشِ في أَعْلى الذُّرَى |
هُوَ عِنْدَ رَبِّي في أَعَزِّ جَنابِ |
ولذا أَتُوقُ إِلى جِوارِ المُصْطَفَى |
وإِلى الشَّفِيعِ مُحَمَّدٍ يُؤْتَى بي |
فَبِصُحْبَةِ المُخْتارِ أَبْلُغُ مَأَمَني |
وَبِصُحْبَةِ الهادي يَزولُ عِقابي |
فَأَفوزُ فَوْزاً لا مَطامِحَ بَعْدَهُ |
يَوْمَ التَّنادِ، وَفي اليَمينِ كِتابي |
لَكِنْ بَعيدٌ أَنْ أَفوزَ بِمَطْلبَي |
أَيْنَ الثُّرَيَّا مِنْ ذَليلِ تُرابي |
يا لَيْتَ قَوْمي مِ النَّبِيِّ تَعَلَّموا |
في جَمْعِهِمْ مِنْ شِيبِهِمْ وَشَبابِ |
نِبْراسَهُمْ جَعَلوا النَّبِيّ وَأُسْوَةً |
حَتَّى يَكونوا خِيرَةَ الأَنْجابِ |
بهِدايَةٍ وَتَكاتُفٍ، بُنْيانُهُمْ |
مِثْلَ الجِبالِ الشُّمِّ وَالأَصْلابِ |
حَتَّى يَكونوا أُمَّةً مِقْدامَةً |
بِصُمودِهِمْ في مِحْنَةٍ وَضِرَابِ |
بَلْ كَيْ يَعودوا قُدْوَةً وَمَنارَةً |
في العِلْمِ والإيمانِ وَالأَلْبابِ |
وَمَكانُهُمْ في العالَمينَ مُبَجَّلاً |
وَمَحَلَّ إِكْبارٍ وَلَيْسَ سِبابِ |
أَهْلاً لِكُلِّ تَجِلَّةٍ وَحضارَةٍ |
كانَتْ لَنا يَوْماً جَميلَ ثِيابِ |
لَو أنَّنا صُنّا النَّبِيَّ بِهَدْيِهِ |
ما تاهَ مَوْكِبُنا وَأَيُّ رِكابِ |
في هَذِهِ الدُّنْيا الدَّنِيَّةِ، أَهْلُها |
ضَلُّوا بِدونِ شَريعَةٍ وَكِتابِ |
يا نورَ أَحْمَدَ لَوْ لَمَسْتَ قُلوبَهُمْ |
بِهُداكَ، ما تاهوا بِأْرْضِ خَرابِ |
ما أَنْتَ إِلاَّ النّورُ يَقْتَحِمُ الدُّجَا |
بِهِدايَةٍ مِنْ رَبِّنا الوَهَّابِ |
بِتَضَرُّعي لِلَّهِ أَخْتِمُ مِدْحَتي |
لَكَ يا حَبيبي يا رَفيعَ جَنابِ |
صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يا عَلَمَ الهُدَى |
يا طاهِرَ الأَثْوابِ والأَنْسابِ |
صَلَّى عَلَيْكَ بِكُلِّ حِينٍ رَبُّنا |
يا نور عَيْنِ العابِدِ الأَوَّابِ |
وَعَلى ذَويكَ الغُرِّ آلِ مُحَمّدٍ |
وَعَلى الصَّحابَةِ، قُدْوَةِ الأَصْحابِ |
وَالتّابعينَ وَمَنْ تَمَثَّلَ بَعْدَهُمْ |
نَهْجَ النَّبِيِّ، مُؤَصِّلِ الآدابِ |
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا يا إِخْوَتي |
فَمَديحُهُ سَيَقودُنا لِثَوابِ |
وَلِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّنا، مَقْرونَةٍ |
يَوْمَ اللِّقا بِالْعَفْوِ وَالتِّرْحابِ |