ماذا أقولُ، ولِلْحَديثِ فُنونُ |
مِنْها مُقَفَّى مُحْكَمٌ، مَوْزونُ |
والبَعْضُ نَثْرٌ، فيهِ سِرٌّ يَنْثَني |
حَتَّى يُعانِقَ عُمْقَهُ تَضْمينُ |
أَلْغازُ تَتْرَى، بَلْ إِشاراتٌ هُنا |
فيها كَلامٌ ثائِرٌ، مَخْزونُ |
يَخْشَى يُصَرِّحُ بِالضَّميرِ لِخَوْفِهِ |
مِنْ راصِدٍ، خَذَّالَةٍ، فَيَخونُ |
ماذا أَقولُ، وَبَعْضُ قَوْلِيَ ضائِعٌ |
عِنْدَ الأَصَمِّ، وَعَقْلُهُ مَأْفونُ |
ماذا أقولُ، وفي الحَنايا جَمْرةٌ |
ولَقَدْ كَوتْني آهَةٌ وشُؤُونُ |
ماذا أَقولُ، وقَدْ رَثَيْتَ لِحالَتي |
في طَيِّ شِعْرِكَ لَوْعَةٌ وَأَنينُ |
ماذا أَقولُ، وكُلُّ قَوْلِكَ واقِعٌ |
رَسَمَ المَواجِعَ، فاسْتُبيحَ سُكونُ |
أَنا إِنْ رَدَدْتُ فَإِنَّ رَدِّيَ صَرْخَةٌ |
والقَلْبُ في طَيَّاتِها مَسْجونُ |
أَنا إِنْ رَدَدْتُ فَإِنَّ رَدِّيَ ثَوْرَةٌ |
تَغْفو وتَصْحو، إِنْ صَحَتْ فَجُنونُ |
أَنا آهَةٌ تَحْكي حِكايَةَ لَوْعَةٍ |
أَنا آهَةُ المَظْلومِ -إِي- وَقَرينُ |
لِكَآبَةٍ، وتَعاسَةٍ، وَمَهانَةٍ |
وَتَضُمُّها -في العالَمينَ- جُفونُ |
بِشَوارِعٍ وَجَوامِعٍ ومَضاجِعٍ |
ولَها أَنينٌ صامِتٌ ورَنَينُ |
أَنا آهَةٌ تجتاح كُلَّ مَفاصِلي |
وكَأنَّني لِلْمُحْبَطينَ عَرينُ |
أَنا آهَةٌ مَخْزونَةٌ، مَكْتومةٌ |
بَلْ صَرْخَةٌ يَقْتاتُها مَطْعونُ |
أَنا آهَةٌ في بُؤسِها، في بَأْسِها |
في العالَمينَ، لَهيبُها مَشْحونُ |
بِأَسَى القُلوبِ وَنَبْضِها، مُتَحَفِّزٌ |
لِيَجولَ فيها مِثْلَما السِّكِّينُ |
أَنا آهةٌ في صَدْرِ كُلِّ مُكَبَّلٍ |
أَنا لَوْعَةٌ، وَشَرابُها غِسْلينُ |
تُكْوَى بِها الآمالُ عِنْدَ مُنافِقٍ |
الذِّئْبُ فيهِ مُرابِطٌ وَرَهينُ |
إبْليسُ يَسْكُنُهُ ويَمْلأُ جَوْفَهُ |
وَلَهُ بِكُلِّ المُخْزِياتِ قَرينُ |
ماذا أَقولُ، وقَدْ أَثَرْتَ مَواجِعي |
أُنْظُرْ جَريحَ القَلْبِ كَيْفَ يكونُ! |
في كُلِّ عَيْنٍ مِنْ مَآسِيَّ قَذَى |
كَمْ ضَمَّهُ في العالَمينَ عُيونُ |
أَمَّا اللِّسانُ فَإِنَّ فيهِ مَرارةً |
مِنْ جُرْحِ قَلْبِ سِرُّهُ مَكْنونُ |
فَفَضَحْتَهُ بِقَصيدَةٍ مُزْدانَةٍ |
بِالحُزْنِ، فيها هَيْثَمٌ مَسْجونُ |
يَبْغي انْطِلاقاً في مَرابِعِ سِرْبِهِ |
واليَأْسُ قَيَّدَهُ، ولَيْسَ غُصونُ |
أَمْري وأَمْرُكَ في الحَياةِ كَواحِدٍ |
صَقْرٌ جَريحٌ قَيَّدَتْهُ ظُنونُ |
رَغِبَ الصَّراحَةَ في المَقالِ، فَهَدَّهُ |
هَمٌّ ثَقيلٌ، في الفُؤَادِ، مَكينُ |
شابَتْ ذُؤَابَةُ فِكْرِهِ مِنْ طَعْنَةٍ |
قَدْ جادَ فيها غادِرٌ وَخَئونُ |
إنَّ الكَلامَ بِذا الزَّمانِ جَرِيمَةٌ |
إِنْ كانَ صِدْقاً، فَالمَصيرُ حَزينُ |
فَالصَّمْتُ أَوْلَى، لَو كَتَبتُ قَصيدَةً |
فَهِيَ المُخَدِّرُ، أَوْ هِيَ (المُرْفينُ) |
أَنا إِنْ كَتَبْتُ قَصيدَةً فَلأَنَّها |
جُرْحٌ يُفَجِّرُ نَزْفَهُ السِّكِّينُ |
والقَوْلُ أَمْضَى، قالَها لِيَ شاعِرٌ |
مُنْذُ القَديمِ، مُجَرِّبٌ وَأمينُ |
وَلِذا، كَتَبْتُ، ولَيْسَ بي مِنْ رَغْبَةٍ |
بِالقَوْلِ حَتَّى سَلَّهُ مَطْعونُ |
أَنا إِنْ طَلَبْتَ إِجابَتي فَأَمينَةٌ |
وكَذاكَ أَنْتَ مُساجِلٌ مَأْمونُ |
صِنْوانِ، إِنَّا في الهُمومِ تَوَحَّدا |
وكَما تَكونُ تَفاعُلاً سَأَكونُ |
يا سَيِّداً لِلْنَّبِضِ والحَرْفِ الَّذي |
نَكَأَ الجِراحَ، وَها أَنا المَسْكونُ |
لَكَ في ضَميري أَلْفَ أَلْفِ تَحِيَّةٍ |
وَلَكَ احْتِرامي، والحَديثُ شُجونُ |