((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك حبيبك وصفيك سيدنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته أجمعين. |
الأستاذات الفضليات |
الأساتذة الكرام |
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته... |
القصة.. الرواية.. الشعر.. والحواريات الفلسفية.. إبداعه مزيج من ذلك كله، في تناغم يحاكي بهاء أشجار غوطة دمشق، وتغريد أطيارها. إن دلفت عليه من باب الشعر، فأنت أمام شاعر عكاظ، وإن أتيته باحثاً في رواياته عن شخوصه، التي تتسكع في حواري حلب، وأزقتها الحميمة، فلعلك واجدها مرهقة من السعي بحثاً عن فك شفرة "سر الشارد"، تأوي إلى "الغيمة الباكية" محتارة عن "من قتل الرجل الغامض".. رحبوا معي بالشاعر القاص والروائي السوري عبد الله عيسى السلامة، القادم من الأردن خصيصاً لاثنينيتكم. |
تشهد ساحة إبداعنا العربي، وضيفنا الكبير في قلبها النابض، حيوية مميزة، ليس على صعيد الإنتاج الجمالي بكل قوس قزحيته المدهشة، وإنما في فضاءاته الدلالية والمعرفية أيضاً. وهذا اللهاث النقدي المحموم، لاستنسال مناهج أكثر جرأة لقراءة وتفكيك مغاليق هذا الخطاب الإبداعي، قد فجر الكثير من مسلمات النقد الكلاسيكي، كما فخخ الحدود بين شتى أجناس الإنتاج الجمالي وجعل خطاب الحداثة أكثر مضيافية ورحابة.. فها هي القصيدة تفتح ذراعيها في بشاشة للنثر، وها هي القصة تغادر نثريتها العتيدة وتتمسح بأذيال الشعر، والرواية تضج دراما، ولم ينس التشكيل أن يطرز حوافه الملونة، بفسيفساء حرير الكلام. |
يؤكد خطابنا الإبداعي المعاصر، وأعمال ضيفنا الكبير بشكل جلي، بأن للفنون بعامة قرابات خصيبة؛ ففيما يعيد فن من الفنون إنتاج سلالته، فإنه يساهم في توالُد سلالات إبداعية جديدة، لا تكون دورات تناسل ونمو الفنون خطية، بقدر ما هي إشعاعية، ولا تكون أفقية، بقدر ما هي رأسية، تبحث دوماً عن مائها في عروق الأرض، وفي تضاعيف الغمام، وحسبنا في ذلك شاهداً، ما أنتجته مخيلة فارس أمسيتنا، من أجناس إبداعية متعددة، ومتداخلة بتواشج حميم. |
ولأن روح ضيفنا الكريم موسوسة بجمال يستوطن الشام مثوى رحيما: من عاليات أشجارها وعبق مآذنها، ودماثة سكانها، تتهامس مخيلته بأصدائه شعراً في "الظل والحرور"، وتتنزه في واحاتها هياماً في "واحة في التيه"، فينتج عن هيامه المحموم قصيدته "المعاذير" التي صاغها تقدمة وعرفاناً، بين يدي هذا الجمال، جواز مرور إلى عكاظ الشعر، التي توجته شاعراً للعرب، يحس بأحلامهم وآلامهم وملاحم نضالهم، فيكتب في الشهيد محمد الدرة "راعف جرح المروءة" التي تتوّجه بالكويت فائزاً ليس بجائزة البابطين فحسب، وإنما بقلوب العرب الذين أهداهم قصيده، أملاً في النصر، وبشارة بالمستقبل، وبهذا فإن الأدب العربي المعاصر باعتباره ساحاً لعزاء الروح، من دنف واقع متشظٍّ بأسئلة مرهقة، يطرح فرضية متعارضة مع وجهة النظر الكلاسيكية في أن الأدب يحاكي ما هو كائن، إذ نراه يسعى أن يكون لساناً لما قد يكون، وفقاً لقانون الاحتمال، ومشروعاً جمالياً يتعكز على الخيال، لاستنهاض الأمة من غفوتها الحضارية. |
كتب ضيفنا الكريم القصة القصيرة، وله فيها من الأعمال "دموع ضرغام" و "لماذا يكذب الجزار" وغيرها، وهنا يستوقفني تساؤل، لعله يدور بخواطركم جميعاً: هل لأسئلة وجود المبدع في فضائنا العربي، التي لا تنتهي عزاء في كنف جنس جديد، تشكله فوضى عناصر الخطاب الإبداعي، أم إنها لا ترضى بغير التعدد، فكم من شاعر يكتب القصة والرواية وحتى المسرح، كضيفنا الكريم، الذي تقف مسرحياته العديدة مثل "بيت العباقرة" و "مهمة دبلوماسية" شاهداً على انمحاق فرضية التخصص في الإبداع؛ فعلى الرغم من تصور الكثيرين بأن الشعر ذروة التعبير الجمالي، إلا أن أسئلة وجود المبدع ترنو إلى إناء السرد في القصة والرواية، بحسبانه ربما، أكثر رحابة لفضفضة أشواق الروح وهمومها.. فعلى الرغم من أن ضيفنا الكبير قد انساق طويلاً وراء غواية الشعر، إلا أنه كان يضمر رغائب السرد، فأمعن فيه آخذاً معه أهم ما يفعل الشعر: خصوبة الروح والمخيلة، تلك الطاقة التي تمنحك حساسية لغة تنأى بك عن التماثل الأسلوبي، إذ تلوح لك بقوس قزح، تبتعد بك عن جفاف الإنشاء، فيما تضعك على أهبة الندى، تقيك من ركود الصورة، وهي تهيئك لاحتفال المشهد. |
وثمة تساؤل لضيفنا الكبير تقترحه مغامرته الإبداعية، التي تتوسل بالشعر والنثر والمسرح والحواريات الفكرية مثل "صريع الفلسفة": أليس من شأن هذا التواشج غير المتكافئ بين أجنحة الشعر -وعناصر أخرى تنهض عليها بنية السرد القصصي، والمسرحية، باعتبارها خطابات جمالية تتأسس على الاندياح العفوي للمخيلة، لا شرط موضوعياً يأسرها- وبين الذهنية الصارمة التي تتطلبها الدراسة النقدية، أن يولد اختلالاً لن تنجح براعة الأسلوب وجاذبيته، في مواراته؟ إذ إن الشعر انخطاف روحي بالجميل، بينما نجد القصة فكرة تأملية خالصة، والدراسة النقدية فعلاً ذهنياً صارماً؟ كيف يغادر المبدع فضاء ذاتيته الخاصة، ليكتب بموضوعية عن إنتاج مبدع آخر؟ ألا يخشى أن يسقط رؤيته الخاصة على ذلك النتاج، وبذا يخرج عن حيادية الناقد وموضوعيته؟ |
مرة أخرى نرحب بضيفنا الكبير وهو يأخذنا بحديثه الماتع عن الشعر.. القصة والمسرح إلى تخوم الجمال.. حيث تنعس النجوم، تتهامس الغيوم بوعد المطر، وبراقنا في مسرانا نحو الجمال شعاع من ألق خياله الباسل وإبداعه الطليق. |
نحتفي في اثنينيتنا القادمة، بالأستاذة الدكتورة مريم هاشم البغدادي الأكاديمية والشاعرة، صاحبة ديوان "عواطف إنسانية" والعديد من الأبحاث النقدية الرصينة، مثل "التأصيل الفني للبكائية القديمة في الشعر الجاهلي" وغيرها مما يضيق المقام بذكره. |
فأهلاً وسهلاً بها.. وبكم.. وبكل محبي الكلمة. طبتم وطابت لكم الحياة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. |
عريف الحفل: شكراً لمؤسس الاثنينية سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على كلمته الترحيبية. وسنبدأ الكلمات التي ترحب بضيفنا الكريم بكلمة للأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني رئيس النادي الأدبي بجدة والأكاديمي والناقد الأدبي المعروف. |
|