عادَ الأَمِينُ يَرْجُفُ الفُؤادُ |
مِنْهُ كما تَمَكّنَ الإِجْهادُ |
لِزَوْجِهِ خَديجَةَ المُطَهَّرَة |
والأسْرةِ الكريمةِ الموقَّرَهْ |
أكْرَمَهُ الرّحمنُ ذو الإِحْسانِ |
بالخَمْسِ آياتٍ مِنَ القُرْآنِ |
الرُّوح قد جاءَ إلى حِراءِ |
إلى حَبيبِ اللَّهِ في الضَّحاءِ
(1)
|
في مَلْبَسِ الشَّيْخِ الجَميلِ الصُّوَرهْ |
والهَيْئَةِ الجَليلةِ الوَقورة |
فَاجَأهُ في مَوْطِنِ العِبادَهْ |
والخَلْوةِ العَظِيمَةِ السَّعادهْ |
فتارَةً عَشْرٌ من اللَّيالي |
وتارةً شَهْرٌ على الكَمال |
قال لَهُ إنّي أَنا جِبْرِيلُ |
وأنت يا محمّدُ الرَّسولُ |
في قُوَّةٍ قد ضَمَّهُ وأَرْسَلَهْ |
كي يُدْرك الخَيْرَ الّذي قد سيقَ لهُ |
قَالَ لَهُ اقْرأْ قال ما أُجِيدُ |
فَضَمّهُ في قُوَّةٍ تَزِيدُ |
قالَ لَهُ اقرأْ مرّةً أَخِيرهْ |
وغَطِّهُ في آخِرِ الْمسِيرَهْ
(2)
|
قال لَهُ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبٍّ خالقِ |
لِلْعَبْدِ مِنْ ماسٍ نَقيٍّ دافِقِ |
قَدْ نُقشَتْ آيُ الكِتابِ الْمنْزَلِ |
في صَدْرِ خَيْرِ مصطفىً ومُرْسَلِ |
وفي الطّرِيق أَبْصَرَ الأَمينا |
وقد أبان سِرَّهُ الدَّفِينا |
الشَّكْلُ مِنْهُ سَدَّ كلَّ ناحِيَهْ |
فما تَرَى لِلشَّمْسِ أيَّ ناصِيَهْ |
وهذه المَسِيرةُ الجَلِيلهْ |
قد تَوَّجَتْها لَفْتَةٌ جَمِيلَهْ |
جِبْرِيلُ مَرْسولٌ مِنَ السَّماءِ |
إلى رَسولِ اللَّهِ في حِراءِ |
هُنا الرّسولُ الأَشْرَفُ الكريمُ |
هُنا النَّبِيُّ الخاتِم العَظيمُ |
ما أَجْمَلَ الأَقْوالَ قد تناغَمَتْ |
وأَكْرَمَ الأَفْعالَ قد تَعاظَمتْ |
تَمَكَّنَ الخَوْفُ مِنَ الحَبِيبِ |
إنّ الّذي تَمَّ مِنَ العَجِيب |
ما أَبَعَد الشُّقّةَ بين الغارِ |
لِلْخائِفِ الماشِي وبين الدّارِ |
أتى الحبيبُ السَّفْحَ بعد كَدِّ |
أتى الحبيبُ الدّارَ بعد جُهْدِ |
طال انتظارُ الزَّوْجةِ الكريمة |
كُلُّ عَظِيمٍ خَلْفَهُ عَظِيمَهْ |
اِسْتَقْبَلَتْ خَدِيجةُ الوفيّهْ |
محمّداً في رَحْمَةٍ بَهِيَّهْ |
قالت لَهُ قد طال يا ابْنَ عَمّي |
خَوْفِي عليكَ واستَبَدَّ هَمِّي |
اضْطَرَبَ الجِسْمُ من النَّبِيِّ |
كالرِّيشَةِ اجْتِيحَتْ مِنَ الأَتِيِّ
(3)
|
يقول للأَحْبابِ دثّروني |
مِنْ أَخْمَصِي إلى ذُرا قُروني
(4)
|
وبعد أن حَلّتْ به السَّكِينَهْ |
أبان ما في النَّفْسِ من دفِينهْ
(5)
|
أَفْضَى إلى خديجةَ الحكِيمَهْ |
بالقِصَّةِ الفَرِيدَةِ اليَتِيمَهْ
(6)
|
وقال إنّي مِنْ فَواتِ حِسِّي |
لقد خَشِيتُ ووَفاةِ نَفْسي |
قالت لَهُ واللَّهِ يا محمّدُ |
دَوْماً من الرّحمن سوف تُحَمْدُ |
كلُّ النُّعُوتِ الفَخْمَةِ المجيَدهْ |
فاضَتْ بها صِفاتُكَ الحَمِيدَهْ |
أَخْلاقُكَ العَظِيمَةُ الفَرِيَدهْ |
قد طَوَّقَتْ مِنَ الزَّمانِ جِيدَهْ |
أنت الَّذي قد واصَلَ الأَرْحاما |
وقَدَّمَ الشَّرابَ والطَّعاما |
وخَفَّ في نَوائِبِ السِّنينا |
يُساعِدُ الضَّعِيفَ والمِسْكِينا |
ويَصْدُقُ الحَدِيثَ والوُعودَا |
والْعَهْدَ والمِيثَاقَ والعُقودا |
فليس لِلشَّيْطانِ مِنْ سَبِيلِ |
عليك يا ذا الخُلُقِ النَّبيلِ |
كأنْ رَبَّ الأَرْضِ والسَّماءِ |
قد اصْطَفاكَ شافياً لِلدّاءِ |
إنّي لأَرْجُو أن تَزُولَ الغُمَّهْ |
وأن تكون المُجْتَبَى لِلأُمَّهْ |
اِنطَلَقَتْ خديجةُ الوقورَة |
بِزَوْجِها ذي الهِمَّةِ الكَبيرَهْ |
إلى ابْن عَمٍّ كان قد تَدَبَّرا |
لسابِقَ الوَحْيِ وقد تَنَصَّرا |
كان كَبِيراً طاعِناً في السِّنِّ |
لَكنَّهُ يَقْرَأُ كُلّ فَنِّ |
وَيَنْقُلُ المَكْتُوبَ بِالعِبْراني |
إلى اللِّسانِ المُشْرقِ البَيانِ |
وكان ذا تَجْرِبَةٍ كَبِيَرهْ |
فإنّهُ طالَتْ بِهِ المَسِيَرهْ |
قالت له يا عَمِّ ذا محمّدُ |
وابنُ أخِيكَ فَضْلُهُ لا يُجْحَدُ |
مَرَّتْ به تَجْربةٌ كَبيرهْ |
وقِصَّةٌ مثيرَةٌ خَطيرَهْ |
يُرِيدُ أن يَقُصَّها عَلَيْكا |
ويَفْهَمَ المَغْزَى الّذي لَدَيْكا |
اِنْصَرَفَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ الأَعْمَى |
بِسَمْعِهِ إلى الرَّسُولِ الأَسْمَى |
أراد أن يَفْهَمَ مِنْهُ القَوْلا |
وما تراءى أن يكون الهَوْلا |
وكان ذا عِلْمٍ عن الأَمِينِ |
قد ارتَقَى لِمُسْتَوى اليقِينِ |
بأنّهُ خيْرُ قُرَيْشٍ حَسَبا |
وخَيْرُهُمْ أَمانةً ونَسَبا |
وخَيْرُ مَنْ يَنْطِقُ قَوْلَ الفَصْلِ |
فليس ما يَقُولُهُ بالهَزْلِ
(7)
|
تَدَبَّرَ الشَّيْخُ الوَقُورُ الأَمْرا |
وكَبَّه وَجْهاً وأُخْرى ظَهْرا |
وقال للأَمِينِ في سُرورِ |
وفي سَكِينَةٍ وفي حُبورِ
(8)
|
إنّ الّذي لاقَيْتَ في حِراءِ |
ذاكَ أمينُ اللَّه في السّماءِ |
مِنْ قَبْلُ قد كان رآه مُوسى |
وبَعْدَه كان رآهُ عيسى |
أَبْشِرْ فأنت المصطفى المُخْتارُ |
واصْبِر فَمَنْ في أَرْضِنا كُفّارُ |
عمّا قَرِيبٍ أنت سوف تُهْجَرُ |
وكلُّ مَعْروفٍ لديك يُنْكَرُ |
وسوف يُقْصيكَ من الدِّيارِ |
كلُ عُتُلٍّ مُعْتَدٍ جَبّارِ
(9)
|
في لهجةِ الْمُنْكِرِ للعِداءِ |
رَغْمَ عَظِيمِ البَذْلِ والسَّخاءِ |
قال الأَمِينُ مُكبِراً لِلدّاءِ |
أَمُخْرِجي مِنْ بَلْدَتي أعدائي! |
أَجَابهُ الشَّيْخُ الكبيرُ الفَهْمِ |
لِمَا حَوَتْ أَسْفارهُ مِنْ عِلْم |
بأنّ إِخْراجَ النَّبِيِّ الهادي |
سُنّةُ ربِّ الكَوْنِ والعِباد |
المُرْسَلونَ المُصْطَفَوْنَ البَرَرَهْ |
يَخْتَصُّهُمْ بالسُّوءِ كُلُّ الكَفَرَهْ |
لو أنّ ربّ العَرَش شاءَ غَيْرَهُ |
إذن أعادَ لِلْكَفُورِ شَرَّهُ |
أو صَرَفَ الشَّرَّ إلى الأَشْرارِ |
وَكُلَّ إيذاءِ إلى الفُجّارِ |
لكنّهُ شاءَ لأَنْ يُطَهِّرا |
قُلُوبَهُمْ وأَجْرَهُمْ يُكَثّرا |
عاد الأمينُ مَعَهُ الأَمِينَهْ |
بالدُّرَّةِ الغالِيَةِ الثّمينهْ |
قد صَحَّ رَأْيُ الزّوْجَةِ الوَفِيَّهْ |
وما تراءى أَنَّهُ أُمْنِيَّهْ |
محمّدٌ خَيْرُ الوَرَى سَجِيّهْ |
وأَطْيَبُ النّاسِ الكِرامِ نِيَّهْ
(10)
|
قد أَكْرمَ اللَّهُ به الأَناما |
فكان دِينُ المصطفى الإِسْلاما
(11)
|