شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور إبراهيم عبد الله غلوم))
سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه..
أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في البداية أتوجه بالشكر العميق لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على هذا الإسهام الكبير الذي يقدمه للمفكرين والكتاب والمثقفين وأصحاب العطاءات في ميادين مختلفة، وأثمن هذا المجهود المتواصل الذي لم ينقطع على مدى ثلاثة عقود من الزمن. وأثمن دور رواد هذه الاثنينية ومحبي هذا الشيخ والذين يقفون معه في مواصلة هذا الدرب الهام والحيوي.
وأشكر إخواني الذين تحدثوا في كلماتهم الجميلة والتي عانقت الكثير مما يتصل بمفاصل وأطوار أو أدوار التجربة التي قدمتها على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. هذه الكلمات كانت مؤثرة جداً بالنسبة لي، كما أنها أمسكت بكثير من الأمور ذات الحساسية الدقيقة في ما كتبت وما فكرت، وأنا سعيد وفخور بهذا الشيء، وأعتز بهذا التكريم الذي يقدمه هذا الشيخ الكبير في اهتمامه بالثقافة العربية.
اليوم أيها الأخوة والأخوات، أنا في أول الأطوار التي أمر بها وهو أن أتحدث عن نفسي، ولا أزكي نفسي، لقد دأبت طوال سنوات طويلة في كل ما كتبت أن أتحدث عن الآخرين في نفسي، وأن أحاول أن أستجلي الصور المتعاكسة بيني وبين الآخرين. أعترف في البدء أني لم أكن موضوعياً بالقدر الكافي وأن هذه الموضوعية التي توهمت يوماً من الأيام أنها سهلة ويسيرة مع الجهد ومع العقل ومع التجربة ومع البحث. توهمت أن هذه الموضوعية يمكن أن تعينني على أن أجتاز عالم الأنانية وعالم الشتات، ولكنني اكتشفت في أحد الأيام عندما كان يتحدث عني-في سياق أحد المؤتمرات- الراحل الطيب صالح، كان يقول لي كلمة لعلي قد استوعبتها بكثير من الدقة فيما بعد. كان يقول لي: إنك تقتل نفسك من شدة الحذر على هذه الموضوعية وعلى هذه النزاهة. وفي الحقيقة كانت هذه الكلمة موجودة في داخلي ولكنني كنت متعامٍ عنها.
اليوم وأنا أحاول أن أتجاوب مع هذا الموقف الجميل والمؤثر، أجد نفسي مضطراً فقط لا غير لأن أتحدث عن أربع أو خمس سياقات أو محطات أو مفاصل من تجربة لا أستطيع أن أتحدث عنها بشيء من النزاهة، ولا أستطيع أن أحيط بها، وأنا في الحقيقة، وهذا ما ذكرته في آخر كتاب لم يصدر بعد إنه بصدد الطباعة الآن. دائماً كنت أنتهي من كتاب بسؤال نحو كتاب آخر. وهذا هو فعل المعرفة، هكذا شأن الحقل الذي ابتلينا به وهو العلوم الإنسانية. في السياق الأول، أو المفصل الأول الهوية، التي سكنتني وانطلقت من مدينة صغيرة جداً ولكنها جعلتني أعيش أقصى ما تصل إليه أعماق الجزيرة العربية. ولقد كنت حريصاً منذ وقت مبكر جداً منذ أعوام 1972-73-74 كنت أستخدم الجزيرة العربية وأستخدم الخليج العربي، وكأني أؤكد دوماً على أنني محاط بهذا النسق ولا أستطيع الفكاك منه، ولا أبرئ نفسي منه.
في البدايات المبكرة جدًّا التي شغفت أو بدأت من خلالها أولى التصورات حول مسألة الهوية مشروع كتاب لم يصدر ولكنه نشر في مجلة أدبية في حوالي خمس مقالات مطولة وعنوانه "الحياة الأدبية في قلب الجزيرة العربية". كنت حينها أسأل نفسي عن فترة معتمة جدًّا من تاريخ الجزيرة العربية تمتد طوال قرون منذ انهيار الدولة العباسية وحتى العصر الحديث. فترة مظلمة ومعتمة حقيقة. ومنذ هذه اللحظة بدأ عندي الشغف لمسألة دقيقة جدًّا ربما لامسها أخي وصديقي قاسم منذ قليل. ولامسها الأخ الدكتور عبد المحسن القحطاني وكذلك الشيخ عبد المقصود خوجه. مرحلة معتمة لم يبحثها أحد ولم يتجرأ الكثيرون على بحثها، وأنا لا زلت في بداية العهد ولكنها كانت تشكل حاجزاً ذاتياً لا أعلم كيف ظهر في هذه الدراسة. نشرت في مجلة البيان التي كانت تصدرها رابطة الأدباء الكويتيين في عام 1974 وكان من الأمور التي وقفت عندها هذه الدراسة مسائل مهمة جدًّا تبلورت فيما بعد عبر النسق الثقافي والاجتماعي الذي تمحورت حوله العديد من الدراسات الفكرية والنقدية التي قدمتها.
كانت هذه الفترة قليلة المراجع فذهبت إلى المراجع التقليدية وأمسكت ببيوت العلم الأسر الممتدة بين ضفتي الجزيرة العربية، شرقي الجزيرة وغربها. الأسر المشهورة التي ارتبطت بالعلم المرشدي والطبري والعصامي وآل شيخان وآل غنام وآل مبارك وآل عبد القادر وقبائل في عمان وغيرها من التجمعات التي كانت تشكل الحلقة الغائبة في النسق الثقافي للثقافة العربية في هذه المنطقة.
في هذا السياق أيضاً اكتشفت مسألة خطيرة ودقيقة جداً ولا تزال في الحقيقة غائبة عن البحث وهي قضية الهجرات: هجرات القبائل والتجمعات العربية في هذه الجزيرة وأذكر أن هذا الموضوع كاد يدفع بي لأن أتخصص في علم الاجتماع أو الأنثربولوجيا. وكانت لدي تصورات عن وجود هجرات عمودية وهجرات معاكسة أو مناكصة أو هجرات أفقية أو هجرات داخلية، وهجرات متعددة أخرى، تولد منها أحد اهتماماتي الحميمة جداً وهو هجرة الهلاليين من قلب الجزيرة العربية إلى أفريقيا. ثم هجرات كثيرة جداً ومن ضمنها التكونات المبكرة لمجتمعنا في الخليج العربي وأنتم تعلمون التفاصيل التاريخية.
لكن من الأشياء التي وعيت عليها مبكراً، وقد يكون هذا غريباً بعض الشيء، هو أنني وقعت على سياقات شعرية في هذه الفترة التي وصفتها بأنها معتمة. لا أدري ربما لم يقف معها أحد وخصوصاً في شرق الجزيرة العربية ومنطقة الحجاز، وأذكر في هذا السياق لا أدري إن كان أحد قد بحث في ذلك فيما بعد. أذكر شاعراً -اعتقدت ولا زلت- شاعراً اسمه إبراهيم بن يوصف المهتار المكي. وقفت مع هذا الشاعر بشكل لا أعرف كيف حدث هذا الشيء، لكني اتخذت منه صوتاً يواجه هذه المرحلة التي حاولت أن أدرسها وهو شاعر وصفه معاصروه بأنه شاعر مجون وشاعر عبث، وهاجمه معاصروه واصفين إياه بصفات سيئة جداً. خصوصاً عندما كتب قصيدة صور فيها سقوط الكعبة وتعرضها لنوع من السيول التي جرفت أحجارها. أذكر بعض الأبيات منها:
إنا إلى الله من دنيا منغصة
أيامها مستردات لما وهبت
فأي عين على ما كان ما انسكبت
وأي روح لما قد صار ما وصبت
لهفي على كعبة الله التي افترقت
أحجارها بعد ما في حبها اصطحبت
لهفي على تلكم الأركان كيف هوت
وكيف أوهت حصاة القلب إذ قلبت
لهفي على تلكم الأستار كيف غدت
أيدي سبا وبوحل السحب قد سحبت
واجهها معاصروها بأوصاف مقذعة جداً. والشاعر كان يكتبها بحس الشاعر الشاهد على عصره. لا أعرف إن كان أحد قد التفت إلى هذا الشاعر أو إلى هذه القصيدة، ولكنها حتى اليوم أعتبرها نادرة من نوادر القرن السابع عشر الميلادي. هذه كانت محطة مهمة بدأت بها وهي مبكرة جدًّا، وربما لا يعلم بها كثيرون إلاَّ الأصدقاء المبكرون عندما نشرت، لكنها أطلقت الكثير من التفاصيل المتجردة في تجربتي. وخصوصاً فيما يتصل بالمفصل الخاص بالنسق الثقافي والاجتماعي الذي بنيت من خلاله تجربة فكرية ونقدية طويلة ومجهدة ومضنية جدًّا ومتعبة، لدرجة أنني في أحد الكتب وهو كتاب أشار إليه أخي قاسم منذ قليل بكثير من الحب وأنا أيضاً أنوي على حب لهذا الكتاب، لأنه ظلم كثيراً، فطبع طباعة رديئة جداً، جعلت كثيرين يستبيحونه وكأنه لمؤلف مجهول. وعندما وقعت الطبعة الأولى منه في يدي لم أستطع أن أقرأ سطراً واحداً من فرط رداءة طباعة الكتاب، فتركته، ومضى عليه عشرون عاماً. ثم كنت في فترة من فترات المرض التي مررت بها فقرأت الكتاب.
وأذكر أنني حينها تأثرت كثيراً من قراءة الكتاب لأنني فرطت فيه، وأهملته، ولم ألتفت إليه. وأحسست بأن فريقاً قد كتبه لم يكتبه شخص واحد. ولم يكن هذا الشعور غريباً لأني منذ فترة مبكرة اعتركت مع أصدقاء في سياق الحركة الأدبية الجديدة في البحرين. ومعي الصديقان قاسم حداد وأحمد مناعي وهما رمزان من رموز الحركة الأدبية ومؤسسان من أهم المؤسسين الذين وضعوا أرواحهم في هذه الحركة، وعملت معهم في هذه التجربة بشكل مبكر ولم أنقطع حتى هذه اللحظة.
حين وضعت هذا الكتاب كنت أعيش وأشعر بأني حينما أكتب وكأن هؤلاء الأصدقاء يكتبون. ربما أسرفت في هذه المعايشة في بعض الأحيان إلى درجة لم أعرف كيف أميز نفسي في هذه النفوس الكثيرة. ثم امتدت هذه التجربة التي حاولت أن أقبض فيها على هذا النسق الصعب المستعصي النسق الثقافي والاجتماعي داخل النص نفسه وهو أصعب من البحث عنه في المجتمع أو في الواقع.
عندما ظهرت أطروحات النقد الثقافي في السنوات الأخيرة، كثيرون تحدثوا عن العلماء الثقافي وعن العلماء من خلال النص، وهذا كله في الحقيقة أوهام، إذ لا زلت أعتقد أن نسيج النص الإبداعي منفلت في سلسلة لا حصر لها من النصوص والتجارب. تكمن فيها أنساق لا بد من مواجهتها، ففيها تكمن أكبر وأخطر وأدق وأشرس ما ينتجه العقل البشري من أنانية ومن جوانية ومن ذاتية ومن انغلاق.
في هذا السياق كتبت سوسيولوجيا التجربة المسرحية في الخليج. وهو الكتاب الذي تأطرت من خلاله دراسة أعتقد أني أحتسبها عامة ودراسة أنجزت جانباً حياً وأضاف للجهود النقدية التي حاولت أن تقيم صلة بنيوية بين النسق الثقافي وبين النص الإبداعي.
وتوالت بعد ذلك التجارب الكثيرة "تكوين الممثل"، و "الثقافة وإنتاج الديمقراطية"، و "الخاصية المنفردة في الخطاب المسرحي"، كتابات كثيرة توغلت كثيراً في بحث هذا النسق. ولا زلت لم أفرغ تماماً، في آخر ما كتبت كنت أشعر بأن هذه النصوص التي واجهتها، هذه التجارب، مفخخة بشرك النسق الثقافي والاجتماعي. وهناك نصوص كثيرة جداً توهمنا في أيام سالفة بأنها تشكل إنجازات كبيرة ولكن عندما توغلت في دراستها اكتشفت إلى أي مدى هي متوغلة في نسقيتها.
فإذا من الهوية إلى النسق الثقافي الاجتماعي ثم إلى العقل الناقد الوعي ونقد الوعي وهذه في الحقيقة محطة شائكة جدًّا، وأعتقد أنها أهم ما يكون ما أكتب وهو أن أواجه نفسي بوعي أستخلصه من ذات التجربة نفسها.
وبدأ هذا السياق أو هذا المفصل مبكراً بالنسبة لي فتطاولت تجارب الناقد إبراهيم العريض هذا العملاق الكبير، وروّاد الأدب في الخليج العربي ولم يكن فقط روادنا في منطقة الخليج، وحتى في الجزيرة العربية وحتى في البلاد العربية. الأفق العربي كان مفتوحاً لي في هذا السياق، لكن أعترف حقيقة أن هذا الوعي أعني الوعي ونقد الوعي هذه مسألة تشكل، حقيقة ما أفكر فيه وما أعقله.
وأذكر في هذا السياق مثلاً كتاب القصة القصيرة الذي درست فيه تجارب قصاصين كثيرين، وبعد حوالي سبع أو ثمان سنوات عدت إلى هؤلاء القصاصين مرة ثانية فكتبت عنهم، ووجدت في نفسي وكأني أكتب عن أشخاص آخرين، أنقد كل ما كتبت من قبل وأنقد كل ما فكرت فيه من قبل، وأكتب بروح جديدة. من أجمل ما عشت في سياق هذه التجربة هو أنني اكتشفت المفصل الرابع وهو أن هذه التجارب التي أواجهها، وأنقد وعيها وأقيم وعياً آخر، ينقد وعيي بها مرة أخرى، هذه التجارب ليست منفصلة عن بعضها إنما هي نسيج، عالم متداخل، ولذلك ولوهلة سريعة بدت أوهام كثيرة تسقط. الوهم من الممكن أنني أستطيع أن أقرأ قصة قصيرة لوحدها. لم تعد القصة القصيرة قصة قصيرة. لم يعد كاتب القصة القصيرة، كاتب قصة قصيرة. لم تعد الرواية الواحدة رواية واحدة، أصبحت روايات وأصبحت القصة القصيرة تتابع سردي لا ينقطع. وأصبحت القصيدة قصائد لا تتوقف أبداً.
ولذلك أنا اليوم أستمتع بشكل لا مثيل له وأنا أقرأ قاسم حداد منذ البشارة وحتى آخر ما يكتب. وكأني أقرأ قصيدة واحدة، وأتعامل مع نص واحد لا تنفصل مفردات هذا الشاعر منذ تلك الأيام منذ الستينيات حتى هذه اللحظات. ولم يعط ذلك إطلاقاً أي إحساس بأني أمام خلل أو مشكلة. هي شكوك لكن ذلك لم يكن يشكل خللاً أو مشكلة في هذه النصوص الإبداعية. على العكس اكتشفت أنها ترتفع أمامي أكثر وتسمو، تتنزه كلما وجدت النصوص في حالة غرق مطلق بين بعضها البعض زدت شغفاً بها. ولذلك كتبت عن الرواية في القصة القصيرة، واعتقدت حتى هذه اللحظة أن هناك مسرحيين يكتبون العشرات من النصوص وكأنهم يكتبون نصاً واحداً. أو كأن هذه النصوص الكثيرة التي امتدت على مدى عشرين عاماً وكأنها نص واحد بالفعل.
من يستطيع أن يجزم بأن صلاح عبد الصبور كان يكتب نصوصاً متفرقة. منذ "مأساة الحلاج" و "الأميرة تنتظر" و "بعد أن يموت الملك" و "ليلى والمجنون". لا أحد يستطيع أن يقطع بأن هذه النصوص متفرقة على الإطلاق، فهي نص واحد. إنها نسيج واحد، وكذلك الأمر بالنسبة لتجارب عز الدين المدني وسعد الله ونوس وألفريد فرج كتاب كثيرون حتى في الجزيرة العربية كما درست، كثير من الأسماء، حتى كتاب من الذين ظهروا في السنوات الأخيرة في المملكة العربية السعودية هنا. أتابع تجاربهم وأكتشف لذة شديدة بأنني أقرأ نصوصهم المتفرقة وكأنها نص واحد. وكأنها نسيج واحد، تداخل غريب، وتداخل لذيذ، ويثير الشغف ويجعل المتأمل في عمق التجربة على هذا النحو مجالاً لأن يمرن أو يصقل وعيه عندما ينقد وعيه. شكه عندما يضع سلسلة من المسلمات السابقة كلها وكأنها بمثابة وهم ما أجمل ذلك -ما ألذ ذلك- على هذا النحو، حتى عندما أسست مشروع بواكير، أو بحوث وتجارب كانت هناك مسألة دقيقة وخطيرة شغلتني بالفعل، شغلتني منذ أن كتبت عن الحياة الأدبية في قلب الجزيرة العربية. لماذا هذه الفجوات الكبيرة في ثقافتنا العربية؟ لماذا هذه القطيعة التي نكتشفها بسهولة في سياقات تاريخية مختلفة؟ شغلتني فكرة ردم الفجوات وشغلتني فكرة الأجيال المتقطعة التي يفتك بعضها ببعض بشكل لا هوادة فيه. ويذكر معي الصديقان الحميمان قاسم حداد وأحمد المناعي، فعاشا المرحلة الأولى من تأسيس الحركة الأدبية الجديدة في البحرين. منذ عام 1965 ومنذ الكتابات الأولى والمبكرة لقاسم حداد. ولأحمد المناعي ولجابر الأنصاري، وعبد الله خليفة، منذ تلك الكتابات الأولى وما واجهته الحركة الأدبية من حرب قوية وشرسة مع التركة التي كانت تحيط بهذه الحركة الطليعية الجديدة. ولذلك عندما جاء كتاب "المسافة وإنتاج الوعي النقدي، أحمد المناعي والوعي بالحركة الأدبية الجديدة"، جاء بالفعل ليستكشف أهم عصب في هذه الحركة الأدبية الجديدة، وهو العقل الناقد، العقل الذي أسس لشيء وأعتقد أنه، يمثل جوهرة الحركة الشعرية في هذه الجزيرة الصغيرة والتي انطلقت فيما بعد والتي أثرت حتى على الحركة الشعرية الجديدة في البلاد المجاورة في المملكة العربية السعودية في عمان والكويت، في الإمارات العربية وقطر وغيرها. هذا العقل هو الذي أشرت إليه منذ قليل وهو الوعي بالعقل الناقد، ولا زلت أعتقد أن تجارب الشعر القوية الصلبة والتي امتدت على أربعة عقود وقمتها في تجربة قاسم حداد في الحركة الأدبية في البحرين، أعتقد -ما زلت حتى هذه اللحظة- أن السر الأكبر والأدق والأجمل فيها هو في وعيها الداخلي بأهمية نقد وعيها، وهذا واحد من أهم ما رسخته وأصلته الحركة الأدبية الجديدة في البحرين. شاعر مثل قاسم حداد ما يزال حتى هذه اللحظة من أكثر الناس قلقاً حتى هذه اللحظة، مع مشواره الطويل وتجربته العريضة حتى هذه اللحظة، يشكك في كل مفردة يقولها وفي كل صورة وفي كل صوت وفي كل هسهسة من هسهسات القصيدة. ولا أريد أن أتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع ولكن أنا أعرضه لأني وليد هذه التجربة وعشنا سوية في هذا الخضم. قد أكون أسرفت في الإطالة قليلاً ولكن المفاصل والسياقات التي أود أن أتحدث فيها طويلة وتحتاج إلى وقت طويل، ولا زالت في مخيلتي وفي وعيي، وفي أوهامي وفي شكوكي، لا زالت هناك أشياء كثيرة جداً في مشروع بواكير. هناك كتب حضرت تقريباً 90% منها تحتاج إلى لمسات أخيرة حتى تخرج في دراساتي الثقافية عن التراث، وعن الرواد وعن الثقافة العربية وخاصة في المعتقدات والتراث الشعبي والمثولوجيا. تحتاج إلى من يعينني على أن أدون كماً كبيراً من المدونات الشفوية التي وضعتها على مدى سنين طويلة وتملأ صناديق أتمنى من الله أن تكون لدي فرصة لأن أواصل هذا المجهود وقبل أن أختم أشكر مرة أخرى سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على هذه الفرصة الطيبة، وأشكر إخواني الذين تحدثوا، وأشكركم جميعاً، والسلام عليكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :623  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج