شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ قينان الغامدي))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الخلق نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد، فنحمد الله تعالى على أن وفّق مؤسس هذه الاثنينية، على أن تعالى على جراحه، وأن تسامى على أحزانه، وعاد الوهج مرة أخرى إلى هذا المنبر الثقافي الرائع الذي مضى عليه نحو ثلاثة عقود وهو يبث الضوء في فضائنا كل أسبوع، ثم لا بد أن أشكر الشيخ عبد المقصود خوجه على افتتاحه لهذا الموسم بهذا اللقاء الطيب المبارك مع شيخنا عبد الله بن منيع، وإتاحة الفرصة لنا، لنتحدث معه وعنه، ولنسمع منه، ثم الشكر أيضاً للشيخ عبد المقصود لأنه أتاح لي هذه الفرصة في هذه الليلة لأتحدث شخصياً عن الشيخ ومعه.
أيها الإخوة إنني أحترم فكر الشيخ عبد الله بن منيع كله، وأقدره حق قدره، وإن اختلفت معه في بعضه، فإنه اختلاف التلميذ مع أستاذه والابن مع أبيه، ثم إنني حين أتحدث معه وعنه الآن، فإنني أتحدث عن النخلة في تربتها وبيئتها، ولا أخص جناها بالاتفاق أو الاختلاف دون النظر إلى البستان كله. فالإنسان يبني البيت، تلك حقيقة بسيطة، ولكن علينا أن نعي أن البيت نفسه يبني الإنسان. ومثل ذلك فإن الإنسان هو نواة المجتمع، تلك بديهية سهلة. لكن علينا أن نعي أن المجتمع هو الذي يبني الإنسان في النهاية.
يقول الروائي الياباني، هيساسي أنيووي: تدور في اليابان مناقشات حول قضية الأرز، وحين يناقش الناس هذه المشكلة فإنهم يناقشون أسعار حبوب الأرز فقط ويتناسون نبات الأرز نفسه.. هؤلاء يتكلمون عن الحبوب التي ظهرت على الحافة العليا لنبات الأرز وأنا لا أريد أن يتحدث الناس عن ريف اليابان بهذه النظرة الضيقة أي عبر حبوب الأرز فقط، إذ يوجد نبات الأرز تحت حبوب الأرز وتحت النبات يوجد حقل الأرز الذي يوجد بدوره في منطقة توجد فيها نظافة، وتوجد أشياء كثيرة.
إذن لا بد أن نتابع الجزء في علاقته مع محيطه واتصاله بهذا المحيط فلا يجوز أن نقتطع الجزء من سياقه ونعتمد على الأفكار الجاهزة للوصول إلى استنتاج حاسم، فالأفكار الجاهزة تخرب البحث وتخرب الفهم، وتحول دون الحوار وتقطع وشائج الصلة بين العقول والقلوب.
واستناداً إلى هذا المفهوم وانطلاقاً منه، أستطيع أن أقرر أن الشيخ ابن منيع واحد من الروّاد في فنه الذين على الرغم من كون المجتمع بناهم كما يشاء، إلاّ أن تأملهم وبصيرتهم ووعيهم حولتهم إلى روّاد وقادة ومفكرين، يؤثرون في مجتمعهم ويحاولون توعيته بما يرونه الأفضل. مع فارق السن والمقام، ومع تباين المكان والمكانة، ومع اختلاف النتائج وغزارة المعرفة وسعة العلم التي تسجل كلها لصالح شيخنا الجليل، فإن بيني وبين الشيخ ابن منيع تشابهاً في المقدمات وبعض الممارسات انطلاقاً من طلاب المعهد العلمي، وكلانا -مع اختلاف التخصص- من خريجي جامعة الإمام محمد بن سعود، وكلانا عمل معلماً قبل أن ينتقل إلى ميدان آخر، وكلانا -مع اختلاف النسبة- يؤيد تقديم العقل في ما نستحق التقديم فيه، وكلانا كتبنا في صحيفة "الوطن" حيث كان الوحيد في مقامه من تجاسر وكتب فيها أسبوعياً أولاً ثم شبه يومي، غير مكترث بما تعرض له من سهام.
إنني لا أعرف -لسوء حظي- الشيخ ابن منيع معرفة شخصية، ولا أتذكر أنني التقيته أكثر من لقاءات عابرة مرتين أو ثلاثاً في مناسبات مختلفة، ولم أتصل به إلاّ مرة واحدة منذ ثلاث سنوات تقريباً عندما كتب أحدهم يهاجمني في مسألة اعتماد الحسابات الفلكية لتقرير رؤية الأهلّة، وكان اسمه مطابقاً لاسم الشيخ، فحدثت الشيخ الفاضل ابن منيع وكان في الحرم المكي فتبين أنه تشابه أسماء وأن الشيخ لم يغير موقفه، لكنني أزعم أنني أعرف فكر الشيخ وأعرف كثيراً من مواقفه، واجتهاداته، وتحولاته، وتطور فتاواه، واتساع دائرة نظره الفقهي. فمنذ "حوار مع المالكي".. ومروراً بالحساب الفلكي وتطوراته وتداعياته، وبحوث الاقتصاد الإسلامي والنضال في سبيل البنوك الإسلامية، وحتى إجازة التأمين كله في موقف مختلف مع المجامع الفقهية، وإلى "إجازة نزع الأجهزة من المتوفى دماغياً"، مسافة زمنية وفكرية طويلة متشعبة ومتطورة ومتغيرة، ولكي أقدم أنموذجاً لنجاحات الشيخ، وثمار إصراره وقوة شخصيته وحجته، سواءً اتفقنا معه أو اختلفنا، فلا بد أن أقرر أنني حتى هذه اللحظة لم أستوعب الفرق بين ما يسمى الاقتصاد الإسلامي وبين الاقتصاد العام، أو بصورة أدق بين المعاملات الإسلامية في البنوك، والمعاملات العادية التي يعتبرها البعض ربوية، باستثناء معرفتي بزيادة نسبة الفائدة في المعاملات الإسلامية التي تأتي تحت مسميات مختلفة -مسميات لا أكثر- وأقول ذلك من تجربة شخصية طويلة مع البنوك المحلية، حيث إنني ممن بنوا حياتهم على القروض التي مكنتني من الوصول إلى التحقق بدقة من هذا الفرق الذي ذكرته عن الفائدة.
وعلى الرغم من هذا فإنه يحمد للشيخ ابن منيع أنه أول من طرح فكرة التعاملات الإسلامية في البنوك السعودية وناضل عنها ودافع حتى تكونت هيئات شرعية في البنوك وحتى تحول أحد البنوك بالكامل إلى هذا النوع من الصيرفة وتحول كثير من نشاطات وفروع بنوك أخرى إليها، حيث لم يأبه الشيخ بالمعترضين ولا بالمختلفين، واستمر يؤصل لفكرته حتى أصبحت واقعاً ملموساً، ولا شك في أن الشيخ من واقع اتساع نظرته الفقهية أراد أن يقدم حلاًّ عملياً للبنوك بدلاً من الاكتفاء بشجبها، أو المشاركة في الحرب عليها، وتشديد النكير على المتعاملين معها، ففتح آفاقاً بين عملائها، بل ومهد الطريق أمام فقهاء كثيرين كانوا يشددون النكير على البنوك فأصبحوا أعضاء في هيئاتها الشرعية.
ولا أظنني في حاجة إلى استعراض جهود الشيخ ومواقفه المعروفة التي تدل على اتساع دائرة نظرته الفقهية القائمة على وعيه العميق بتطورات ومنجزات العصر، وضرورة الاجتهاد الفقهي بالصورة التي تكرّس حقيقة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ففتاوى الشيخ ومواقفه تتطور وتتغير وفقاً لهذا المفهوم الذي يحرص فيه على تكريس أن الإسلام دين يسر، مع لازمة يكررها الشيخ دائماً حيث يقول: "لا أدعي العصمة لنفسي" فأنا ممن يشملهم قوله تعالى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء: 85)، وقد أعطاه الله علماً ضخماً، وتواضعاً جمًّا، وسعة صدر، متّعه الله بالصحة والعافية ونفّعنا بعلمه، واتساع أفقه، وعصرية فقهه، والسلام عليكم ورحمة الله.
عريف الحفل: شكراً للأستاذ قينان الغامدي، الصحفي والكاتب المعروف.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :999  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج