غمزة حجازية |
أخي محمد عمر |
كان عليّ أن أشخر عندما فرغت من رسالتك.. فقد كان تاريخها 28/2/ ووصلت 9/4.. أي في نهاية المدة التي أعطيتها موعداً لبقائك بالشام. |
ولعلّك الآن في مصر.. فهذه الرسالة ستأتيك فيها.. عن طريق الجزار وستكون إن شاء الله "معدول" المزاج.. فقد احتضنت في هذه الرحلة من الزمن العريض ما لم يتهيأ لك في سابق رحلاتك كلها.. زادك الله خبرة بالحياة وما فيها.. وضاعف لك من أسباب العلم بها وبه، ما يعود بك تاريخاً حافلاً بما يشرق ويضيء.. ويملأ.. ويحرك.. ويثير.. ويدفع النفس إلى أوسع آفاقها. |
أشكر لك زيارتك لبناتي.. أو لبناتك.. وتسجيلك على نفسك أنك عمَّهن.. وأنت إن شاء الله العوض الصالح لي ولهن عما فاتهن. |
ومونتانيا.. كما عرفته وعرفته، خليق منك بهذا الحماس في الحديث عنه، والإعلان له.. فهو صورة من صور لبنان الرائعة.. وحسبك أنك لا تكاد تجد له مثيلاً في مصر من ناحيتين:.. ما فيه.. وما يرد إليه.. وعهدي به هكذا في الصيف -فكيف كان هكذا في الشتاء؟ إنه سحر مضاعف.. |
متى تعود.. فإن الشوق إليك قد فاض.. وإلى ما يسر من أبنائك في هذه الرحلة التي كنت أود أن أكون رفيقك فيها -وليت خطابك تضمّن دفعة على الحساب عن تركيا.. ففي نفسي إليها نزوع قوي.. |
أحوالنا هنا حسنة.. والشتاء كأحسن وأقوى ما مرَّ بالحجاز.. بل قَلَّ أن شدته كانت شيئاً جديداً على الحجاز فما تزال الحرارة في انخفاض حتى بلغت للآن 18o س. وما تزال في الانحدار.. |
إذا شئت أن تعرف عن المشكلة.. فاتصل بالأخ محمد عمر رفيع فهو الواسطة.. والمشرف.. والصديق.. والعارف بالمشكلة أساساً.. وانتهاء. |
وعسى أن لا تعود إلاّ وقد تهيأ لك أن تعرف منه ومن الأخ أحمد عشماوي أن سبب المشكلة أنه يريد المزيد.. مما تؤدي إليه المساومة.. والشطارة.. ولو على حساب استغلال محنة المرض وتقدم السن.. وتراخي القدرة على العمل.. ويسرني أن أكون واهماً في هذا.. |
وأنها غرائب الحياة في الحي ومنه، لا تفنى ولا تزول -حتى يفنى ويزول.. |
أو إذا آثرت الراحة.. والارتخاء.. فما لك ولهذا.. ولعلّه أبقى لمسرَّة قلبك ونفسك أن لا تلج هذه المداخل التي يضيق مجال الخطو فيها على العقلاء والمخلصين.. ومن يقدرون الحياة تقديراً صحيحاً.. |
لماذا وقف نشاطك في الكتابة إلى "البلاد السعودية"؟. وقد قرأت أمس لأستاذ أظنه "مصرياً" من المدرسين يهاجم ملاحظاتك التي أوردتها على المطار.. وجمركه.. وإجراءاته.. |
وأحسب أنك ستجد من الطريف أن تهتم به -وأن تغمز له بعينيك.. أو بإحداهما، غمزة "حجازية" التأثير.. فقد استعدى عليك الشعور القائم الآن بين الممالك العربية.. التي صار أسلوبها في التقارب.. اندماجاً في عمليات الغزل.. الرفيع!. |
لقد أوجد ابتعادك فراغاً كبيراً.. يحس، في جو عملك.. وفي جو الحياة العامة.. وفي نفسي.. ولم أكن أعرف أنك انقلبت جزءاً هاماً.. كبيراً.. من البلد وفيها، إلاّ بعد أن امتد غيابك.. |
وتحدثت عنك إلى القادمين.. سائلاً.. ومتشوقاً إلى أخبارك.. فعرفت أنك أصبحت من كبار المغامرين جرأة.. على المجهول.. والشاق.. والبعيد.. وهذه ظواهر الشباب في بدايته.. وظواهرها في نهايته.. وما أحسبك في البداية منه، حتى لا تستبقي بعض ما يدّخر من نشاطه.. وشهيته.. واندفاعاته.. وما يزال النهل.. والريث.. وتثقيل الخطوة.. واستبقاء الغايات.. سياسة الرشد ممن أوفى به سعيه على مشارف الشيخوخة.. أو الكهولة.. إن كنت ترى أن هناك فرقاً بينهما.. وما هو إلاّ أول الخط.. بالنسبة لآخره.. |
وأقول بعد: إنني بحاجة إلى أن أراك وأسمعك.. وما أجد ما يصور جملة مشاعري نحوك إلاّ كلمة "أوحشتني!". |
وأين عمر؟.. وأين حسن؟.. ألاّ يزال أسير المستشفيات؟ أم انطلق منها ليمارس نشاطاً ينتهي به إليها؟.. |
سمعت أن عمر هزازي يعمل الآن في شركة أتوبيس النقل لمصر الجديدة.. مع العشماوي وعبد الرؤوف صبان، موظفاً بـ 125 جنيهاً مصرياً.. فإذا كان هذا صحيحاً، فلماذا لا يحاول الأخ عمر إلياس.. أن يرشح نفسه للعمل بها؟ ليتمكّن من البقاء بمصر.. وهذه أمنيته.. وأنت في هذا يمكن أن تفيده.. |
شكراً.. وإلى اللقاء أيها الصديق، |
|
|
|