شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أختنق بدمعي
أخي محمد عمر
لم أر زيدان حتى اليوم، وإنما جاءتني رسالتك إما معه أو مع رسول منه. وعرفت اليوم فقط من صهره ناصف أنه ما يزال بالقاهرة.. ولم يكن بوسعي أن أخجل من شيء تحملني عليه حالتي النفسية والجسدية، والتفصيل أسخف وأغثى من أن أركبك به بعد هذا الصمت المطبق..
إنه واقع لا يسهل تصويره مع انتفاء الجدوى لك ولي من عرضه في رسالة أحس أني أنتزع كل كلمة فيها من بئر بعيدة الغور حتى لكأنها من الفضاء الذي يلي الأرض من تحتها أو من تحتي فقد أصبح ما تحتي، ذلك الفضاء المتخيّل ذاته.. حقاً، لا شبهة فيه.
ولست بهذا في شيء، غير ما فيه الناس.. كل الناس، ولكنها تهاويل النفس المريضة وزحمة الحس بواردات التحريض، والإثارة، لهذا الذي لا بد لي من اعتباره مرضاً، وإلاّ فما هو، أكاذباً كان أو صادقاً، وواقعاً أو وهماً؟
ومن سلامة الذوق أن أعفيك من بقية الرحلة فأنت بحاجة إلى ما يُسرّي عنك لا إلى ما يُغثيك ولا شك أنك موثق الظهر، أو مقلد العنق، بما فيه الكفاية من نقائض حياتك ومفارقاتها.. وتواتر أحداث الصراع فيها ومنها وحولها ومن فوقها.. ومن تحتها، وهكذا تنزلق مرة أخرى إلى تحت.. كأنه دون أي اتجاه، مركز الثقل، فمن الخير أن نمسك، وندع الأمر كله لله. وللطفه ورحمته وحكمته..
نعم يا صديقي، لقد آنستني رسالتك بما تضمنته من معنى الوفاء لذكرى ماضٍ سحيق انطوت به الأيام في منحدراتها العميقة.. وإني لأسأل نفسي كيف وسعك أن تكتبها، وأن تتفرغ لها، وأنت في بحران معمعتك مع الحياة، فلا أقول إنها بقية من نشاط الشباب لا يضيق بك أن تنفقها في وجه من وجوه الالتزام والاستجابة له، وهي نزعة الخير التي تنطوي عليها نفسك بلا شك أرجو أن يبارك الله لك فيها، وإن حملت طابع فتوة الخلق، وتقدير الذات في ما تجمعه لك كلمة "الشيمة".
ولعلّك ترميني بالتهويل والإسراف. ولكن منطقي في تقدير ما يشق على غيري، هو القياس على ما يشق عليَّ. وقد أدلي لك معنى ما أريد بقوله تعالى: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (البقرة: 45) ولعل المراد احتمالهم، وهنا لا ينافيها كبرها في الطرفين إلاّ باختلاف الاحتمالين، والله أعلم بالمراد على كل حال -ونحن أجهل وأقصر فطنة، وأضحل علماً، وأضعف إدراكاً، وأقصر بصراً.
وقد ينوب قولي هذا عن هذا الشكر، فهو الآن لك مني لفظة مبتذلة تخلو من معنى الإثابة التي تقابل همتك في فضلك حاضراً وغائباً.. وقريباً وبعيداً، ولعلّ في الإضراب عن الشكر على هذا الاعتبار معنى أليقاً بأن يقال على أنه ذو معنى يُفهم أو يستساغ.
وبعد فأنا أرجو لك أن تكون على خير أحوالك موفّقاً للخير.. ولرضاء الله، مدلول الخطى على ما يحقق آمالك، وييسر أحوالك دائماً، ويعينك على ما تكون به موصول الطمأنينة والاستقرار. وأعاد الله عليك وعلى ذويك، الأعياد زاهية مشرقة. وحفظك ورعاك، وجزاك خير ما يجزي به واصلاً عن منقطع، وحافظاً عن مضيّع. وإلى لقاء قريب أيها الصديق الحبيب تحت سماء الوطن، وعلى رحابه الطاهرة التي ينزع بي حنيني إليها نزوع الظامئ إلى الماء، والساهد المؤرق إلى كراه.. وحسبك فإني أختنق بدمعي الآن.
أخوك حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :518  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج