خوارق العادات |
أخي محمد عمر |
لا أدري ألك عندي رسالة أو رسالتان. ولكن الذي أدريه أن الجواب سيكون عليها أو عليهما في هذه.. وهي التي أرجو أن يكون ردك عليها سريعاً.. لتدفع عني خطر الوسواس الذي أصبت به في موضوع المائة جنيه، هل سدّدت أم لم تسدَّد. والأمر كما ترى مهم بالنسبة لي على الأقل. أما أنت فربما كان في وسعك أن تتركني مهبة الشك في أمري وتنام قرير العين. لقد اختلط عليّ الأمر، وتداخلت الملابسات وراحت الدنيا ترقص في عيني رقصة الشيطان -إن كنت تعرفها- وصرت كالإنسان الذي حبس في مكمن "البراغيث" متسلطة على جسده من كل جانب.. فكل سؤال من الأسئلة التي يوردها وهم الشك والوسواس عليَّ، يشبه "برغوثاً ذكراً" لا يشعرني بوقعه إلاّ حر لدغته وشرّ ما في الأمر أني عندما ألححت على المسؤول بزياراتي بدأت أشعر بالضيق في وجهه وكل ما يأخذني -أو آخذه منه- حتى أطراف أصابعه -والله- أرى منها انقباضاً وتقلصاً، ورجفة غاضبة.. وفهمت من مساعده إلغاء التعقيب على المسؤول بخصوصها. وهكذا أعود عليك بالمطالبة.. فإذا كان أحد يزعم أنه أعطاني فعليه أن يثبت.. وهناك أسئلة جديدة: أتراني أخذت المبلغ بإيصال استلام؟ أو بدونه؟ وهل كتبت إيصالاً بالفعل؟ ومن مألوف عادتي أن لا أنسى "إيصالاً أكتبه". |
ولقد وجدت في أسلوب علاجك للمسألة، ما يحمل على أن في الأمر مزحة.. وهذا إذا صح -وما له لا يصح- فإنها تكون مزحة ثقيلة على مزاجي كادت تفضي بي إلى الجنون على أنني الآن في ما يشبهه وقد تؤدي إليه. |
والآن يرحمك الله. إنه بعد وقبل، قرض لم يجدِ مغنماً من مغانم الدنيا.. |
فلقد كانت تعوزني اللقمة أمسك بها رمقي في دارك، وعلى تشبثك الجائر ببقائي، فلا أنالها إلاّ بأن أشتري، وأعالج، وأطبخ، وأقضي حاجة الملتفّين حولي من الملتفّين حولك، وإلاّ بعد أن أخوض عباباً من صنوف الأذى وجرائر لها تنخع ما في عظمي.. وماذا بعد ذلك إلاّ أنني احتملت المخاطرة على حسبان عدم سداد في هذا الزمن المرير الذي يعرف ناسه عن الدين أنه فضلة تفيض عن حاجة المتطوع به.. أو حماقة ينبغي أن يعاقب صاحبها بهذا التأديب الصامت.. وبهذا الجري وراء خلق الله عشرات المرات في الهرم والمفوضية وسميراميس وباحتمال ما يبدو من انقباضهم، وفي هاته الجفوة التي تُبذل بسخاء بالغ، لكل من تبغض حقاً.. |
وعندك بهذا الكلام دلالة على ما ينصب في نفسي من مرارة وألم.. |
أفلم أكن خليقاً بأن أعفى من كل ذلك لحرمة ودي عليك إن كانت لمثل هذا الود حرمة عندك؟ أو لسابقة العارفة وخلوصها من الغايات؟ |
وبعد فما أود أن يجري الكلام هذا المجرى، وأن من الحزم أن يقتصر على لب الموضوع، واللب هو هذه "المائة" التي ما زالت حائرة حتى لتوشك أن تنقلب ذاتها إلى علامة استفهام بعد أن كانت كمية تمثلها ثلاثة أرقام.. والأمر -لا شك- خليق بالجد من جانبك.. ولولا حرصي على أن يزداد الأمر بإطالة الكلام فيه على هذا النحو، أشكالاً، لسمحت بمئات من الأسئلة التي تؤدي كلها معنى الشك فيك على ادعاء السداد. ولكنك لم تدعيه.. وهذا يبعث الاطمئنان بعض الشيء إلى نفسي. ولم يبق إذن إلاّ أن يخبر الله لك في التعجيل بسداده على شريطة أن يجيئني بطريق "بنك" فهذا أصون لجهدي وكرامتي من الجري وراء عباد الله. |
وإني لفي انتظار ما يسفر عنه هذا الاختبار لمروءتك بعدما ورد عليّ من موصول الأذى. وبحسبك ما تعرضت له من المتاعب في سبيل مطاردتي لهذا الوهم الذي صنعت منه حقيقة حتى شاء الله له الفضيحة. |
عبد اللطيف جمجوم غارق إلى ما فوق أذنيه في التهيؤ للاختبار.. وهو يرفض أن يسترد من "حلمي" هذه القمصان التي استحالت عليه أخلاقاً بالية من طول الاستعمال.. أو من سوئه.. فماذا تقول؟ |
علمت أن المسؤول سيغادر مصر يوم الأحد، واليوم هو الأربعاء. إن كان لا بد من أقول شيئاً بهذه المناسبة، فهو أني قد فقدت وجودي كآدمي ذي وزن في نفسه ورأيه وتقديره.. وما يحزنني ذلك ولكن يحزنني فشل مسعاك في أن يحدث عكس هذا.. ولكن المشيئة لله وحده. |
لقد عقد لي المسؤول امتحاناً عقلياً لم أحصل فيه إلاّ على الهزيمة المنكرة.. الصارخة.. وقد أعداني بانقلاب رأيه فيَّ، فغدا رأيي في نفسي أنني لم أعد أصلح لشيء مما يصلح له الناس.. فقد أبدلني الله بعقلي الطبيعي "لولباً" يزداد في كل يوم "طيّة" والأمر يتعذر على الإصلاح بلا ريب، وهذا أسوأ ما فيه.. ولكن لله خوارق العادات، وجميل الستر.. فلو شاء لي النجح لجعل من هذه "اللولبية" في رأي المسؤول وغيره شيئاً يروق ويحرك الإعجاب.. أو ربما أثار الدهشة.. وما أرضى أن تحجب نصحك لي عني فأنا بحاجة إليه.. وفي هذا الظرف على الأخص. |
هل عندك لي أخبار.. وفي هذا الظرف الأخص. |
هل عندك لي أخبار.. أخبار من أي نوع؟ فأنا في حاجة إليها وهل وصلك كتاب "ملك إنجلترا السابق وعشيقته". إنك لم تنبئ بوصوله، وهذه طريقة لا تريح. |
سلامي إلى الإخوان زيدان وياسين وعريف. وإلى اللقاء. |
|
|