(56) أخي غازي.. ابنتي شيرين |
اليوم 14 شوال، وكان علي أن أجيب على برقية تهنئتكم بالعيد قبل اثني عشر يوماً على الأقل.. |
حتى هذا كان متعذراً علينا جميعاً، وقد سبق أن وضحت كتابياً في العيد الماضي.. أن بيننا وبين مكتب التلغراف أكثر من كيلومتر وأقرب مكتب بريد يبعد ثلث كيلو.. |
وأن الخطاب أحياناً يلقى في البريد بعد أسبوع من إنجازه.. |
وأن المسافة بين المطبخ والمائدة تستغرق للوجبة الواحدة من الصبح إلى الخامسة مساء. |
وليس هذا اتهاماً لأحد فأنا المسؤول حتى عندما أغيب عن البيت أسبوعاً.. |
إنها غلطة كل رجل عجوز لا يفارق الدنيا بعد أن يبلغ أولاده سن المراهقة.. وبلا أخطاء.. |
كل عام وأنتم والآخرون جميعاً في راحة وسرور وتآلف مع الحياة وكل أشكالها وألوانها.. |
كل رجائي إليكما أن تغفرا لي ما لا يمكن أن يسمى غير القصور وأني تحت وطأة الخجل منه لا بد أن أجد الشجاعة لتقديم اعتذاري.. |
إن برقية المعايدة ألطف شكل من أشكال الهروب.. الإنسان يفضل أحياناً، وأنا في جميع الأحيان أفضل أن أضرب عشرين عصاة على أن أكتب رسالة مختصرة.. إن الرسالة بالنسبة إليّ مشقة قصوى، وعبء ثقيل.. |
كلام كهذا يعطيكما الحق في سوء التفسير.. ولكني مضطر لاحتمال مسؤوليته أيضاً وأؤمل أن لا أفقد رحمتكما.. |
جاءتني بطاقة معايدة من صديق بالرياض.. صباح العيد وحتى هذه الساعة لم أرد التحية.. |
وهكذا الحال عندما نحتاج إلى الآخرين.. |
الجحيم هو الحاجة إلى الآخرين.. إنها تجربتي.. وأرجو أن لا تكون تجربة أي إنسان له موقفي وإحساسي. |
العذاب يهون عندما يكون هناك أمل.. وعندما لا يكون أمل فهي الكارثة.. هذه نفثة كان من الممكن كتمانها ولكن لماذا الكتمان؟ لماذا لا نسخر من آلامنا في إعلانها؟ |
أي شيء من الآلام يستحق احتمال كتمانه، ألكي لا يسخر أو يشمت منا من ليست لهم آلامنا وعذاباتنا، ولماذا ننطوي على ما يعذبنا في داخل نفوسنا؟ |
نعم إنه لا فائدة في أية شكوى، ولكن تفريغ الانفعال لحظة شيء ضروري للتوتر.. |
هذا ملحق المعايدة أو جانبها الفكاهي وفي نفس الوقت جانبها الفلسفي أيضاً.. |
كيف يكون لهذه الصغائر والتوافه كل هذا التأثير؟ ولكن هل الحياة بالدقة غير هذه الصغائر؟ وبعد أن ينتهي الإنسان من دوره الجاد المرهق فيها! |
طبعاً سيتحول كلامي إلى ما يشبه الرمز أو الهذيان ولن يفوتكما إدراك أني أتعذب عذاباً نفسياً مريراً من أن قيودي لا تسمح لي بالانطلاق بعيداً خارج هذه الدائرة المغلقة.. |
مرة أخرى أرجو لكما التوفيق والاستقرار، وإلى اللقاء.. |
|
|