شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشيخ عبد المقصود خوجه صاحب الاثنينية ))
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، وخاتَمِ أنبيائك، حبيبِك وصفيِّك، سيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه الكرام الطاهرين.
أيها الأحبة:
أرحب بكم أجمل ترحيب، وباسمكم أقدم خالص عباراتِ التحيةِ والوُدِّ لضيفِنا الكريم سعادةِ الأستاذِ الدكتور يوسف محمد عبد الله، رئيسِ الهيئةِ العامةِ للآثار والمخطوطاتِ والمتاحف بجمهورية اليمنِ الشقيقةْ، ولسعادةِ الأستاذين السفير غالب علي جميل وكيل وزارة الخارجية بجمهورية اليمن، ومحمد أمين مديِر مكتبِ رئيس الهيئة.. كما نرحب بالأساتذة الأفاضل الذين تجشموا عناءَ السفرِ من الرياض؛ لإمتاعنا بصحبتهِم الماجدِة في هذه الأمسية.
إنه لشرفٌ أثيلٌ للاثنينية، أن تمدَّ يمينُهُا جنوباً هذه الليلة؛ لتحتضنَ أكفَّ أبناءٍ بررةٍ من اليمنِ السعيدْ، وهذه ليست المرةَ الأولى التي ننعَمُ فيها بلقاءِ أخوةٍ أفاضِلَ من هذا الجوارِ الذي يغِبطُنَا عليه الكثيرون، وأرجو الله ألا تكونَ الأخيرةْ..
فقد سبق أن التقينا من خلال الاثنينيِة بمعالي الأستاذ الشاعرِ الفحل أحمد بن محمد الشامي، وفضيلِة العلامة الشيخ عبد المجيد الزنداني، ودولةِ الرئيس أحمد النعمان وها نحن نلتقي مجدداً بكوكبة من الشجرةِ المباركة عينها، ليُمِتْعوُنَا بعلمِهِم وفضلِهِم وزادِ تجاربِهِم الغنيةْ.
 
إن ضيفَنَا الكبير، بتبحَّرِهِ في علم الآثار الذي حمل رايتَهَ منذ ربعِ قرنٍ تقريباً، أحسَبُه من الذين رَنُوا ببصرِهِم وبصيرتِهِم؛ في قول الحقِّ سبحانه وتعالى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لأُوْلِى النُّهَى [طه: 128]، وقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِّنْ بَعْدِهِمْ إِلاَ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوَارِثِينَ [القصص: 58]، وقوله تعالى: وَعَادَاً وَثَمُودَاً وَقَدْ تَّبَيَّنَ لَكُمْ مِّنْ مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرينَ [العنكبوت: 38]، وقوله سبحانه: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ [السجدة: 26]، وقولـه تعـالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [الأحقاف: 25].. في هذه الآيات الكريمة؛ تلاحظون تكرارَ كلمِة (مساكِنِهم) في خمسةِ مواضِعَ مختلفةٍ أشارت جميعُهَا إلى ما يمكن أن نُطلق عليه أُسُسَ علِم الآثار الحديث..
 
ذلك أن الآثارَ ليست مجرَّدَ أطلالٍ ودِمنٍ يحلو للشعراءِ البكاءُ عليها.. بل هي رموزٌ تحكي قصةَ حضاراتٍ وشعوباً بأخلاقِهَا، ومُثُلِهَا، وأفكارِهَا، ومبادِئِهَا، وديانَاتِها..
والمفتاحُ الوحيدُ للولوجِ إلى تلك الغياهبِ التي جاسَتْ خلالَهَا الرياحْ، وتراكمت عليها الأتربةْ، هو دراسةُ (مساكِنِهم) بالتعبيرِ القرآنيِّ الصحيحْ.. ففيها عِبرٌ لذوِي النباهةِ والفكرِ الصائبْ، وفيها عظةٌ.
 
وتأتي دراسةُ كل ذلك عن طريقِ الاستدلالِ العقلي، أو عن طريق الفحصِ والاختبارِ المعملي، أو عن طريق الاستماع إلى قصصِ الأولين. كما أن دراسةَ النصوصِ والنقوشِ عن طريق القراءة قد تعني الاستماعَ، ولعل كلَّ ذلك وأكثرَ منه بكثيرٍ قد جاء في الآياتِ السابقةِ.. فما أُوتِينَا من العلِم إلا قليلاً.
 
وأذكر في هذا السياقِ، أستاذنا الكبيرَ المرحوم (عبد القدوس الأنصاري) عندما كان في المدينة المنورة يرى بعضَ المستشرقين يبذلون الجهدَ الجهيدَ في الحرِّ اللافحِ ويدونون ملاحظَاتِهم في ظروفٍ مناخيةٍ بالغةِ القَسَّوةْ، فاستفسر منهم وعلم ما يقومون به، ثم رجع وقال لنفسه من واجِبنا أن نقومَ بهذا الدورِ الخطيرْ، فكتابةُ التاريخ ينبغي ألا تُتْرَكَ في غير أيدي أبناءِ من رَضَعُوا ذلك التاريخْ.. ثم ساهم رحمه الله بدورٍ بارزٍ في هذا المجال..
وقد أحسن ضيفُنَا الكبير صنعاً بهذا التوجُّهِ الحضاري في دراسةِ تاريخ أمتِهِ، عن طريقِ أمتَنِ مصادِر المعرفة؛ وهي الدراساتُ الأحفوريةُ التي تربِطُ الماضِيَ بالحاضرْ، وتتركُ بَصَمَاتِها إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها.
ولم تتوقف مسيرة ضيفِنا الكريمِ عند الدراسةِ النظريةْ، بل تخطاها شأنَ المثقَّفِ الواعي المدركِ لجسامةِ الدور الملقى على عاتِقِ شريحةِ المثقفين بصفةٍ عامة للنهوضِ بأوطانِهِم، وتحويِل السلبيّاتِ إلى إيجابياتٍ ترقى بالمجتمِع من خلالِ غربلةِ أساليبِ حياتِهِ وإسقاطِ السفاسفِ وتدميرِها، ثم تقويةِ الإيجابياتِ وتغذيتِهَا بالعلم، لِيَشِبَّ المجتمعُ متكاتفاً متسلحاً بالعلم والإيمان؛ لبناء دولةٍ تستحق أن تجدَ لها مكاناً تحت الشمسْ.. وليس هنالك من خيارٍ آخَرَ، وليست هنالك معجزاتٌ في هذا الزمانِ غيرِ معجزةِ العلم الذي أتاحه الله سبحانه وتعالى لكلِّ صاحِب همةٍ وعزيمةٍ، ليخوضَ غِمَارَ التنميةِ، ومعتَرَكَ التطوُّرِ والبناءْ..
بهذا الفهمِ، والإحساسِ بالمسؤولية، وَطَّنَ ضيفُنَا العزمَ على الكفاحِ المستنيرِ من أجلِ توظيفِ علمِهِ لخدمةِ مجتمعِهْ.. فعلمُ الآثارِ كما تعلمون من أهمِّ روافِدِ علمِ الاجتماعْ (الأنثروبلوجيا).. وقد ألَفَ الكثِيرَ من الكتبِ كما شاركَ في إعدادِ وإشرافِ وتحريرِ (الموسوعةِ اليمنيةْ) وهي موسوعةٌ قيّمةٌ من جزأين أرادَ واضِعُوهَا أن تمثِّلَ النَّواَةَ لبثِّ النورِ والمعرفَة بين أبناءِ اليمنِ، ومن يسعى لاكتسابِ مزيدٍ من المعرفةِ حول تلكَ البلادِ، فجاءتْ ولله الحمدُ خيرَ زَادٍ للسالِكينَ في مدارِجِ العلمِ والمتطلعينَ لزيادَةِ حَصِيلَتِهِمْ الثقافيةْ.
أشكركم أيها الأحبة على تشريفِ هذه الأمسية التي أثقُ في أننا سنخرجُ منها بما نتطلع إليه من فائدةٍ بإذن الله..
وأحب أن أذكِّرَكُمْ بأن هذه الأمسِيَةَ ستكون الأخيرةَ ومسكَ الختامِ لهذا الموسم.. سائلاً المولى جلت قدرته أن يجمعنا دائماً على طريقِ الوُدِّ والخيرِ والمحبةْ.. لنستأنف مسيرَتَنَا بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- الكلمة الآن لسعادة السفير غالب علي جميل وكيل وزارة الخارجية اليمنية للشؤون السياسية:
 
المحتفي طالباً اختصار الكلمات
عبد المقصود خوجه - أرجو أن ألفت النظر - أنه كما يبدو - لضيفنا الكثير من الصحب والمحبين، والكلمات كثيرة، ولكي نتيح للإخوان أكبر عدد من المتحدثين، أرجو أن تُختصر الكلمات في دقائق لا تتجاوز الخمس؛ فأمامي عدد وافر ممن طلب الكلمة في هذه الأمسية، أكون شاكراً التقيّد بذلك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :777  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 177 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.