شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشِّعر كالغناء
وعلى أن الشعر كالغناء في بواعثه، وغايات تأثيره؛ كان لكل إنسان يحس بواعث الشعر أن يقوله، كما كان كل إنسان يحس بواعث الغناء أن يغني، لا حجر في ذلك على كليهما أمام قوانين الحرية والاختيار.
أما أن يرفع المغني، أو الشاعر عقيرته بالغناء بين الناس؛ فمسألة أخرى تختلف كل الاختلاف. فهو هنا عارض بضاعة، أو طالب مقايضة أو ملتمس مكانة، أو مستهدف غرض أدبي في الجماعة، أو متطوع لها -احتيالاً على المحمدة- بما يفرض فيه أنه خير ما عنده، أو خير ما يقدر عليه على معنى أنه مغنٍّ أو شاعر.
والمعنى الماثل في عديد هذه الصورة؛ يتضمن الدعوة إلى المشاركة فيما يستحق تجشم مشقة السعي والإقبال والتلبية، واحتمال المنّة المظنونة. والإنسان وحده؛ يأكل ما يشاء، أو لا ما لا يقدر على أحسن منه أو أطيب ليس لأحد عليه حجر في الاكتفاء بالميسور والتافه، وبما ليس به غناء في إقامة البنية، أو حفظ الرمق.
ولكنه متى دعا الناس إلى وليمة وجب أن يزكي دعوته ببسط أسباب الكفاية والإمتاع، والتوسعة لهم، وتوخي غاية التجمل والإحسان على مقدار غرضه من دعوته، أو على مقدار حرمة ضيوفه عليه، أو على أنفسهم؛ فهذا هو الصحيح.
ولو سألنا الآن: ما هي أغراض الشعر؟ لوجدنا أنها الجمال والتأثير وإبداع الصور، أو استعادتها لتوشيتها وجلائها، وتلوين الحقائق والأفكار، أو صنعها أو صنعهما أو ما شاءت المذاهب والطاقات.. والمعنى المنطوي في ذلك كله، والدائر على تفسير جهد الشاعر؛ إنما هو مباهاته المضمرة بقدرته على هذا النحو من الإنتاج الفكري الرفيع -ما في ذلك شك-.
والشاعر في وسعه أن يكتفي بميسور الشعر أو بما دونه لنفسه، ولمن ينزل منزلتها عنده، ولكنه متى أقام المعرض لكفايته على أعين الناس وأسماعهم فقد أولم! أو رفع عقيرته بالغناء! فما يحسن به حينئذ أن يستبقي من غايات فنه بعضها حين يفقد سائرها. ولا أن يكون هذا السائر المفقود هو القوام، أو ما يدخل في باب المطالب الأصلية للشعر والغناء.
ونوضح الأمر فنقول: إن الأسلوب قوام الشعر كما هو قوام الغناء، أو كما هو قوام كل فاتن وجميل وقوي مؤثر في جملة ما يتوقف حصول تأثيره على اجتذاب الرغبة فيهن وإثارة الإعجاب به، وتحريك الميل إليه.
نعم.. إن الأسلوب قوام الشعر ومظهر غاياته ومقاصده وهو في هذا كالجمال تتهيأ له الوسامة والقسامة وحلاوة الشارة على قانون مقاييسها الجسدية، ولا تتهيأ له الحركة والنبض والروح وتأثير انطلاق معانيه، فيكون جمالاً "أسلوبياً" تجتمع له أسباب القدرة ومظاهرها، ولا تتم له بها الغلبة والسيطرة على المشاعر والنفوس، ولكنه يظل جمالاً سليماً في القاعدة والتعريف.. جمالاً يحرك الإعجاب والميل إلى التأمل إن لم يحرك الرغبة ويبعث الصبوة ويثير الهوى؛ فهو بهذا خير من دلائل الحركة الباطنة، والنبض والمعنى، والتعبير الملحوظ في جسم متنافر التركيب، أو شاذ أو مطموس معالم الوسامة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :665  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 50 من 71
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج