بين النقد والجمال
(1)
|
(4) |
والمؤثرات التي أعدها لغة التدليل والتحبب وتوشيج الأواصر الفكرية والنفسية. |
فليستقبل الأستاذ من أمرها ما استدبر وليقل كلمته الصحيحة العنيفة في كلمتي التي دعاها "حدث الأحداث في تاريخ حياتنا الفكرية!". |
ولا عليه في ما اندفع فيه من قول أملاه الحماس، والاندماج في فورة الجماعة فله أن يدفع التهمة عن نفسه بأنه كان بينها أضعف إدراكاً وأقوى شعوراً، وأنا ضمين له بأن لا يضطرب الميزان في يده، وأن لا تخلو كتب علماء الاجتماع من نظرية تأخذ بيده حتى في أضيق السبل وأحرج المآزق!!. |
وبعد فما أود أن أملك على الأستاذ مذهبه في التنصل من مسؤولية كلمته التي أخطأ في نسبتها إلى علم الاجتماع. فقد يضيق صدره بأن يعرف أن كلمته بهذا التعديل الذي تجني به على المطبعة وعمالها الأمناء، فقد عادت أكثر قلقاً وشذوذاً وغرابة فقد قال "يقول علماء الاجتماع إن انصياع الجماعة واندفاعها أقوى من انصياع الفرد واندفاعه" وقال بعد التعديل "إن الفرد وسط الجماعة أقوى شعوراً وأضعف إدراكاً منه وحيداً". |
ومعنى هذا "أن الفرد وحيداً قوي الإدراك ضعيف الشعور" وأنه وسط الجماعة ضعيف الإدراك قوي الشعور. |
فهل يتفضل بتعليل الحماسة التي قوبل بها حديثي في ندوة الإسعاف، أكان مصدرها الإدراك لمعنى ما سمعت الجماعة! أو هو الشعور بشيء لم تدرك معناه! وعندئذ هل يشعر الإنسان بمعنى ما لا يدرك؟ أم يدرك معنى ما لا يشعر به، وهل هناك من فاصل بين إدراك الإنسان لشيء وشعوره به، في حديث يسمعه، وهل الشعور بمعنى الشيء غير إدراك معناه، أم إدراكه غير الشعور به. وهل يكون الفرد أضعف شعوراً بما يكون أقوى إدراكاً له ولماذا؟ |
ثم أترى لو سلم للأستاذ معناه في العبارتين، أكان يكون معنى تقريره أن الفرد خارج الجماعة أضعف شعوراً وأقوى إدراكاً إلا معنى أن شعوره بقيمة ما سمع من حديثي بين الجماعة ضمين بأن يضعف ويتحول بعد قراءته؟ |
وإلا أن إدراكه لحقيقة ما قرأ بعد أن سمع، جدير بأن يفقد حماسه وتأثره، فأنا أطالبه ملحاً بنتائج دراسته الهادئة الخالصة من تأثير الجماعة. |
إن للأستاذ الصديق في حيلته الفنية الدالة على سعة حيلته وبراعته قوة ما أظنها عاجزة عن الإمعان في التنكيل بغفلة المطبعة وعمالها البلداء مرة أخرى بل مرات، وعساه ينسى أنه مصحح كل كلمة في مقاله، والراصد الذي ما تخطئ عينه الهمزة والنبرة، لتكون المفاجأة أحفل بالدلالة القوية على عمق شعوره بضعف جماعة القراء، والمتتبعين لما يكتب، ومن حسن الحظ أن ما يكال جزافاً، وما يوزن بدقة، عند سواد الناس شيئان لا تختلف بهما السبيل، ولا يختل القياس والمطلب أن يقرأ الناس له في كل عدد يصدره كلمة يطول بها النفس أو يقصر. |
أليس ما أقوله ويقوله كلاماً سبيل بعضه سبيل كله، والناس يقرأون، فليكتب إذن فالمجال خليق بأن يرحب بكل قدير على رص الألفاظ وسوقها وأين الفاهمون. |
وما لنا نحمل الأستاذ على هذه المضايق؟ أفلم يعد له أن يستقبل من أمره ما استدبر فيعفينا من الضرب في هذا الخواء؟ |
ليعلم الأستاذ أننا لا نحتال لبلوغ رضى القراء وإن كنا أعرف بسبل هذه الغاية وحبائلها وإنا لنترفع عن أن نقف منهم موقف التهريج والاجتذاب والحيلة وما يزيدنا في أمرنا وسيلة بصيرة أن يكون العطف علينا منهم، أقصر من التنكر، ويحسبنا أمامهم أن نعرف بهذا الطابع، إن أحب غيرنا أن يعرف عندهم بغيره حتماً يظن أن مما يضرهم غنانا عن الاستعانة بعطفهم، فالعلاقة بين الكاتب والقارئ ليست علاقة الحبيب بحبيبه، ولا هي علاقة الخادم بسيده، وإن كان الأستاذ عريف يفهمها على غير ما نفهم، فله في ذلك مذهبه الذي ما ننازعه إياه، وحسبنا أن نصحح وهمه في كلمة يستعدي بها قراءه علينا حيث زعم أني قلت إن هناك فرقاً ما بين نظرتي ونظرته إلى الصورة الجميلة هو الفرق ما بين نظرة الفيلسوف الشاعر، ونظرة الرجل العادي. |
لو كنت أعرف لنفسي الفلسفة الشاعرة، لمنعني ما عرفت به من الحياء والتواضع وإنكار الذات، أن أنتهز هذه المناسبة للإعلان عن نفسي. |
إنما قلت إني ذو مزاج سؤوم!! لا أدع الزمن يفجعني في طمأنينة شعوري بطرافة الأشياء. ولم أقل بعد هذا شيئاً عن نفسي في بقية المقال. |
|