طرقتُ -فما أذِنَتْ- بابَها |
ولمَّت على العَهدِ جِلبابَها |
فدُرْتُ برأسيَ عَبرَ الفضاءِ |
أذكّرُ نفسِي بما رابها |
وقال أبو واصلٍ: إنَّها |
مراسيلُ، تعرب ركّابَها |
ودانت له مصعباتُ الكلام |
فأنسَى الجماعةَ نُدّابَها |
وأثخَنَ في مخطئي دَربِه |
إلى "قصّة" كان بَوّابها |
وأيقنتُ أنّ حياءَ الكريم |
رذيلتُه، عند مَن عابَها |
وما صحَّ عند أبي واصل |
خلا رحلةٍ في الدجى جابَها |
فصار بها من ليوثِ الشَّرى |
وزاد، فنازعها غابَها |
ولم يجهلِ الشّيخُ أسبابَها |
فهل يعرِفُ الشيخُ إعرابَها؟ |
أما خاضها بعدُ في درعه |
فعاد يكابر أوصابَها؟ |
وفي ذيله قطعةٌ لم تَعُد |
فهل علِم الناسُ ما نابَها؟ |
قد انتزعَتْها يدا ناشئٍ |
غريرٍ، فرجَّل هَدَّابَها |
وهيّأ منها له، لحيةً |
تُطاوِلُ في المَعْزِ أترابَها |
وألصقَها بأبي واصل |
حصانا تطارد، طلاّبَها |
فما ظفرتْ بالذي ناوشَت |
ولا لحقتْ بالذي هابها |
وظلّتْ تقود أبا واصل |
إلى وِجهة أخطأت قابَها |
* * * |
ألا يا أبا واصلٍ إنّها |
مشاربُ تقتل شُرَّابها |
وإنّ الفضائلَ ليست طِلىً |
تُعاطيكَ دنياكَ أكوابَها |
ولكنّها قِممٌ ما سَمَت |
ليبلغَ جُهدُك، محرابَها |
فأنتَ لحاناتِك الرَّاوياتِ |
تَفيءُ، وتَلثُم أعتابَها |
فتَجزيكَ عبئاً على أخدَعَيْك |
مآثمُ، تشرب أنخابَها |
وما أنتَ فيها، ولا أنتَ منها |
سوى حَوْبَة خاب من حابَها
(1)
|
وقد أخلفَتْك حقولُ المنى |
فكيف تَوقّيكَ أجدابَها؟ |
حِسانُ المعالي، أبا واصل، |
شُكولٌ، تماثِلُ أضرابَها |
وتُضرِبُ عن شبُهات الهوى |
ولو أنكرَ الناسُ إضرابَها |
ولو سَفِهَ المالُ والأغنياءُ |
وفلسفةُ الشيخ أترابَها |
وأنّ العفافَ وطهرَ النفوس |
فضائلُ تُضنِيكَ أربابها |
وتعرفُ في الفقر.. في كِبره |
وإنكارِه الإثمِِ -خطّابَها |
بلى، إنّها يا أبا واصل |
مصاعيبُ تُرهِب أقتابَها |
وأنّ الحياةَ التي أخطأتْكَ |
وأخطأتَها، سمَّرت بابَها |
زحفتَ إليها، على ركبتيك |
وأعدَدتَ للقوس نُشّابَها |
فها أنتَ في وحلها. حيّةُ |
على جسمها سلَّطتْ نابَها |
خسرتَ الشَّيوخة، بعد الشباب |
وكم خزيةٍ كنت كسّابَها |
* * * |
دواعي الهوى، يا دواعي الهوى |
جَفَوْنا، ولم نألُ، أصحابَها |
أيرقصُ شيخُكِ بين الظباء |
نديماً، يعاقرُ أسرابَها؟ |
ويُسرِجُ فروتَه للصّغار |
ليغسِلَ بالمال ما شابَها |
نخَيَّرَ غايتَه، وانتهى |
إليها، فكحَّل أهدابَها |
وقدَّمها هِبةً تُشتَهى |
وأثقلَ بالخير.. أوطابَها |
وما الخيرُ عند أبي واصل |
سوى نعجةٍ.. كان حَلاّبَها |
ففاءتْ إليه، وقد أنجبتْ |
فقاسمها الشّيخُ إنجابَها |
* * * |
هَلاَ بقفاكَ أبا واصل |
لدنيا، تُواكِبُ أقطابَها |
ومرحَى لأيامك الباقياتِ |
تَهزُّ المَواطِرُ ميزابَها |
ذممتَ لماضيكِ إيجازَها |
فها أنتَ تحمَدُ إطنابَها |
* * * |
عرفْنا بطونَ الهوى والحرام |
فما نُنكِرُ، الغدَ، إخصابَها |
وأعراقُها فيك أعرافُها |
ذيولٌ توشّح أنسابَها |
وتسري بها في تخوم (البلاد) |
نواصبَ، تكفر أنصابَها |
* * * |
ألا عاش فينا أبو واصل |
حياة ذوي الفضل أو شابَها |
يعاطي العشيرةَ أيامَها |
ويروي المضاربَ آدابَها؟ |
ويكشف للنّجم عن إبطِه |
إذا نافر النجمَ، أو نابَها؟ |
فيُخلي الهواءُ له دربَه |
وتَحني الشوامخُ أصلابَها؟ |
فيَمضي لِطيّته راشداً |
جهيرَ العقيرة، خلاّبَها |
يقود الطبيعةَ من ذيلها |
قويَّ العزيمة، غلاّبَها |
فما قادها في غبار الزمان |
غنيٌّ، تحسَّسَ أبوابَها |
كما كان في فقره حيث كان |
يدافعُ عن ذقنه، عابَها |
ولكنّه زمنٌ كافرٌ |
يراجع في توبةٍ تابَها |
* * * |
هَيّا مُلهياتِ الغِنَى والشّراب |
حَسِبْنَ المعاركَ أسلابَها |
إذا هَزَء المجدُ بالأدعياء |
وأنكرَتِ الأرضُ أوشابَها |
وقامت على مشهدِ الضاحكين |
بطونٌ تغامِزُ أعقابَها |
ألِكْنَ أبا واصل مَربِطاً |
يَقيه الحياةَ وآرابَها |
فما كان مذهبُه يومَ راح |
إلى بُغيةٍ لَمَّ أسبابَها |
ولم تكُ أوبتُه حينَ آبَ |
سوى خيبةٍ عاقرٍ خابَها |
على أنّها خطوةٌ في الظّلام |
أدارت، على اللصّ، أثوابَها |
فإنْ سَتَرَ اللّيلُ آثارَها |
فقد فضحَ الصّبحُ، جلاّبَها |
ويا ليتَها لَطُفَتْ في العِقاب |
بِلحيتِه.. والذي انتابَها |
وحسْبُك مزرأةً في اللّحى |
ذقونٌ تُسوّدُ أذنابَها |
وأنّ رؤوساً أدلَّت بها |
تَدوسُ -لتشبعَ- ألبابَها |
* * * |
نعم، إنّها وثَباتُ الهوانِ |
تَشَمُّ، فتعرفُ، وثّابَها |
فيا قصةَ الوحل أين الختامُ |
بديلٌ لمن جُرِّعوا صابَها |
أليس سوى أنّ تلك اللّحى |
تعيشُ لتعرضَ ألعابَها؟ |
أسى العقلِ في رَوْحَةٍ راحَها |
أسى العقل في أوبَةٍ آبها |
* * * |