| قِف بالطُّلولِ، وأرسِل دمعةَ الأسفِ |
| واطرَح همومَك من ياءٍ إلى ألِفِ |
| واشْكُ الزَّمانَ وأهلَيه وما جَلَبا |
| من وَقفةِ الحال، بعد العزِّ والتّرفِ |
| فربَّما خفَّ حَملٌ فوق صاحِبِه |
| إذا تَزَحزح عن ظَهر إلى كَتِفِ |
| والبَوحُ بالهَمِّ إن لم يَشفِ، خَفَّفَه |
| كالعَطس في زُكمَةٍ، والهَرْشِ من قَشَفٍ
(2)
|
| واْقَر السّلامَ على ماضيكَ فهْو هنا |
| ذِكرَى تعيش بها وَهماً على النَّشَفِ |
| والذّكرياتُ حِسابٌ لا يراجعه |
| إلاّ فتىً عَزَّزَ الأوهامَ بالخَرَفِ |
| وإن تكن لِلّذي راحَت عليه رُؤىً |
| من العزاءِ، تُشيعُ الدِّفءَ في اللُّحُفِ |
| فإنّها في ظلام العيش مَسرَجَةٌ |
| ضئيلةُ الضَّوْءِ، لا تُغنيك في السَّدَفِ |
| والآن، لا بدَّ من حَلٍّ نُدَبِّرُهُ |
| ولو سكنتَ به في أضيق الغرفِ |
| فانزِل على واقع الدّنيا ومنطِقها |
| واقبَله منتصِفاً أو غيرَ منتصِفِ |
| واخشَ الصَّلابةَ في حقِّ وكن مَرِناً |
| إن فاتكَ التَّمرُ، لا تُضرِبْ عن الحَشَفِ |
| ولا تَقِفْ في ثنايا الصَّف منتظراً |
| حسناءَ، لن تَتَخطَّى ألفَ مختَطِفِ |
| فادفع وزاحِم، وعَنْقِل كلَّ مَن سَبقَت |
| رجلاهُ رجلَيكَ، مِن شِقٍّ ومن طَرَفِ
(3)
|
| ولا تَرُدَّك عن أمر هَمَمتَ به |
| مقالةُ النَّاس: باعَ الحقَّ بالعَلَفِ
(4)
|
| أإنْ بُلِيتَ بِبِكرٍ لا أمانَ لها |
| أدرتَ ظهرَك كالقَرْفَانِ للنَّصَفِ؟
(5)
|
| فرُبَّ ذي نِعمة مال الزّمانُ به |
| وضامَه، هَجَرَ السِّيجَانَ للكُنُفِ
(6)
|
| وكلُّهم أنت فيما أنتَ فاعِلُه |
| والفوزُ بالقَصد يُنسِي لعنةَ الجَدَفِ
(7)
|
| وإنَّما الحقّ في دنياكَ مهزَلَةٌ |
| ضاعَت بعُمْرك بين القَصد والسَّرَفِ |
| فاسمعْ كلامي، ونفِّذْ ما أشرتُ به |
| يابنَ الحلال، وشلِّحْ غيرَ منكَسِفِ |
| إن الحياءَ رصيدٌ لا اعتبارَ له |
| وعزَّةَ النّفس"شِيكٌ" غيرُ منصَرِف |
| وإن واقعَنا المنكودَ: أنّ غِنى الـ |
| أنذالِ سَوَّدَ منهم كلَّ منحرِفِ
(8)
|
| فإنْ أطَقْتَ فخُضْ في الوحل تَلقَ به |
| أرطالَ قومِكَ من جانٍ ومقتَرِفِ
(9)
|
| ولا تقل: كيف أرضى الوحلَ عاقبةً |
| فالجوعُ يرضِي أسود الغاب بالجِيَفِ |
| "مَنْتا اللِّي" ضيَّعْتَ أيام الشّبابِ سُدى |
| في الفَنّ والحبّ بين الغَيّ والشَّغَفِ؟
(10)
|
| وخاب ظنُّك بالأصحابِ حين أتَوْا |
| على قروشِك في دوّامة السُّلَفِ
(11)
|
| ورُحتَ تُنفِق ما حَوَّشْتَ فَنْجرَةً |
| على النِّساءِ، وما أعقَبْنَ من خَلَفِ
(12)
|
| وأشبَعَتْكَ قضاياهُنَّ بَهْدَلَةً |
| بين المحاكم من مصرٍ إلى النَّجَفِ |
| حجزاً، ونقضاً، وإبراماً، وَطفْحَ دم |
| بَلَغتَ بالعمرِ فيها غايةَ القَرَفِ
(13)
|
| وعاد ماضيك أشباحاً تسامرها |
| على همومك في رِفق وفي عُنُفِ |
| وأنتَ في بحرِها أو فوق ساحلها |
| عُريانُ، تُشبِه صياداً بلا لَعَفِ
(14)
|
| فاليوم لو رُمتَ قِرشاً ما ظفرتَ به |
| من ناكرٍ دَيْنَكَ الماضي ومعتَرِف |
| ولو تَصَرمَحْتَ ساعاتٍ بلا كَلَلٍ |
| من الرَّغامَةِ حتى مسجِدِ الحَنَفِي
(15)
|
| لقد نصحتُك، فانهضْ غيرَ متَّئدٍ |
| فَطُولَةُ البال قد تُفضِي إلى التَّلَفِ |
| وذاك آخِرُ ما عندي، فإن صَعُبَتْ |
| عليك نفسُك، فالزَم عِيشة الشّظَفِ |
| واهربْ إلى الشِّعر مثلي، كلَّما غَثِيَتْ |
| بالحزن نفسُك، واملأْ أنهُرَ الصُّحفِ
(16)
|
| فالشّعر أصل البلاوي، وهْو كاشفُها |
| متى تخيَّرتَ أن تحيا بلا هدفِ |
| والشّعر كالفقر في إرضاء صاحبه |
| بقطعة الخبز، في كوخ، على خَصَفِ
(17)
|
| و إنما هو محرابٌ يلوذ به |
| مَن فاتَه حظُّه من سُنَّة السَّلَفِ |
| والكِذْب في الشّعر لا يُزري بقائله |
| وسارقُ الشعر لم يُقذّف إلى جُرُفِ
(18)
|
| وليس يَخلو مجالُ الشّعر من فُرَصٍ |
| عُلْيا تَدُرُّ عليك المالَ بالقُفَفِ
(19)
|
| فقد تصيبُ عِصاميّاً تؤرِّقه |
| أحلامُه في ادّعاءِ المجد، فازدَلِفِ
(20)
|
| وامدَحْه، واصنَعْ له تاريخَ أسرته |
| بما تيسَّر من دُرِّ ومن صَدفِ |
| وصُغْ له من فنون المدح مُفترياً |
| ما صاغه المتنبي في أبي دُلَفِ
(21)
|
| فرُبَّ مجدٍ بناه المالُ من ذهب |
| ورُبَّ مجدٍ بناه الشِّعر من شُقَفِ
(22)
|
| ولا يُهِمَّك علمُ العارفين به |
| هماً على الأرض، أو جهراً على الطُّنُفِ
(23)
|
| فما يَعيبُ غنيّاً سوءُ سيرته |
| كما تَعيبُ المغنّي غُنَّةُ الخَنَفِ
(24)
|
| وإنَّهم قِلَّة لا يُستساغ لها |
| قولٌ، وهل عيبَ حسنُ البدر بالكَلَف؟ |
| والرِّكُّ عَ الحظّ إن أعطاك تَذكَرَةً |
| فقد وصلت إلى اليَنبوع، فاغتَرفِ
(25)
|
| * * * |
| يا رائدَ الجِيل في فنِّ وفلسفة |
| سَلْ عن مصيرِهما في أسوَءِ الخَلَفِ |
| فإنّ زهرَك لم يفرح بمقتَطِف |
| وإنّ كأسَك لم تَهتِف لمرتشِفِ |
| قد كنتَ للجيل ميزاناً يُحكّمُه |
| فرَدَّك الفقر مِيزاناً بلا كِفَفِ
(26)
|
| فاركب إلى العيش، واشدُدْ كلَّ راحلة |
| واصبُبْ على جانِبَيْها سوطَ معتَسِف |
| فما تَدينُ المنى إلا لِمقتَحِم |
| ماضي العزيمة في عدل، وفي جَنَفِ |
| وشرُّ عهدَيْكَ، عَبْرَ العيش، خيرُهما |
| متى حلَلْتَ به في دارة الشَّرفِ |
| عهدُ الهواية ولَّى يا أبا دُلَش |
| فاخلعْ ومزِّقْ رداءَ الفنِّ، واحتَرِف |
| * * * |