شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الخَفَافيش
أطلنا.. وأوجَزنا سُدًى في عِتابِها
فهل نَتَراخَى بعدَ ذا عن عِقابِها
صَمَتنا.. فأعطينا المروءةَ حَقَّها
حِفاظاً علىَ آدابها وارتِقابها
فإن ركبت بالأمن تِيهَ غرورِها
فقد سقطت في هُوَّةٍ من مُصابِها
خفافيشُ عاشت في الظلام، ورفرفَت
بأجنحةٍ لم تَنطلِق من حِجابها
وفاقت نُسُورَ الجوَّ كِبراً وسُرعةً
وقادت زِمامَ الضَّوءِ من خَلفِ بابِها
أليسَت تَرى في الليل دربَ ذَهابها؟
أليست تَرى فيه سَبيل مآبِها؟
أليس على أوكارِها النَّدُّ والنَّدى
سحائبَ في تهويمها وانسكابِها؟
أليست إلى أعلى المرامي تطلَّعَت؟
فكلُّ مَرامي الكون مِلكُ رِكابها
بلى.. وخيوطُ النُّورِ تَشهدُ أنَّها
غَزَت ظلماتِ الكونِ بعد ضَبابِها
كذا هيَ في عُرفِ الخفافيشِ رُتبةً
تَحارُ اعتزاماتُ الوَرى في طِلابِها
بَلى، يا بُغاثَ الطَّير.. بل يا خِشاشَةٌ
تَمَشَّى على سطح الدُّنَا كذُبابِها
رأيتُ بكِ الدُّنيا تَمُوجُ كأنَّها
تَقُصُّ على المفجوعِ سِرَّ انقلابِها
أما رُزِئَتْ في الفِكر أدهى رَزِيَّةٍ؟
بِزحفِ بُغاثِ الطّير فوق ترابِها
تَهيمُ ولا تدري إلى أين تَنتهي
سوى أنها مَوكولةٌ لانصِيابِها
خفافيشُ عُمْيٌ إن تَرى الفجر أنكرَت
سَنَاهُ، كما لو كان موتاً مُجابِها
هَلُمّي إلينا يا خفافيشُ كي نَرى
ونسمعَ عن دنياكِ فَصْلَ خطابِها
ونأخذَ منكِ الفكرَ والشّعرَ والغِنا
قشوراً سَتُغنِينا بِفَيْضِ لِبابِها
مَراقٍ حُرِمناها شُيوخاً وفتيةً
وعِشنا حَيارى في فسيح رِحابِها
لقد فاتنا سَعيُ الخفافيشِ في الدُّجى
وحِكمتُها في دَرسِها وانكبابِها
فها نحنُ بعدَ الجهلِ تحت لوائِها
نُشَيّدُ أوكارَ المُنى في جَنابِها
ونَنهلُ من عِلم الخفافيشِ كلَّ ما
جَهلناه عن دِيوانِها.. وكتابِها
وعِشنا نَروضُ الشِّعرَ بعد جِماحِهِ
فتطلع شمسُ الشِّعر بعد احتجابِها
وتغدو خفافيشَ تَهيمُ بظُلمَةٍ
سَرَى بِرؤاها شاعرٌ وحَدَا بِها
أحِينَ اكتَهلنا يا خَفافيشُ مَسَّنا
بفضلِ الأذى والشرِّ ذَرْقُ شبابِها
فما رمَّدت في مَوقِدِ العَزْمِ جَمرَةٌ
ولكنّ عُوراً أخطأت في حِسابِها
ويا رُبَّ.. خفََّاشٍ أطالت بقاءَه
حقارتُه، لم يَلقَ في النّاَس آبِها
تباركتَ يا عِلم الخفافيشِ لم تَدَع
لأُسْدِ الشَّرى حتى مساتيرَ غابِها
أحطت بأسرارِ الطّبيعة والوَرَى
وأصبحتَ قاضِيْ سَهلِها وشِعابِها
ولَمْلَمتَ أرسانَ الفُنونِ ورُضْتَها
كما شِئتَ لم يُعْجِزك طولُ غلابِها
فها أنت تحت التّاج أسطورةٌ دَوَى
بها الكونُ أو أُحدوثةٌ قد سَمَا بها
ركبت بها للشمسِ واللَّيلُ نائمٌ
بُراقاً تغطّى وجهَها بنقابِها
فما نوَّرتْ من بعدُ وَكراً ولا بدَت
ومات أديمُ الأرضِ بعد غِيابِها
وكم معجزاتٍ للخفافيش غيرُها
يَضِلُّ الحِجى في صِدقها وكِذَابِها
لأنّ خيالاتِ الخفافيش وحدَها
دعائمُ، تكفي للهُدى بانتصابِها
أليست ينابيعَ الفنون على المَدى
وفي غاية استقرارِها واضطرابها
إذاً فهي قانونُ الخفافيش، لا الحِجَى
وما حزمت أوكارَها في احتطابِها
وليس إذنْ للنّاسِ شعرٌ وشاعرٌ
وغاصت بحوراً قصّروا عن عُبابِها
وما ذاع من أنبائِهم فَهْو باطلٌ
وأرديةٌ قد أجرموا باستلابِها
سوى شاعرٍ أرضَى الخفافيشَ قُدرةً
وفلسفةً طارت بكلّ صوابِها
أصابته عدوى الذَّرْقِ فانحلَّ صُلبُه
فشاطرها المَيدانَ بعد اصطحابِها
وسارت له بين الخفافيشِ شهرةٌ
تَحَيَّرَ بالسّاعين أمرُ اجتلابِها
ويا خُسْرَ من تُعلي الخفافيشُ قَدْرَه
فعاش على ما آدَه من ثوابِها
وكان غنيَّ الآدميّة قبلَها
فها هو يَجلو وجهه بخِضابِها
عواقبُ ما تنفكّ سَاخِرَةً بنا
تَفرَّقُ ألْبابُ الورى في عُجابِها
وتُركِبُنا أقدارُنا شرَّ وِجهةٍ
وليست لنا من حيلةٍ في اجتنابِها
رأيتُ لأوكارِ الخفافيش حُرمةً
من الضَّعف لم تنهَض بجُهد اكتسابِها
ولكنَّ رأياً للخفافيش قائلاً:
قضى سادِراً في غَيِّه بخرابِها
متى أطلق الخفاشُ في اللّيلِ فِرْيَةً
سيفضح ضوءُ الصبح سرَّ انتسابِها
وكتَّم خفاشٌ فظاعةَ نتْنِه
فكرَّت عليه لعنةً في انصبابِها
كذلك أوكار الخفافيش لم تزل
تغالبُ تَيارَ الحياة بعابِها
ترى العيشَ ذرقاً لا يكفُّ وظلمةً
يَغول السَّنا فيها نباحُ كلابِها
ورُبَّ نفوسٍ أعربَت عن يقينها
فأفشت بما أبدت خفيَّ ارتيابِها
ويا رُبَّ لاهٍ عَاب بالقول وادَّعى
فأشقى معانِيْهِ به واكتوى بِها
فعاد يُوَلّي وجهَه حِجرَ أمّه
ولم يَدْرِ ما غصَّت به من عذابِها
فقد فُجِعتْ فيه صبيّاً ويافِعاً
وكهلاً تَجلَّى فيه رمزُ اكتئابِها
وأُغرِقَ في ذرقِ الخفافيش بيتُها
فهاج اطرادُ الذَّرق داءَ عُصابِها
وَسرَّ بغاثَ الطير ما ساءَ أمَّه
فراح به في مَعرِض الذِّكْر نابِها
يهزّ إذا ما ضمَّه الوَكرُ ذَيلَه
ومنقارُه في ذرقه قد رمى بِها
أما نَجَّسَ الدّنيا فما احتجّ ناكرٌ
لِفِعلتِه في رملها وهضابِها؟
أما قاد أرتالَ الخفافيش خلفَه؟
وشيَّد للأوكارِ أسمَى قبابِها؟
أما قال ما شاءت سَماديرُ حِلمه
أما شقَّ للدنيا مجارِي سَرابِها؟
إذاً، فهو سلطانُ الخفافيش، ما جرَتْ
على شَرطه، في سَعيِها ورقابِها
وما النّاسُ إلاّ كالخفافيشِ مِلّةً
متى عُقِلَتْ في بُعدها واقترابِها؟
وما الشّعرُ إلاّ من عطاياه وحدَه
تأبَّطها مخبوءةً في جِرابِها
فيعطي، ولا يُعطَى، مَشيحاً ومُقبِلاً
على ظهر عَشواءٍ جَرَت وجرى بها
ويرتجِلُ التّاريخَ كالشّعر محدَثاً
فيصنعُ للدّنيا جديدَ إهابِها
ويُلغي مساعِيها تَليداً وطارفاً
وما أثمرتْ في أمنِها واحترابِها
وما اقتاتَ إلاّ من بقايا طعامِها
ولا عاش إلاّ من فضول شرابِها
ولكنَّه ذَرْقُ الخفافيشِ لم يزل
ينازعُها ميراثَها والمشابِها
وما هو إلاّ الذّرقُ، والذَّرقُ وحدَه
تراكَم في أوكارها وعِيابِها
وما هو إلاّ لُوثَةٌ ضاع بابُها
ومفتاحُه إذْ أحدثتْ في ثيابها
فإن أخطأتْ في سيرها وتَعَثَّرتْ
فقد كان هذا السُّمُ من صُنع نابِها
ألا ليتَ أوكار الخفافيشِ عَلَّمتْ
نُسورَ الحِمى ما فاتها في انتهابِها
فتلك يقيناً للهياثِمِ غايةٌ
من السَّبق لم تَنهضْ لإدراك قابِها
تعالَوْا إلى دنيا الخفافيش، وانظروا
كؤوساً خَلَت من خمرها وحَبابِها
وروضاً بلا وَردٍ، ووَرْداً بلا شَذاً
مسارحَ زهرٍ غُيّبتْ في سَحابِها
لَغَاضَ الحِجَى والفنُّ والذّوقُ والهوى
إذا سادَ في الدّنيا نعيبُ غرابِها
وهانَتْ مراقي الصّاعدين إلى العُلى
إذا أنكر اللاّهون ضوءَ شِهابِها
مهازلُ هذا الدَّهر كُثْرٌ وشرُّها
صغائرُ لا يُسليكَ خوضُ صعابِها
وقد بدأ الخفاشُ بالذّرقِ قِصَّةً
تعجَّلَه مَقدُرُوه فانتهى بها
وجَلَّ الذي أوْلَى الخفافيشَ كلَّ ما
أقام لدنياها مَضاءَ حِرابِها
إلى حيث لا تُنْجِي السّلامةُ راضِخاً
لِما أعقبتْه من تَجَرُّع صابِها
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :500  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 152 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.