ماذا وقوفُكَ بالأطلالِ والدِّمَنِ |
مُوَزَّعَ النَّفسِ بين الشِّعر والشَّجَنِ |
يَرمي بكَ الوَجدُ
(1)
|
طَوَت حياتَك طَيَّ البحر للسُّفنِ |
تَهيم فيها شَريداً لا قرارَ له |
وتُرسلُ الدمعَ مدراراً بلا ثمن |
مزَّقتَ عُمرَك لا الأحبابُ منكَ دَنَوا |
ولا بلغتَ مكاناً في ذَوِي الفِطَن |
الكاسبينَ ملاييناً، وما كدَحوا |
وأنتَ في قفَصٍ من عقلِك الزَّمِنِ
(2)
|
تَمَرجَلوا واستغلَّوا كلَّ سانحةٍ |
من المصالح في سِرِّ وفي عَلَنِ
(3)
|
وقُدتَ أنتَ رعيلَ الفنِّ متَّكئاً |
على مبادئ سقراطٍ وأهرِمَنِ
(4)
|
ورُحتَ فيها مقاييساً وأخيلةً |
لم تَحمِ قَدرَك في مسلاتَةِ الإخَنِ
(5)
|
وكان درسُك فيها لو فَطِنْتَ له |
درساً تُفيقُ به من سَكْرَة الوَسَنِ |
إذْ قامَ يَصرخُ والمِلقاطُ في يَده |
كالسَّيفِ يَهتزُّ في كف ابن ذي يَزَنِ |
وجاء من "كَرَكُونِ" الرَّيعِ ضابطُهُ |
على الزعيق وحشدٌ من ذوي حَسَنِ
(6)
|
وكان يوماً تشاطَرناه بَهدَلَةً |
وكنتُ وحدِيَ فيه دافعَ الثَّمنِ |
كيومِ وقعَتِنا بعد الغَذَاءِ على |
قِرشَينِ لم يُدفَعا في "مطعم البُيُن"
(7)
|
خرجتَ فيه بلوحِ الكِتفِ منخلعاً |
ورُحتُ خلفَك فيه وارِمَ الأذنِ |
تجاربٌ وِحشَةٌ خُضنا معاركَها |
وكان شِعرُكَ فيه مصدرَ المِحَنِ |
أما لنا غيرَ قَرض الشِّعرِ مَشغَلةٌ |
نَقضِي بها فَضلَ عُمرَينا على سَنَنِ |
ألا وظيفةَ نرجوها ولو صَغُرَت |
نَقضِي بها دَينَ راعي العيش واللَّبنِ
(8)
|
ونستردَّ بها في النَّاس سُمعَتَنا |
بعد الضَّياع -بلا شِعر- ولا سُفُنِ
(9)
|
وحَسْبُنا ما لقينا من بَهادِلِها |
وأنَّها مِهنَةٌ من أخسرِ المِهنِ |
تقضي العداة ولا تُقضَى لها عِدَةٌ |
بلقمةِ العيشِ، في ثوبٍ من السَّتَنِ
(10)
|
وَهَبْك أصدرتَ ديوانَيْ "مَهَىً ورُؤًى" |
فطار صيتُك من نجدٍ إلى عَدَنِ |
فهل تَرى بهما ما نال من مِنَح |
ذَوو السَّوابقِ في إغفاءَةِ الزَّمنِ
(11)
|
فتلك في لَمَحات الغيبِ خاطفةٌ |
من البروق تَحدَّت ظلمةَ الزَّمنِ |
مضَت بمأثور جَواها فما صَدَحت |
إلاّ بذكراه ورقاءٌ على فَنَنِ |
فالشِّعر شمسٌ، هداك الله، قد أفَلَتْ |
فعِشْ إذا شئتَ منه سالمَ البدنِ |
واهرب بجلدِك، من أهلِيه مبتهلاً |
كيلا تُلَزَّ مع الشيطان في قَرَنِ
(12)
|
فما وراءَك إلاّ النّحسُ ملتطِمَ الـ |
أمواجِ، دَهْمَلَ أرطالاً ودَهْمَلَني
(13)
|
(وايهْ لُزوم كلامي مَنْتَ عارفُه) |
مُذ ضاع عمرُك بين الشَّام واليمن؟
(14)
|
ودابَ ظهرُك بين الآخذينَ به |
رَقْعاً تمثَّلتَ فيه لعبة الإنِنِ
(15)
|
قد شِدتَها من صميم الفنِّ أبنيةً |
فهل بَنيتَ بها حَوْشاً من اللَّبِنِ؟
(16)
|
بل نِمتَ في دكَّةِ الزَّيدانِ منطرِحاً |
على البلاط طَوال الصَّيف كالوَرِنِ
(17)
|
لا أنتَ ضيفٌ فيُرجَى يومُ رحلته |
أو أنتَ في نفقات البيت ذا شَطَنِ
(18)
|
وزُغْتَ من "فندق التيسير" لا هَرَباً |
من نامِسِ اللَّيلِ بل من أجرة السَّكنِ
(19)
|
باظَت حياتُك، ماضيها وحاضرُها |
ما دام شِعرُك فيها عُقدةَ الكَفَنِ
(20)
|
وخُضتَ من غَمرات الصَّبرِ أحلَكَها |
في "قهوةِ السُّدّ" أو في "مقعد اللَّبَني"
(21)
|