(( فتح باب الحوار والأسئلة بين المحتفى به والحضور ))
|
- هذا سؤال من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول: أثبتت المرأة العربية نجاحات بالغة في المعترك السياسي، وفي نضالها الدؤوب من أجل الحرية والانتماء، هل أثرت بدورها في نتاجها الأدبي والفكري النسوي المكتبة العربية وأثبتت بالتالي نجاحها وتفوقها على الأدباء الأمر الذي جعلها تزاحمهم، وتنافسهم في الساحة الأدبية ونرجو أن تعطونا أسماء لبعض من الأديبات العربيات اللائي بتقديرك ذاع صيتهن في العالم المعاصر؟ |
- اسمحوا لي أن أقول إنني قد أكون متخلفاً أو رجعياً في هذا المجال، إذا قلت لكم إن وضع المرأة الفكري يتردى ويتراجع، المرأة تتقدم في كثير من النواحي، تقدمت في الملابس، تقدمت في التدخين، تقدمت في السهرات، أنا لست ضد هذا، ولكن أرجو ألا تكون هذه الإنجازات الحضارية المترفة والتافهة هي بديل عن العلم وعن المشاركة العلمية، عندما كانت المرأة محتجبة وتعيش في قصور الحريم - على حد تعبير الأجانب والمستشرقين - عندما كانت المرأة "حرمة". كان في الوطن العربي عدد لا يستهان به من الأديبات والشواعر، هذا العدد لم يزد في هذه الفترة، أنا أزور جامعات وأحاضر وأُحيي أمسيات في الجامعات وأحياناً النساء أكثر من الرجال في كل مجال، في سورية، في لبنان، في المغرب، في تونس، طبعاً ما عدا المملكة والكويت وبعض دول الخليج ومناطق أخرى، لكن في هذا الزحام، في هذه المعركة الشرسة التي تخوضها مع الرجل هي فكرياً وإبداعياً تتراجع للأسف الشديد. |
وقد كتبت الآن ولي مؤلف لم يطبع بعنوان دراسات في الشعر العربي المعاصر، صدقوني حاولت أن أقتنص أسماء نساء شواعر لأكتب عنهن فلم أجد إلا اسمين هما: فدوى طوقان، والتي فازت معنا منذ سنتين بجائزة الإبداع الشعري، جائزة البابطين، ونازك الملائكة التي أثبتت وجودها فعلاً كشاعرة كبيرة. ورائدة كبيرة. وكمؤرخة رائعة.. نسمع عن شواعر لبنانيات يكتبن الشعر باللغة الفرنسية، أنا لا أؤمن بهذا الكلام وأعتبره نوعاً من الكذب والتدجيل، يعني هذا الذي يجهل لغته لا يمكن أن يكتب بلغة أخرى. أنا لم أقل إن الوطن العربي عقم عن إنجاب السيدات، لكن كما قلت إن العدد قليل جداً قياساً بعدد المتعلمات، يعني عندما نقول يوجد الآن في مصر وفي سوريا وفي المغرب العربي سبعون جامعة بدون مبالغة، نصف عدد الطلبة من الإناث. |
كل المجالات مفتوحة أمام المرأة فإذا كانت في بلاد الشام في القرن التاسع عشر يوجد عشر شواعر، فالمفروض أن يضرب هذا الرقم بعشرة الآن، لكن حتى هذا الرقم غير متوافر في كثيرٍ من الأحيان، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد شواعر، توجد كما قلت فدوى طوقان ونازك الملائكة. والروائية الكبيرة غادة السمان، ولكن هذا العدد قليل جداً قياساً إلى المرحلة التعليمية التي قطعتها المرأة وقياساً إلى الفرص المتاحة لها الآن. |
- سؤال من د. غازي الزين عوض الله من جامعة الملك عبد العزيز قسم الإعلام يقول: من أصعب الأجناس الشعرية الشعر المسرحي، كيف وأنتم أحد الرموز في إبداعه تستطيعون أن توفقوا بين حريتكم الإبداعية وبين الغرض الاجتماعي، سواء أكان سياسياً أو إجتماعياً وعلى حساب من يكون الشعر في معادلته الصعبة في كسر أحد أطرافها أو أحد حواجزها؟ |
- أولاً أنا لم أكتب شعراً مسرحياً، ولكنني أكتب مسرحاً شعراً، وشتان بين الكتابتين.. واستطعت أن أحقق هذه المعادلة الصعبة، أنا فهمت ماذا يريد الأستاذ الجليل، وهو كيف يحتفظ الشاعر بالشعرية والدرامية في آنٍ واحد، لو كان كل كاتب مسرحي وكل شاعر من الألوف، لعلكم قرأتم عن معجم البابطين، الذي يوجد فيه أكثر من ألف وستمائة شاعر، لو كانت كتابة المسرحية الشعرية سهلة، وتحقيق هذه المعادلة العصية سهلاً، لكان كل هؤلاء المئات أصبحوا شعراءَ مسرحيين يكتبون المسرحية الشعرية ببساطة، لكن العملية ليست بهذه السهولة، ولهذا نجد خلال المسرح العربي بدءاً من أواسط القرن التاسع عشر، وحتى أواخر القرن العشرين، أي حوالي مائة وخمسين سنة، نجد أن النصوص المسرحية الشعرية أو الدرامات الشعرية التي أبدعها العرب وسجلت لحسابهم كإبداع نوعي في الأدب العربي تكاد تعد على الأصابع. |
كتابة مسرحية شعرية من أصعب وأعنف أنواع الكتابة، القصيدة قد تتفجر في لمحة واحدة، مثل البرق، مثل عود الثقاب، مثل اللعبة النارية التي تتفجر في لحظات، وتنتهي ويدونها الشاعر على الورق، لكن الشاعر المسرحي يحتاج لهذا التفجير أن يتمدد على إمتداد عشرين أو ثلاثين مشهداً تتشكل منها فصول الدراما الشعرية، يعني الشاعر المسرحي يحتاج إلى نوع من الجَلَد والصبر والأناة والقدرة على الوصول إلى بوابة الرؤية الشعرية على امتداد ربما شهور كاملة حتى ينجز مسرحية شعرية، لهذا أعتبر عندما قيل (المسرح أبو الفنون) لا يقصد به المسرح النثري واللهجات العامية التي نسمعها ونقرؤها في الدراما التلفزيونية وعلى المسارح التجارية، المقصود به هو المسرح الشعري، لأن المسرح - بدأ تاريخياً - بدأ شعرياً، واستمر حتى أوائل القرن العشرين وربما في خلال القرن العشرين هنالك شعراء اليوت وبودلير مثلاً ظلوا يكتبون المسرح الشعري والذي ظل بمثابة العملة النادرة أو اللغة النادرة والضنينة في حياة العالم. |
الآن أنتم كمتابعين لهذه الحركة الإبداعية المعاصرة، الشعر والمسرح، أنا لا أقول تبجحاً، ولكن الذين كتبوا المسرح الشعري من جيلنا أربعة أو خمسة. هم صلاح عبد الصبور ومعين بسيسو رحمهما الله وعبد الرحمن الشرقاوي وربما علي أحمد باكثير في قليل من إنتاجه ومحمد إبراهيم أبو سنة وإبراهيم العريض من البحرين رحمه الله، والذين يكتبون المسرح الشعري يعدون على الأصابع، لأنها عملية صعبة جداً وهي تحتاج من الشاعر أن يوفق بين الخط الدرامي، بين توتر الحدث، وبين الشعرية حتى لا يطغى القول على الدرامية أو لا يطغى الفعل الدرامي على جمالية الشعر.. وأحاول أنا قدر جهدي أن أعمل ذلك ولا أعرف إلى أين وصلت، ولكن الذي يطمئنني أو يدفعني لأكتب المزيد، ومحاولة كتابة المزيد هو بدون تبجح أو مبالغة أقول لكم بوضوح والوثائق عندي أن بجامعات المغرب فقط كتب عن مسرحي الشعري ثلاث وعشرون أطروحة جامعية، فقط في جامعات المغرب، يعني في وجدة وفاس والدار البيضاء ومكناس الخ.. وهذه العناية أكاديمية بالمسرح الشعري تدلني على أنني أمشي في الطريق ربما الصحيح. |
- المربي الأستاذ مصطفى عطار يقول: ما قصة مصنع الموبليات والنقش على خشبها في الكويت؟ |
- أولاً عندما التحقت كنت في بداية حياتي.. عندما تقدمت لفحص الشهادة الابتدائية وكان اسمها السرتفيكا في تلك الفترة لم يكن في القرية مركز للفحص، كان المركز في قضاء النبك، والفرق بينهما ثمانية كيلومترات، فكان الطلبة الذين يذهبون لتقديم الامتحان إما يركبون على بعض الحمير أو يركضون ركضاً أو يتعلقون في باص من الباصات القديمة التي تحتاج إلى دفع أكثر مما تمشي، وهناك تقدمت بفحصي وكانت النتيجة أنني فزت، طبعاً كان الأوائل أو الثلاثة الأوائل من كل محافظة يحوزون على ميزة اسمها كرسي مجاني في إحدى ثانويات العاصمة، أو الحواضر سواء في دمشق أو حمص، أي أن الطالب يعفى من كثير من مستلزمات التعليم، حتى تلك المستلزمات الباقية، مثل الحذاء والكسوة والقلم والدفتر لم اكن أملك ثمنها لا أنا ولا والدي فالتحقت بحرفة النجارة وأتقنتها والحمد لله بسرعة فائقة. وإلى جانبها كنت أستأجر الكتب كما قلت في بداية حياتي، وكما يقولون المحبة تأتي عن طريق الإلفة، يعني أنا أرغمت أن التحق بهذه الحرفة لكي أعيش، ولكن مع طول الوقت أصبحت أجد لذةً في ممارستها، وحتى الآن، وبعد الدكتوراة وبعد خمسين كتاباً وبعد المحاضرات في الجامعات ومع هذا أحياناً أنزل إلى مصنع النجارة الذي يديره ابني الآن في يبرود وأشتغل بيدي، أتلذذ فقط بممارسة هذا العمل كنوع من تحقيق الذات. |
- الأستاذ محمد أمان أحمد سليم يقول: أعمالكم موجودة في الأسواق والقصيدة قبل الأخيرة التي ألقيتموها في أي الدواوين هي؟ |
- قصيدة "علي" التي اسمها (دمعة جاهلية) لم تنشر بعد، قصيدة (سفانة والريح) لم تنشر بعد، ما تزالان مخطوطتين. |
- الأستاذ غياث عبد الباقي يقول: ينادي بعض شعراء وأدباء العرب بالتطبيع الثقافي والفكري مع إسرائيل، التي تحتل قلب العروبة فلسطين وغيرها من البلاد العربية، فما رأيكم في مثل هؤلاء وفي مثل تلك الفكرة. |
- أنا أعتقد أن هؤلاء يعني يستحقون الرثاء والشفقة، هؤلاء المساكين، أنا لا أستطيع أن أتصور أن عربياً ومسلماً احتلت أرضه وتمزق عرضه، ونهبت داره، يصافح هذا اللص ويقول له أنا أسمح لي أن أتطبع بثقافتك، يعني الذين قاموا بهذا العمل معدودون على رؤوس الأصابع، منهم شاعر كبير يبحث عن جائزة نوبل بأي ثمن، يعني حتى لو مسخوه إلى قرد وركب بيريز فوق كتفيه، فقط أن يعطوه جائزة نوبل، هذا ما يسعى إليه، وهناك قلة من الذين يلتصقون بالحكام ويمسحون الجوخ ولديهم إستعدادات للمديح ولإسباغ صفات الله على الحاكم، هؤلاء موجودون، مثل هؤلاء الناس لا يعتد بهم، وهؤلاء ملفوظون وباعوا أنفسهم بشكل رخيص، وأنا لا أستغرب أن ينادوا بعملية تطبيع مع إسرائيل، ولكن أؤكد لك أيها الأخ العزيز لو أن كل حكام العرب وافقوا وصافحوا إسرائيل واعترفوا بوجود إسرائيل، والله سأظل أنا واحداً من المبدعين الشرفاء الذين يقولون لا لإسرائيل حتى لو أعدمت في ميدان في دمشق أو القاهرة. |
- الأستاذ علي حسون يقول: ألا ترون أن وضع المرأة العربية والذي فهمت من حديثكم عنها أنها متخلفة ولا يناسب مع ما وصلت إليه من تعليم، ألا ترون أن الرجل ما زال يمارس تسلطه. أو لنقل دكتاتوريته عليها بحكم أسبقيته لها وبالتالي يخشى منها فيقوم بقمعها الأمر الذي جعلها دائماً خلفه بخطوات رغم أنهن شقائق الرجال. |
- طبعاً هذا الكلام فيه كثير من التوسع، يجوز أن يكون هذا الكلام صحيحاً في بعض الأوطان العربية، ولكن الذي قلته أن في الأقطار التي تحررت فيها المرأة ومارست وجودها كالرجل، يعني المرأة التي تقود سيارة وتدخن وتشرب الويسكي، والويسكي أصناف طبعاً، وتسهر حتى مطلع الفجر، وتكتب وتشارك في تحرير الصحف وتشارك في كل النشاطات، هذه كيف تكون مقموعة، أنا لا أصدق هذا الكلام، في هذه المواقع بالذات أرى المرأة متخلفةً إبداعياً، يعني هذه النتائج التي نراها أمامنا، أنا زرت إيران بدعوة، وأرجو ألا يفهم من حديثي أنني أقوم بدعاية لأي سلطة سياسية، ولكن عام 1992م زرت إيران بدعوة من وزير الإرشاد الإسلامي والثقافة، وكان اسمه دكتور خاتمي، وشاركت بمحاضرة كان عنوانها الرمز الإسلامي في المسرح العربي المعاصر، وبعد أن تُرجمت وألقيت في نواديهم احتككت بمستويات الحياة في إيران ورأيت أن المرأة تشارك في كل الأعمال التي يقوم بها الرجل في إيران، هي تتاجر تبيع وتشتري كجداتنا اللائي قرأنا عنهن في صدر الإسلام، كانت المرأة تتاجر، كانت ترعى الغنم وكانت تقاتل، والدليل خديجة بنت خويلد زوجة الرسول الأعظم، هي المثل الأعلى للنساء، المرأة تقود سيارة، شاهدت امرأةً في إيران تقود طائرة مدنية بوينج 747، المرأة تقف على المسرح، المرأة تؤلف، المرأة تترجم، المرأة تعمل في الصحافة وهي محجبة، والحجاب لم يقف عائقاً بين المرأة وبين ممارستها الحضارية المسهمة في صنع الحضارة الحقيقية، لكن للأسف الشديد في بعض الأقطار العربية والإسلامية المرأة تحررت من ملابسها فقط ولم تتحرر من أي شيء آخر. |
- الأستاذ عبد المجيد الزهراء يقول: كانت ثانوية جودت الهاشمي بدمشق ذات تأثير كبير وعظيم، بأساتذتها ومدرسيها آنذاك، فهل كان لها من أثر على بداياتكم الأدبية؟ |
|
- لا شك أن الذين كانوا يدرسون في ثانوية جودت الهاشمي علماء، علماء حقيقيون وهم الذي أسسوا مشروع اللغة العربية، مثل محمد كرد علي؛ وهاشم خوري؛ وخليل مردم بيك، هؤلاء العلماء الأفاضل كانوا يُدرِّسون في ثانويات دمشق، فمن الطبيعي أن أكون أنا تلميذاً لهؤلاء شعرياً وثقافياً وحتى حضارياً.. سواء في مؤلفاتهم أو إحتكاكي بهم أو في جلساتي في منازلهم الخ.. وهؤلاء هم الجيل الذي علمنا حب اللغة وعلمنا حب الشعر وعلمنا الأنفة والأباء. |
|
- من الأستاذ محمد بن محمد الوظاف اليماني يقول: هل هناك من ملحمة تسطر جهاد إخواننا شعب الشيشان المسلم بقيادة المجاهد المسلم جوهر؟ |
|
- أنا لا أعتقد أن أحداً كتب شيئاً من هذا القبيل، ولكن أحب أن أؤكد أن كتابة الملحمة لا تتم عند حدوث الملحمة، يجب أن تمر فترة اختمار وحتى تنغرس وتصبح جزءاً من خلفية حضارية للشاعر حتى يستطيع أن يكتب عن تلك الملحمة. وأنا سأضرب لك مثالاً على ذلك.. عندنا بطل عظيم اسمه يوسف العظمة، كلكم سمعتم أو عرفتم عنه شيئاً، يوسف العظمة ضابط عثماني تخرج في الاستانة. وشارك في تشكيل أول حكومة بقيادة فيصل الحسين بعد الثورة العربية الكبرى في دمشق سنة 1919م وكان وزيراً للحربية، وطبعاً كانت المؤامرات البريطانية الفرنسية. ومؤامرة سايكس بيكو وتقسيم الوطن العربي إلى أجزائه الحاضرة، ومن جملتها دخول الجيش الفرنسي لاحتلال سوريا واستعمارها كما كان متفقاً عليه، كان الملك فيصل قد مرت عليه خدعة الحلفاء وسرح الجيش، وكانت من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها فيصل بن الحسين عندما اطمأن إلى وعد فرنسا والحلفاء وسرح الجيش وبقيت سوريا بلا جنود، عندها دخلت فرنسا بقيادة الجنرال غورو إلى لبنان وإلى دمشق، يوسف العظمة كان وزيراً للدفاع، يوسف العظمة لملم شتات الجنود المتطوعين بالعصي، وحتى عندنا مثل يقول إن جنود يوسف العظمة حاربوا بالأراجيل (الشيش) لم تكن هناك أسلحة إلا بقايا أسلحة أنهكتها الحروب، وسافر إلى وادي ميسلون الذي خلد باسم يوسف العظمة، أوقف الزحف الفرنسي ست ساعات، وقالوا له أنت مجنون، أنت تحارب هذه القوة المدمرة، قال سأتمزق تحت جنازير دبابات فرنسا حتى لا يكتب التاريخ أن فرنسا احتلت سوريا بدون مقاومة. |
|
بعد مضي ثلاثة أرباع القرن على هذه الحادثة، كتبت قصيدة أسميتها ميسلون أو عودة العنقاء واسمحوا لي أسمعكم لمحة صغيرة.. حاولت في هذه الملحمة أن أخرج يوسف العظمة من صرامة التوثيق التاريخي، أدخلته في عالم الميثولوجيا، أي في الأساطير، وأخرجت الحدث الذي قتل فيه يوسف العظمة أيضاً من مجال الحرب البشرية، يعني عندما يقرأ أي إنسان هذه الملحمة التي ستطبع إن شاء الله - إذا وجد من يطبعها لأن الشعر لا يطبعه أحد - سترون كيف أن أحداث الحرب تحولت إلى أحداث أسطورية فعلاً، هذه الملحمة مؤلفة من أحد عشر فصلاً، الفصل الأخير أسميته مشاهد، وهذه المشاهد تكونت طبعاً بعد مقتل البطل العظيم يوسف العظمة. في أحد هذه المشاهد وهي سبعة أو ثمانية أقول: |
|
مشهد - 2 -
|
وعلى واحَةِ أَعْنابٍ وَرُمّانٍ وَتينْ |
زَيَّنَتْ وادي الْحَريرْ
(1)
|
لامَسَتْ راحَةُ فَلاَّحٍ دَماً |
نَزَّ مِنَ الأَرضِ فَخافْ |
ظَنَّهُ طائِرَ شُؤْمٍ |
ظَنَّهُ إحْدى عَلاماتِ الْحَفافْ |
شَمَّهُ مُرْتَعِداً |
كانَ مَزيجاً مِن فَتيتِ الْمِسْكِ وَالكافورِ |
غَلَّ الراحَةَ الأُخرى.. فَشافْ |
جَدْولاً مِن عَنْدَمٍ ما زال فيهِ دفئُهُ |
يَجْري جَنوبا |
ناشِراً في مُهْجةِ الأَرْضِ الطُّيوبا |
راعَهُ الْمَشْهَدُ، وَلىَّ |
لَحظاتٍ ثم أَقْبَلْ |
وعلى التُّربْةِ صَلىَّ |
قَرَأَ (اْلإِخلاصَ) و(اْلفَجْرَ) وآياتِ (اْلبَلَدْ) |
وهوَ ما بينَ حُضورٍ وغيابٍ وانْخِطافْ |
-: ما الَّذي أُبصِرهُ؟ |
حُلُمٌ أَمْ يَقظَةٌ؟ |
وأنا في العالَمِ الْعُلْويِّ أَمْ في الْعالَمِ السُّفْلِيِّ |
أم في واحَتي وقْتَ الْقِطافْ؟ |
ثم طافْ |
حَوْلَ ما سَمَّرَ عَيْنيهِ ذُهولاً. ثم نادى |
-: دَمُ مَنْ هذا؟. وأيْنَ الْمُنْتَهى؟ |
سَمِعَ الوادي يُنادي |
-: يوسُفُ الْعَظْمَةُ أَلْقى دَمَهُ |
قَبْلَ الزَّفافْ |
لِيُرَويِّ الأَرضَ حتى الْمسَجِد الأَقْصى |
وفي حَيْفا نِهاياتُ الْمَطافْ |
أَوْصِلِ الصَّوْتَ |
وبَلِّغْ مَنْ تَرى هذا الهُتافْ |
|
مشهد - 3 -
|
ورأى سارٍ صَلاحَ الدينِ في إِحْدى اللَّيالي |
سارِياً غَرْباً بوادي بَرَدى |
تَنْضَحُ الأَطْيابُ مِنْ غُرَّتهِ |
عاقِداتٍ خَلْفَهُ |
مثَلْ أَطْواقِ النَّدى |
كان في جُبَّتهِ طيرٌ غَريبٌ |
كُلَّما لامسَ في الوادي انْحِناءاً غَرَّدا |
وعلى مِثْلِ بِساطٍ مِنْ نَسيجِ الضَّوءِ لَمَّا فُرِدا |
قرأَ القرآنَ |
صلَّى الصُّبْحَ |
تحتَ الْقُبَّةِ الدريَّةِ الْمَنْحِ |
بوادي مَيْسَلونَ |
كانَ في عينيهِ حُلْمٌ |
ضاقَ عَنْ مَشْهَدهِ عَرْضُ الْمَدى |
قلتُ: يا مولايَ |
كُنْ ضَيْفي |
فَغابْ |
وكما الضَّوْءُ بِمَوْجِ الْبحرِ ذابْ |
وشدا |
كَحفيفِ الموجِ صوتٌ |
جاءَ متبوعاً بصوتٍ يملأُ الْوادي صَدى |
-: يوسفُ الْعظْمَةُ مازالَ هُنا |
يطلُبُ مِنَّا الْمدَدَا |
|
|
مشهد - 4 -
|
أَبْصَرَ الْمُصبحُ عُشْباً |
جالَ حولَ الْجسرِ |
في خَلْقٍ خُرافِيٍّ |
وتَشْكيلٍ خُرافِيٍّ |
فَغَطْىَّ جَبلَ الْخُلدِ |
وسَفْحَ الْمَجدِ |
والرَّمْلَ بِوادي مَيْسَلونْ |
ولَهُ رائِحَةُ النَّعْنعِ والْجُورِيِّ |
في طعمٍ غريبٍ |
عن نَباتِ الأَرْضِ عن أَيِّ ثَمَرْ |
قيلَ: مَنْ يَمْضَغُ مِنْ أَوْراقِهِ |
مِزْقَةً في حَجْمِ جِفْنِ الْعَيْنِ أَوْ حَجْمِ الظُّفُرْ |
ينقلبْ نَسْمةَ خَيرٍ |
تَتَمطَّى غَيْمَةً |
بالطول والْعرضِ |
تَرُشُّ النِّدَّ، والْعَنْبَرَ، والْفُلَّ، وفَوْحَ الياسَمينْ |
مِنْ شُروقِ النَّخْل في الأَحْساءِ |
حتى الْمَغربِ الأَقْصى |
مُروراً بتُرابٍ |
قُرَشِيِّ الْفَوْحِ حَوْلَ الْقُدْسِ |
صَلَّى فَوقَهُ يَوْماً "عُمَرْ" |
|
مشهد - 5 -
|
شاهَدَ الرُّعْيانُ أَسْرابَ حَمامْ |
هدلَت في مَيْسَلونْ |
قيلَ: مِنْ مَكَّةَ جاءَتْ |
قيلَ: كانَتْ تَحْرُسُ الْبَيْتَ الْحَرامْ |
حَوَّمَتْ في فُسْحَةِ الْوادي صَباحاً |
وإذا الشمسُ هَوَتْ مِنْ نَعَسٍ |
تَفْترشُ البحْرَ |
وتَلْطو في مَنامْ |
حَلَّقَتْ أَسْرابُ مَكِّيِّ الْحَمامْ |
عالِياً في أُفُقِ الْوادي كَقِطْعانِ الْغمَامْ |
وإذا ناشِئَةُ الليلِ دَنَتْ |
لامَسَتْ أَجْنِحَةٌ وَجْهَ الثَّرى |
واتَّجهَتْ نَحْوَ الشّآمْ |
سَمِعَ الرُّعيانُ صَوْتاً |
كَهديرِ الرَّعْدِ مَتْبوعاً بأَشْباهِ الْكَلامْ |
تَرْجَموهُ: |
ساكِنو مَكَّةَ |
يَهْدونَ عَريسَ الْمَجْدْ |
يوسُفَ الْعَظْمَةَ مَكِّيَّ الصَّلاةْ |
وقُرَيْشِيَّ السَّلامْ |
|
|
مشهد - 6 -
|
ومُنادِ |
قيلَ لم يُعْرَفْ إلى الآنَ |
وطَوَّافٍ على كُلِّ النَّوادي |
لِيُنادي: |
أَيُّ أَعْمىً عَرَبِيٍّ |
مِنْ حْدودِ الْبَصرِ الْمُغْلَقِ |
حتى الْحُلُمِ الْمَسْدُودِ بالْقَهرِ |
إلى عُمْقِ الْبوَادي |
إنْ يَزُرْ في مَيْسَلونٍ بُقْعَةً |
فيها بقايا يابِسَةْ |
مِنْ قَميصٍ يوسُفُ الْعَظْمَةُ يَوْمَاً لَبِسَهْ |
سوفَ يَرْتَدُّ بَصيراً |
مثلَما يَعْقوبُ يوماً لامَسَهْ |
حَيَّرَ التاريخَ هذا الصَّوْتُ |
لكنْ مَنْ يُنادي |
إنَّ أَرْضَ الْعَرَبِ الْعَرْباءَ |
مَلأى بالْعَمى |
والْعُمْيُ ما شَمُّوا قَميصاً |
يوسُفُ العظمةُ يوماً لَبِسَهْ |
إنهم خافوا |
بِظِلِّ الذُّلِّ والإِذْلالِ حتى مَلْمَسَهْ |
|
1995 |
سؤال من الأخ مفضل الوزير يقول: في رأيكم كيف نستطيع أن نحافظ على لغتنا العربية ونعيد لها مجدها خاصة وقد أصبحنا في وقت أصبح فيه شبابنا العربي يتنصل من لغته القومية وينظر إليها نظرة إستهزاء وتخلّف من خلال ترقيع لغته القومية باللغة الإنجليزية؟ |
- أرى أن الإنسان لغة.. الإنسان لغته التي يتكلم بها.. العلاج هو أن نُفهم أطفالنا أنهم هم لغتهم وأن لغتهم تعنيهم هم، تعني وجودهم، تعني مزيجهم الحضاري، تعني إستمرارهم، تعني بقاءهم، واللغة ليست أداة لنقل المعرفة كما قيل، أبداً، هذا الكلام سطحي جداً، اللغة أنت.. والدليل على ذلك أن إخواننا في المغرب العربي عندما تركوا لغتهم سواء بالرضى، أو بالإكراه وانحازوا إلى اللغة الفرنسية، تعلموها ونسوا اللغة العربية تحولوا إلى فرنسيين بالولاء، وهناك كلمة مشهورة للجنرال ديجول يقول. (إن اللغة الفرنسية فعلت ما لم تفعله جيوش فرنسا في العالم)، وحتى هذه اللحظة، أنا كنت في الجزائر بدعوة من وزير الثقافة الجزائري السابق، الذي أصبح وزير تربية الآن الدكتور سليمان الشيخ وهو ابن شاعر الثورة الجزائرية مبدي زكريا، واحتككت بهؤلاء الناس ووجدت الاحتقار على وجههم، إحتقار الشعب العربي واحتقار اللغة العربية، لكن المصيبة أن هؤلاء لا يعرفون العربية، العربي الذي يحتقر العربية هو يجهلها والإنسان عدو ما يجهل، وما جهل، وكانت فرنسا تعلم علم اليقين أن خلع العربي من لغته يعني خلعه من وجوده، خلعه من إنتمائه، خلعه من تاريخه، خلعه من تراثه، من كل ما يربطه بالوجود، وتحويله إلى إنسان تائه ضائع في هذا الكون.. |
علينا أن نعلم هذه الحقائق لأطفالنا وأن لا نتساهل معهم في تعلم اللغة واستخدامها.. لكن الآن ألاحظ وكنت أحدث شيخنا الجليل داخل القاعة الكريمة أنني كنت في مناقشة أطروحة دكتوراة لسيدة في سوريا فوجدت مئات الأغلاط الإملائية والنحوية في أطروحة دكتوراة في الأدب العربي واللغة العربية، إذا كان مستوى التعليم وصل إلى هذا الحد من الرداءة فلا نستطيع أن.. لكن نحن كما قال شيخنا الأستاذ عبد المقصود بالداخل إن بنية الطفل تعتمد ليس على أساتذته فقط بل على الأسرة ودور الأسرة وعلى مراقبة أبويه له.. |
|
وكما نراقب أبناءنا في سلوكهم حتى لا ينحرفوا، علينا أيضاً أن نراقبهم حتى يتقنوا هذه اللغة، أنا شخصياً أقوم بهذا الدور أمام أبنائي، إبني طبيب وظللت شبه دكتاتور عليه حتى أصبح يكتب مثلي وهو طبيب لكن يكتب اللغة العربية بشكل جميل كما أكتبها أنا.. وأنا أعتقد لو أني تركته لما خرج منه شيء، عندي ولد آخر يعمل في الصحافة في الخليج، أقصد الأهل هم المسؤولون عن أبنائهم أولاً وليست الجامعة أو المدرسة.. أساتذة الجامعة لا يعرفون اللغة العربية والحمد لله. |
|
- الأستاذ محمد الشناوي يقول: في إستعراضكم للأسماء التي اهتمت بالمسرح الشعري لم يرد اسم أمير الشعراء، رغم أنه كان من السابقين في إبداع هذا اللون فهل حدث هذا النسيان أثناء الرد أم أنكم لا تصنفونه ضمن مبدعي هذا الفن؟ وهل ما كتبه كان شعر المسرح أم مسرحاً شعرياً؟ وشكراً. |
|
- أولاً هناك خطأ تاريخي علينا أن نتحقق منه، وأنا حاولت جهدي أن أصحح هذا الخطأ، أحمد شوقي رحمه الله أستاذنا، وسيد من كتب المسرحية الشعرية طبعاً في أطوارها الأولى، لم يكن هو رائد المسرحية الشعرية، أحمد شوقي حلقة في سلسلة طويلة بدأت قبله بنصف قرن، يعني أول مسرحية شعرية كتبت باللغة العربية كتبت سنة 1867م.. يعني قبل 30 سنة من كتابة أحمد شوقي، لكن أحمد شوقي له فضل كبير جداً على المسرح الشعري هو تليين لغة الشعر أمام المسرح، برغم إحتفاظ أحمد شوقي بالبحور الكلاسيكية، وبرغم صياغته كل مسرحياته ضمن القوالب الكلاسيكية وبالرغم من أن أحمد شوقي له كثير من الشعر المسرحي وليس المسرح الشعري، يعني هناك قصائد مثلاً التي غناها مثلاً قصيدة واحدة من عشرين بيتاً تُغني وهذا لا يجوز في المسرح الشعري، لكن أحمد شوقي شاعر مسرحي كبير وله فضل عظيم في تليين اللغة وتطريتها حتى وصلت إلينا، وأنا أعتبر نفسي تلميذاً فقط من تلاميذ أحمد شوقي، لكن تجاوزت المفاهيم السائدة في عصر أحمد شوقي والطريقة التي كتب بها، لكن أحمد شوقي إذا لم يذكر لا أستطيع نكرانه طبعاً كحلقة كما قلت في هذه السلسلة الكريمة من الذين أسهموا في بناء المسرح الشعري، وكان وجوده أكثر من ضرورة والذي كتبه كان يخدم المرحلة التي عاش فيها، يعني لو أن في عهد أحمد شوقي مثلاً في بداية هذا القرن كتبت مسرحيةً شعريةً بلغة التفعيلة لكان عباس محمود العقاد أقام الدنيا وأقعدها واعتبرها نثراً كما أعتبر شعر عبد الصبور نثراً.. لكن الأشياء تأتي في عصرها وفي مقدماتها وفي الظروف التي تخدم مسيرتها. |
|
عزيز أباظة مسرحي مهم فعلاً وكتب مسرحيات شعرية قد تكون درامياً أقوى من مسرحيات أحمد شوقي، لكن شعرياً هو لم يصل إلى مستوى أحمد شوقي هذا هو الفرق بين الاثنين. |
|
- عبد المقصود خوجه: لا أود أن أقول مسك الختام، لأننا نود أن يكون مسك الختام لهذه الأمسية قصائد من شاعرنا الكبير لنستمع إليه ونسعد أكثر وأكثر.. الأديب اللامع الدكتور عبد الله مناع له كلمة فأرجو أن يتفضل بها: |
|
|
|