| أخَيرُ سَبِيْلَيْكَ، التي تتجنَّبُ..؟ |
| وأدنى حَبِيْبَيْكَ، الذي لا تُقرِّبُ؟ |
| فياليت لي منكَ التجَنُّبَ والقِلا |
| وراءَهما وُدُّ الفؤادِ، المُغَيَّبُ |
| فرُبَّ ابتسامٍ، دونَه وَغرَةُ الحَشا |
| وإعراضَةٍ فيها الحَنانُ المُحجَّبُ
(1)
|
| وُقِيتَ الأسى، لو أنصفَ الحبُّ بيننا |
| لَمَا بِتُّ أرضَى في هواكَ، وتغضَبُ |
| ولكنَّه المقدارُ، يعبَثُ بالفتى |
| على وَضَحٍ، وهوَ البَصيرُ المُدَرَّبُ
(2)
|
| * * * |
| صبرتُ، وما صبرُ امرئٍ لم يعُدله |
| على يأسِهِ فيما يُحاولُ، مَذهبُ: |
| أيُقدِمُ؟ والإقدامُ خُطَّةُ يائسٍ |
| رأى أنَّ ضِيقَ الموتِ للنَّفسِ أرحَبُ |
| أيُحْجِمُ؟ والإحجامُ فُسحَةُ سَاعةٍ |
| سيَعقُبُها عُمرٌ كرِيهٌ معذَّبُ |
| وما هُوَ بالمختار في ذَينِ، إنَّما |
| ضرورتُهُ تُملي عليهِ، وتَغلِبُ |
| وما خَيرُ أمرَين استوى فيهما الحِجَا |
| على غَمرةٍ من حالكِ الشَّكِ يَضرِبُ |
| إذا ما انجَلى مِنا فَأقشَعَ غَيهَبٌ |
| تَكَنَّفَهُ فيها، فَأطبَقَ غَيهَبُ |
| أصارعُ من أمواجِها اليأسَ والرَّدى |
| وإنَّ الذي بَعدَ السَّلامَةِ أرهَبُ |
| وهل بَعدَها إلاّ غِلابِيكَ مِحنَةً |
| وإن كنتَ تَعمَى عندَ من لا يُجَرِّبُ
(3)
|
| فما مِنكَ للعاني ذُراكَ حِمايةٌ |
| ولا فيك للرَّاجي جَميلَكَ مَطلَبُ |
| وأنتَ كَمَتنِ البحرِ ما فيه مَأمَنٌ |
| لِسَارٍ، ولا فيه لِعَطشَانَ مَشرَبُ |
| وفي موجِك الرَّجَّافِ، والمَوجُ دونَهُ، |
| مخاطِرُ ما تنفَكُّ تُغرِي وتُعطِبُ |
| طَوت أيَّ جَبَّارٍ، طَوَى البَحرَ هَمُّهُ |
| وخَلَّتهُ مَغصوباً، وقد كان يَغصِبُ |
| فإن زَهَّدَتنِي في حِماكِ مَخاوِفي |
| دعَاني -فَلَبَّيتُ- الهَوَى والتَعَتُّبُ |
| وما فَرَحِي بالقُربِ منكَ مَسَرةٌ |
| ولكنَّهُ بَرقٌ من الوَهمِ خُلَّبُ |
| * * * |
| وتُشرِقُني منكَ البشاشةُ بالأسى |
| وأحسُدُ من تلقاهُ حين تُقطِّبُ |
| مخافةَ أن تُبدِي ليَ الحبَّ خُدعةً |
| وَيَغنَمَهُ ذاك البعيدُ المُقَرَّبُ |
| * * * |
| تجهَم، ولا تضحَك فَرُبَّ ابتسامةٍ |
| صفَت، تحتَها نارُ العِداءِ تَلَهَّبُ |
| ولا تَلقَني بالقولِ فاض عُذوبةً |
| فما سِحرُ لفظٍ رقَّ عُقباهُ مَعطَبُ |
| ولا تُدنِني، فالقربُ إن كان كُلفةً |
| فَللنَّأيُ أبقَى للودادِ، وأصوَبُ |
| ولولا مَسيسُ الوَجدِ، لم أطوِ غُصَّتِي |
| على أملٍ في البعدِ، والبعدُ مُجدِبُ |
| فمَن كَذَبَت عند الدُّنُوِّ بُروقُه |
| فإنَّ مَجالِيها على البُعدِ أكذَبُ |
| ولكنَّها أمنيَّةٌ قد جهلتُها |
| ويا رُبَّ مجهولٍ يُرادُ، ويَعذُبُ |
| فإن بَلَغَتهُ النَّفسُ عافَتهُ وارعَوَت |
| وشأنُ قلوبِ العاشقينَ التَّقَلُّبُ |
| سِوى قلبِ موصولِ الضَّلالِ، عرفتَه |
| لسانُكَ يُعطِيه، وقلبُك يَسلُبُ |
| جهلتَ على عِلمٍ حقيقةَ حبِّه |
| فأسلمتَه للشَّكِ يُضوي ويَنهبُ
(4)
|
| على أنه الشَّاري، هَنَاكَ، بِرُوحِهِ |
| وباذِلُها إن عَزَّ دُونَك مُرغَبُ
(5)
|
| وما هُوَ بالسَّالي هَوَاك على المَدَى |
| ولا بالذي يَهوى بديلاً، ويَطلُبُ |
| وما يدَّعي فيكَ المُحالَ وإنَّما |
| يَدومُ وِدادُ النَّفسِ والحُسنُ يَذهَبُ |
| وما الحُسنُ في حُبِّيكَ مَبعثُ فِتنةٍ |
| فإن زالَ زالت، والهوى ليس يُوهَبُ |
| ولكنَّها معنىً من الوُدِّ والوَفا |
| يُطِيفُ بنفسٍ ليس لي منه مَهرَبُ |
| ولكنَّها فيما يَرى الفكرُ عادةٌ |
| يَحِنُّ إليها مُستطاراً، ويَطرَبُ
(6)
|
| ولكنَّها قُربَى فُؤادِي مُلَبِّياً |
| دواعي الهَوى يوماً، تَلِينُ وتَصعُبُ |
| يُوَشِّجُها عَهدانِ، عهدٌ مُبَغَّضٌ |
| لَهُ ذِكرُهُ الآسي، وعهدٌ مُحبَّبُ |
| ولكنَّها بين الكريمَين مَوثِقٌ |
| يُطالعُ آتينا الجميلَ ويَرقُبُ |
| ولكنَّها ذِكرى تَجول مَجالَها |
| وتَشكو الذي آثرتُ فيها وتَندُبُ |
| ولكنَّها مني إذا لُحتَ نَظرةٌ |
| ولو أُضرِمَت شَحناؤُها -تَتَحَبَّبُ |
| ولكنَّها عَتبٌ من العَينِ صامِتٌ |
| يقولُ على ما سُمتَنِي: أنا مُذنِبُ |
| ولكنَّها -فيما تقولُ- ملالَةٌ |
| على أنَّها قلبٌ جَريحٌ مُخَضَّبُ |
| تَلَقَّاهُ ضَحَّاكَ الأساريرِ طاعناً |
| ويَلقاكَ وَضَّاحَ السَّريرةِ يَشخَبُ |
| * * * |
| حَبيبي، تَلافَ اليومَ ما يُرتَجَى غداً |
| لِبُقيا وفاءٍ تَرتجيكَ، وتَصحَبُ |
| أأسكتُ أم أشكو لعلَّكَ سامعٌ |
| وأغضبُ أم أُغضي لعلَّك مُعتِبُ؟ |
| وأكتمُ أم أُفضِي بذاتِ سَريرتي |
| وأهتِكُ سِترَ الكِبر أم أتَهيَّبُ؟ |
| وأحمَدُ أم أبكِي فقد ضِقتُ بالضَّنى |
| وبرَّح بي فيكَ الرَّجاءُ المُخَيَّبُ |
| وما اعتدتُ أن أرجو، ولكن موَدَّةٌ |
| تُراجِعني فِكري العَصِيَّ، وتَجذِبُ |
| صبرتُ لها في ظُلمةِ الشَّكِّ والرَّجَا |
| وإنَّ رَجائي فيكَ كالشَّكِّ مُرعِبُ |
| وما زلتُ أستبقيكَ، ضَناً بصُحبةٍ |
| تعهَّدهَا ماضٍ من الحبِّ طيِّبُ |
| فعُد لجميلِ الرأي فيها، تَصُن به |
| حُساماً به تَلقى الصِّعابَ وتَضرِبُ |
| فما فَازَ مَن ضاعَت مَودَّةُ مخلِصٍ |
| لدى يومِهِ البسَّامِ، والدَّهرُ قُلَّبُ |
| وما حفِظَ النُّعمى سِوى مُشتَرٍ بِهَا |
| روافدَ قلبٍ، وُدُّه ليس يَنضَبُ |
| فلم يَصحبِ الدُّنيا طويلاً على المُنى |
| سَعيدٌ، ولا أفنى الجديدَينِ مُتعَبُ |
| وما زالت الأيامُ تُقبِلُ تارةً |
| وتُدبِرُ، والدُّنيا تَجِدُّ وتَلعبُ |
| فهذا خَصيبٌ كان بالأمسِ مُجدِباً |
| وما يتَّقي في يومِه الجدبَ مُخصِبُ |
| وما اختال في كونِ المحاسنِ موكبٌ |
| مدى لحظةٍ إلا انطوى فيه مَوكِبُ |
| وكم من جَمالٍ أعقبَ الغَمَّ ربَّه |
| فباتَ على ما فاتَه يتلهَّبُ |
| ويا رُبَّ جبّارٍ تأجَّجُ نارُهُ |
| متى هانَ أمسَى فوقَها يتقلَّبُ |
| وما خلَّد الماضِي جَمالاً لفاتِنٍ |
| فيأمنَ تَيَّاهٌ، ويَعتَدَّ معجَبُ |
| ربيعُ الهوى والحُسن مَشرِقُ ساعةٍ |
| يُديلُ لعانِي شمسِهِ بَعدُ مَغربُ |
| * * * |