سِرتُ في ذاتِ مسَاءٍ شَاحِبٍ |
قاتِمِ الأرجاءِ، مَطمُوسِ الظِّلالِ |
مُطرِقاً أُصغِي لماضِي ذِكرَياتٍ |
بَعَثَتْها وَمضَاتٌ من خيالِي |
* * * |
لحظةٌ في سُرعةِ الضَّوءِ أطافَت |
بِي على كُرْهٍ، وفي طُول الأبَدْ |
خِلْتُ أنَّ الكونَ أمسى بَعدَها |
راجِفاً كالبَحرِ، يَرمي بالزَّبَدْ |
* * * |
وإذا الماضي وما أودَعتُهُ |
من مَلاهي ومَرازِي عُمُري |
ضاربٌ في صَحَرَاءِ الكونِ مَاض |
أتُراهُ؟ كان يَقفو أثَري |
* * * |
وتلاقَينَا على غَيرِ اشتياقْ |
وكذا عِشْنا على غَيْرِ وِفاقْ |
وتعارَفنا، وقد كنَّا تَنَاكَرْ |
نا، قَدِيماً، وتواعَدْنا الفِراقْ |
ومشَى نَحوِيَ مَكدودَ الخُطى |
ظاهِرَ اللَّوعَةِ مَرهوبَ الأسى |
عاتياً تُرسِلُ عَينَاهُ الكَلامْ |
يَتلظَّى، وَهُما لم تَنْبِسَا |
* * * |
وانثنَى يَسألُني كيف نَسيتُ |
قلتُ: ماذا يَذكُرُ العاني الشَّريدُ؟ |
أنا مِن حاضِرِ أمري في جِهادٍ |
كلُّ ما يَذهَبُ فيه لا يَعودُ |
* * * |
قال: لو كنتَ حَزيناً لم تُضِعْ |
ذِكرياتِ الحُزن، والماضِي الشَّهيدِ |
إنَّما أغرقتَهُ في حاضِرٍ |
طافحٍ باللَّهو، والحُبِّ الجَديدِ |
* * * |
أكذا أنتَ وأيمانَ الوفاءِ |
أينَ ما يشهَدُه اللَّيلُ عَلَيك؟ |
يومَ كانت بَهجةُ الدُّنيا تَرَاءَى |
لَكَ في هذا الذي بَينَ يَديك |
* * * |
فانطَوَى، بل أنتَ قد أَسْلَمْتَهُ |
للفَنَا، وانصرفَت نفسُك عَنهُ |
كنتَ تَرجوهُ حَرِيصاً شَيِّقاً |
فَغَدا اليومَ عَناً تهربُ مِنهُ |
* * * |
كنت تَخشى نَسمةَ الفجرِ عليهِ |
ونَدَى اللَّيلِ، وَلُجَّ الأعينِ |
وترى اللَّحظةَ دهراً إنْ نَأى |
وَهُو اليومَ طريدُ الزَّمَنِ |
* * * |
ذاكَ ما آثَرْتَ فيه راضِياً |
لَيتَه آثرَهُ فيكَ قديما |
يومَ كانت نظرةٌ منهُ خَلَتْ |
من رقيقِ العَطف تَذْروكَ هَشيما |
* * * |
كان مأواكَ الذي رفَّ عليهِ |
ضَوْءُ دنياكَ، وللدُّنيا العَفاءْ |
تَنضَحُ الأحلامَ فيه ألَقاً |
والهَوىَ يَرْفَضُّ سِحراً وَرُواءْ |
* * * |