| يا بقايا الشُّعاعِ من أَلَقِ الشَّمس تُحَيِّي البِطَاحَ عند الغُروبِ | 
| أنتِ إيماءَةُ المحِبِّ بشَكواهُ تجَلَّت عن بَثِّه لحبيبِ | 
| لغةَ الصَّمت! هل يُدانيكِ في الإعجاز قَولٌ مِن مُفصِحٍ وَهَيوبِ؟ | 
| ما غَنَاءُ الكَلامِ عن لَهفَةِ الأنفسِ في موقِف الوَداع الرَّهيبِ؟ | 
| رُبَّ صَمتٍ أدَّى، وصَوَّر، عن رُوحٍ لرُوحٍ، أنأى خَفَايا القلوب | 
| *   *   * | 
| فاعرِفي يا حَبيبةَ الأمسِ أنَّ الحبَّ نَجوى، وَنشوةٌ، وشُعورُ | 
| وَحَنينٌ إلى السَّكينةِ يَستَلهِمُ ألحانَها الحِجَى والضَّميرُ | 
| لا هُياماً مقيَّداً بدواعيهِ، وقولاً به اللِّسانُ يَدورُ | 
| أو غليلاً يرى الرَّغائبَ وِرداً يستوي عِندهُ التُّقى والفُجُورُ | 
| *   *   * | 
| انطوى مجلسُ الدُّجَى بِسَنَا الآمالِ نَشوى وَلاحَ صُبحٌ عَبُوسُ | 
| واخَتفَى سامِرُ الرُّؤى وَنَدامَاهُ ومادَت بما تحسُّ الرُّؤوسُ | 
| فابسِمي بَسمَةَ الوداعِ، فهل كانَ لِيبقَى؟ ذاك الهَوى والرَّسيسُ
(1)
 | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أهواكَ، قد فَرغَ الدَّنُّ، وطاحَتِ بِجانِبَيهِ الكُؤُوسُ | 
| والهَوى يا حبيبةَ الأمسِ وَهمٌ، استَرَقَّت به النّفوسَ النُّفوسُ | 
| *   *   * | 
| لا تَقُولي: أهواك. قَد أيقظَ الوَعيُ فؤادي وانجابَ عنه الخُمارُ | 
| بَل هَبِينِي عُمرِيَ المُردِي على صَدرِكِ تبكي شَبابَهُ الأوطارُ | 
| وعُلالاتُه، وأحلامُهُ فيكِ، طَواها، وكم طَوَى التَّيارُ | 
| وأعيدِي أمسِي، وقد كنتُ في أمسيَ دنيا، يلُفُّها إعصارُ | 
| لم يكن لي فيها خِيارٌ فأسلمتُ حياتي، وما لِعَانٍ خِيارُ
(2)
 | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أهواكَ، لم يُبقِ فيكِ خَيالي، وقد تَحَطَّمَ وَهما | 
| ذاكَ حُبُّ الزُّهور للجدولِ الحافِل رِيَّا، كَيلا تَجِفَّ وتَظمَا | 
| مِنَّةٌ لا أُطيقُها، ونفاقٌ عِفتُهُ، والهَوى أعَفُّ وأسمَى | 
| هو رمزُ الفِداءِ، مفتَقِداً فيكِ عَزاءً، وما أسومُكِ ظُلما | 
| وَهو معنَى الوفاءِ، ترعاهُ أهواؤُكِ اسماً، وَتجتَوِيهِ مُسَمَّى | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أهواكَ، إنَّ حياتي واقِعٌ قاتِمُ الظِّلالِ مَخوفُ | 
| كانَ لي في الهَوَى رَبيعٌ وَوَلّى، وتلاشَت أصداؤُه والطُّيوفُ | 
| فأنا اليومَ بين أطلالِ يأسي طَللٌ للرِّياحِ فيهِ عَزِيفُ | 
| طَللٌ موحِشٌ أناخَ بهِ الحُزنُ وأرسَى، هذا الضَّبابُ الكثيفُ | 
| استقرَّت بهِ رغائبُ روحي جُثَثاً مثَّلَتْ بهنَّ الصُّروفُ | 
| *   *   * | 
| الهَوى، يا حبيبتي، قد بَلَونَاهُ، فراحت غاياتُنا فيهِ صَرعَى | 
| هو نارٌ وقودُها قُدرَةُ الحَيِّ، على أن يظلَّ للنارِ مَرعَى | 
| والمَوَدَّاتُ تَشترِي الجِدَّ بالهَزلِ، وتُعطِي وِتراً لِتأخذَ شَفعا
(3)
 | 
| والمروءاتُ تقتَضي بمساعي الجُود صِيتاً -على الرِّياء- وَنفعا | 
| والعباداتُ ترتَدِي مظهرَ الخيرِ على أفظعِ المناكرِ دِرعا | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أهواك، إنّ بعينَيكِ حنيناً إلى دُفوف الغابِ | 
| ولأنفاسك اللَّهيفةِ شَوقاً يتلظَّى، إلى كؤوسِ الشَّرابِ | 
| أنتِ في مَطلَبِ الطَّبيعَةِ أُحبولَةُ سِحرٍ مَنصوبةٌ للشَّبابِ | 
| والحُمَيَّا أداةُ سلطانِكِ القاهرِ يَسطو بظُفرِهِ والنَّابِ | 
| فَدَعي لي بقيَّةً من كيانٍ واهِنٍ آدَهُ صِراعُ العُبابِ | 
| *   *   * | 
| أَفلَسنَا، والحبُّ مطلَبُ نفسَينَا، غريبَين في سبيل الوجودِ؟ | 
| جمَعتنَا أسبابهُ مثلما تجمعُ ضِدَّينِ، صائِداً بمَصِيدِ | 
| فمضَينا على هَوىً، يُبطِنُ الغايَة منه، بينَ الظَّما والوُرودِ | 
| وانتَشَينا -بلِ انتَشَيتِ- فقد ضاع نَصيبي بين الأسى والجحودِ | 
| لا تقولي: أهواك فالحبُّ قيدٌ، ودواعي الحياة ضدُّ القيودِ | 
| *   *   * | 
| اذهَبي مَذهبَ الطَّبيعةِ، لا تَعرِفُ إلا غاياتِها من سُراها | 
| وافعلي فِعلَها، فأنتِ صَدَى الدَّعوةِ منها، في عِهرِها وتُقاها | 
| إنما أنتِ زهرةٌ ذاتُ عِطرٍ، نَمَّ عن مَطلَبِ الوُجودِ شَذاها | 
| وسواءٌ عندَ الزُّهورِ، إذا رَفَّ سَناها، مَن صَانَها أو جَناها | 
| لا تقولي: أهواكَ، إنّ هوى الأنثَى خِداعٌ مُعبِّرٌ عن مُناها | 
| *   *   * | 
| هَدَرَ اليَمُّ، يا حبيبةَ أمسي، فَدَعيني أدفَع عليهِ شِرَاعي | 
| ضَاعَ عُمري على المُنَى بينَ ماضٍ مُستطارٍ وحاضرٍ مُتَداعي | 
| سوف أمضي لغايتي مُثَخَن الصَّدرِ، وأطوِي قَلبي على أوجاعي | 
| غايةٌ دونَها الدُّنَى ولُغُوبُ النَّفسِ والوَعرُ واحتضارُ المساعي
(4)
 | 
| غايةُ اليائسِ الذي كَرِهَ العَيشَ وأسبابَه بِدُنيا الخِداعِ | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أهواكَ، لستُ بسكرانَ فأهفُو، أبَعْدَ ما جَفَّ كَرمي؟ | 
| وابسِمي بَسمةَ الوَداع، وخَلّينِي لِجُرمي، فقد تعاظَمتُ جُرمي | 
| وَدَعيني على الطبيعةِ أُلقِي عن فؤادي الطَّليحِ أعباءَ همِّي
(5)
 | 
| شاكياً ما لقيتُ من عَنَت الدّنيا إليها، إنّ الطبيعةَ أُمّي | 
| غاسِلاً بالدّموعِ، بالنَّدَم الملتاعِ، في تَوبَتي جَرائِرَ إثمي | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أخشَى عليكَ العوادي، أيَّ شيءٍ أبقت عواديكِ مِنّي؟ | 
| وَكِلينِي لِوَحدَتي في زوايا الصَّمتِ أسرِي على غياهِب حُزني | 
| وتناسَي عَهدِيَ البئيسَ، فإن شاقَكِ أمري فَسَائِلي اللَّيلَ عَنّي | 
| فأنا فيه قِطعةٌ من دياجِيهِ، عَدَاها عن اليقينِ التَّظَنِّي | 
| فاهرُبي من نهايةٍ حَرَّم الماضِي عليها حتّى عزاءَ التَّمنّي | 
| *   *   * | 
| إنّما أنتِ دُميَةٌ من صَنيعِ الوَهمِ فيها أو صُورةٌ في إطارِ | 
| لا بِمَا تَبغِي القُلوبُ، تَكفَّلتِ، ولكن بمُتعةِ الأنظارِ | 
| مَن لِنفسِي بالوهمِ فيكِ، فألقاكِ وتلقَينَنِي أليفَي قَرارِ؟ | 
| فلقد طالَ بالحقائقِ للنَّاسِ افتِقادِي، وفي الحياةِ عِثاري | 
| وَيْ لهَا من حقائقٍ زَلزَلت صَرحَ خيالي، وقَتَّلَت أوطاري | 
| *   *   * | 
| لا تقولي: أهواكَ، لستُ على صحراءِ حِسِّي اللاّظِي سِوى ابنِ سَبيلِ | 
| عاثرِ الحظِّ، والخُطى، يَخبِط الوَعرَ بِوَعرٍ، مِن يأسِهِ والغَليلِ | 
| ما لهُ غايةٌ، وما غايةُ الحَيرانِ تَجري بين السَّرى والقُفولِ؟ | 
| والهَوى، يا حبيبةَ الأمسِ، لا يَحيا على جَفوةِ المُنى والذُّبولِ | 
| فانشُدي الحُبَّ في المشاعِر ناراً لا مِثالاً مصَوَّراً في العقولِ | 
| *   *   * | 
| تَعسَ العقلُ إنه خانقُ الفَرحة في النَّفس يَتَّقي عُقباها | 
| فَهو للحِسِّ والمشاعِر قَيدٌ، شَلَّ أحلامَها، وعاقَ رُؤاها | 
| طالَما هامَ بالمَوارد ظمآنَ، فلمَّا وَاتَى الوُرُودُ أَباها | 
| صَدَّه عن حِياضِها هَدَرُ الغَايةِ فيما استَشَفَّ من مَعناها
(6)
 | 
| تَعِس العقلُ هائماً بالنّهاياتِ يَراها حِسَّ النّفوسِ سَفَاها
(7)
 |