وداعٌ، وهل لي أن أقولَ: إلى لُقَى |
وبُعْدٌ، ومَن لي أن أراه تَمَزُّقَا؟ |
وفَرحَةُ نَفسِي، فَارَقَتْها، وَأدبَرَتْ |
وكان بها روضُ المَسَرَّةِ مُونِقا |
ودنيا هوىً طَلْقٍ يُصيبُ به الهَوَى |
طِلابَ مُنَاهُ، كيفما شاءَ مُطَلقا |
أشاحَت، ولم تَرْعَ الذِّمامَ، ولو رَعَت |
لأبقَت على قَلبي الكَليمِ تَرَفُّقا |
* * * |
فيا حُسْنُ ما أقسى احتكامَكَ إنْ هفا |
بكَ الزَّهْوُ لم تَحفِلْ لِعانِيكَ مُوثَقا! |
ويا لَيلُ سامِرْني على السُّهد والجَوَى |
فما زلتُ ألقاكَ السَّميرَ المُوفَّقا |
وعُدْ بي إلى الماضِي القريب، وإنْ غدا |
بعيداً وإنْ أذكَى الشُّعورَ مُرَهَّقا |
فَقَدْتُ وإيَّاكَ العَزَاءَ، فَمَن لنا |
به غيرَ أن يَشكو كِلانا وَيأرَقَا |
* * * |
حنانَيْكَ حدِّثْني، ولا تُخْفِ ما وَشَى |
به صَمْتُكَ الآسي هَوىً مُتَدَفِّقا |
وقُلْ: كنتُ أهواه هَواكَ، ألَمْ تَكُنْ |
تُنَافِثُهُ نَجواكَ، غَيْرَانَ شَيِّقا؟ |
تُنيرُ بها أفراحَه، وشُجونَه |
وأعمقَ ما يَخْفَى إذا هَمَّ واتَّقَى |
أما كانَ بَدراً فاق بَدرَك بَهْجَةً |
أما كانَ أسْنَى منك وَجهاً ومَفْرِقا
(1)
|
أباحَتْه دُنياه مفاتنَ حُسنِها |
وحابَتْهُ بالأعلاقِ فاختارَ وانتقى
(2)
|
رَوِينا به يا ليلُ، والدَّهرُ غافلٌ |
كَريمَ دَواعِي النَّفسِ أعطى فأغدَقا |
تَعَزَّ، ولا تَضْنَكْ بِبُعدٍ أرادَهُ |
فإنْ كان قد أظما فيا طَالمَا سَقي
(3)
|
* * * |
ويا قلبُ إن يَعصِفْ بكَ الحُزْنُ فاتَّئِدْ |
فَكَم ضاعَ مَسعىً للقلوبِ وأخفَقَا |
وحظُّك مِن دُنياكَ ما سَنَحَتْ به |
فدونَكَهُ صَفْواً أتى، أو مُرَنّقاً
(4)
|
فقد تُخلِفُ الآمالَ سَحبٌ رَوِيَّةٌ |
وتُنْجِزُها أخفى السَّحائبِ رَونَقا |
فيا لَلْغَدِ المَرْجُوِّ هل أنتَ مُقبِلٌ |
فألقاكَ بالآمالِ أم ليس مُلتَقَى؟ |
وهل يَدَّنِي النَّائي ويَصفو به الهوى |
كما كان؟ أم يَبقى الرَّجاءُ مُعَلَّقا؟ |
* * * |
حبيبي، ألا عادَتْ بكَ الصَّبوَةُ التي |
تُخَالِسُني عنها الكلامَ المُنَمَّقا؟ |
تقول -ولا أُنسيتُ- أهواكَ شاعراً |
إذا قال بَزَّ القائلين وحَلَّقَا |
وأهواك نَفّاثاً لِسحرِكَ في دَمي |
وفكري، وأهواكَ الكَذوبَ المُصدَّقا |
وتُقسِمُ، والأقسامُ مِن فيك بَرَّةٌ |
ويأبَى لِنَفسي كِبْرُها أن أصَدِّقا |
فصِدقُكَ غيرُ الصِّدقِ في وَزن أهلِهِ |
وهيهات، إنَّ الفنَّ أصعَبُ مُرتَقَى |
وأعرِفُ أنَّ الصِّدقَ فِيك حقيقةٌ |
ولو كان مَا تُزجِيهِ زُوراً مُلَفَّقَا |
تَشاكَلَ رَأْيانا، كِلانا لِنفسِه |
هوىً، ولكلٍّ في الهوى ما تَذَوَّقا |
* * * |
وغِبتَ، فهلاَّ عُدتَ إنْ كنتَ صادقاً |
فإنّي كَعَهدي فِطرَةً وتَخَلُّقَا؟ |
أبُعْداً وقلبي من دُنُوِّكَ ما ارتوى |
ودَمعي على أعقابِ هَجرِك مارَقَا؟ |
ألِلشَّاطىء المَهجورِ بَعْدي فِتنَةٌ |
وهل فيه سَلوى عن مُقامِكَ بالنَّقا؟ |
إذِ الحَقلُ يَلقانا فتعروه نَشوَةٌ |
وجَدْوَلُه المنسابُ يَهفو مُصَفِّقا |
وإذْ نسماتُ الحَقل تَسْتَرِقُ الخُطَى |
إليكَ فنلقَاها، أرَقَّ وأرشَقَا |
و (ليلُكَ) يَغشانا بألوانِ سِحرِهِ |
ويُصغي إلى سِرِّ الحبِيبَيْنِ مُطرِقا |
أحَبَّكَ مِثلي، فارتَضَيْتَ وِدادَه |
وما زالَ أوْفَى منكَ عهداً وأصدَقا |
أعانَ على البلوى، كما شاطر الهَوَى |
وودَّعتَ لم تعطِفْ، وسَلَّى وأشفَقَا |
* * * |
لقد كنتَ مَعنى الحُسْنِ في الحَقلِ والدُّجَى |
وفي النَّسمَةِ الحَيْرى وفي المَاءِ رَيِّقَا |
وتَالله ما أدعوك للحُبِّ والجَنَى |
ولكنَّني أهواكَ للطُّهرِ والتُّقَى |
ويا بَحرُ هل أدعوكَ للشَّمسِ مَغرباً |
وقد كنتَ للشَّمسِ الحَبيبةِ مَشرِقا؟ |
* * * |