يا حبيبي، يا مُلتقى السِّحرِ والفِتْـ |
ـنَةِ، يا غالبي على أمر نفسي! |
لِمَ كانت -ولا أسُومُك لَوْماً- |
قِسْمَتي في هواكَ قِسْمَةَ وَكْس؟
(1)
|
ألأنِّي آثَرتُ في حُبِّكَ القا |
هِرِ عزّي، ذَهبت تطلبُ نفسي؟ |
أمْ لأني ضَحيَّةُ الألمِ الصّا |
مِتِ أطوي على المَواجِعِ حِسِّي؟ |
* * * |
لمَ أهواك؟ أيُّها المُفعِمُ النَّفْـ |
ـس، شجوناً، وحَيْرةً، وشَقَاءَ |
ألِحُسْنٍ؟ فَالحُسنُ في البدرِ والزَّهْـ |
ـرةِ أندَى وَقْعاً وأصفى رُواء |
أم لمعنى شَفَّتْ مَفاتِنُكَ العَذْ |
بَةُ عَنْهُ، فكادَ أن يتراءى؟ |
فالمعاني في الكون ليست على الإنسـ |
ـان رتقاً إلا هوى وادعاءَ |
والمعاني بِوَحْيها، ومدى الوَحْـ |
ـي عَميقٌ، فيما يَضُمُّ الوُجودُ |
فَتراها في قطعة الأرضِ والصَّخـ |
ـرَةِ، شِعْراً لم يُبْلِهِ التَّرديدُ |
وَتَراها في نَأمَةِ الطَّير للطَّيـ |
ـر نشيداً، لم يَجرِ فيه القَصيدُ
(2)
|
وَتَراها في لَفتَةِ الظَّبي للظَّبْـ |
ـيَةِ، سِحراً يُبْدي، وَحيناً يُعِيدُ |
* * * |
وتَراها فيما تَرى من جَميلٍ |
وقَبيحٍ، وهَيِّنٍ، وَعَظيمِ |
صُوَراً حَيَّةً يناجيكَ منها |
ألْفُ وجهٍ من كالِحٍ وَوَسِيمِ |
كُلُّ وَجهٍ دُنيا بتاريخه النَّا |
بِضِ، تَصْبَى بحادثٍ وقَديمِ |
وفَضاءٍ لا يعرِفُ الحَدَّ، والقَيْـ |
ـدَ ولا وَغْرَةَ الضَّنَى والسُّهوم
(3)
|
* * * |
أمْ لِحُسنٍ، والحُسنُ في البُرعمِ المَكْـ |
ـمُوم، لُطفٌ يَسري، وَرُوحٌ يَرِفُّ |
وَهْوَ في مَولدِ الرَّبيعِ حياةٌ |
تَتَصَبى، وفتنةٌ تَستَخِفُّ |
وَهْو في لَفتَة الخريفِ ودَاعٌ |
ودموعٌ ثرّارةٌ، ما تَجِفُّ |
وَهْو في عُزلةِ الشّتاءِ انقباضٌ |
وَصُموتٌ، يُعدِي المشاعرَ -وَحْف
(4)
|
* * * |
وَهْو في وَقدَةِ الظَّهيرةِ شَكوى |
مُرهَقٍ ضاقَ بالظَّهيرَة ذَرْعا |
وَهْو في هَمسَةِ الجداولِ لحنٌ |
طابَ في مَسمَع الطَّبيعةِ وقعا |
وَهْو في مُلتقى الزُّهور حديثٌ |
لم تُضيِّعْ له النَّسَائمُ رَجْعا |
وَهْو في الأرضِ والسَّماء جَمالٌ |
يَتفشَّى هَوىً، وَيَنساب لمْعا |
* * * |
ألهذا أهواك؟ يا مُثقِلَ القلـ |
ـبِ بهمٍّ من الشَّقاءِ طويلِ؟ |
أمْ لذُلٍّ منه ما أظـ |
ـمَأ روحي على رِواءِ مَخيلي؟
(5)
|
أمْ لهذا الفتونِ يَرْوي به غَيْـ |
ـرِيَ غُلاً، وما يَبُلُّ غَليلي؟
(6)
|
أمْ لجهلٍ عَرفتُ سِيماءَه فيـ |
ـكَ، وشأنٍ من الذَّكاءِ ضئيلِ؟ |
* * * |
أتَراني أهواكَ حقّاً؟ فما فيـ |
ـكَ لمِثْلي مَعنىً يُمازجُ حِسِّي؟ |
أم تَراني أهواكَ زُوراً؟ فَلِمَ يُصبـ |
ـحُ قلبي على هواك ويُمسِي؟ |
أم تَراني أحِبُّ فيكَ -وما أشْـ |
ـعُرُ- نفسي، وأنتَ عندي كنفسي؟ |
لأنا منك في سبيلٍ من الحيْـ |
ـرة تُضنِي عقلي، وَتُثقِلُ حَدْسي
(7)
|
لستَ تَدري! نَعَم، ولا أنا أدري |
لِمَ تَهفو إلى لِقائكَ رُوحي؟ |
ولماذا أكونُ فيكَ، كما تَر |
سُفُ في السِّجنِ، فكرةُ المكبوحِ؟ |
ولماذا أكونُ إنْ غبتَ في دنـ |
ـيا سَؤومٍ، جَمَّ الكُروب، طليحِ؟ |
فإذا لُحْت أشرقت، وتلقَّتْـ |
ـني بوجه طلقِ المحيّا صبيح |
* * * |
لستُ أهواكَ -لا هويتُك- للحُسْـ |
ـن فهل فيكَ غيرُ حُسنٍ عَليلِ؟ |
لا ولا للشَّبابِ، والعُمُرِ الغَـ |
ـضّ، فعُمْرُ الشَّباب غيرُ طويل |
لا ولا للشّعور أو لمحة الحُسْـ |
ـن، هما فيك مثل رسمٍ مُحيلِ
(8)
|
ومجالُ الحياة أحفل بالحُسْـ |
ـن، ولكنَّه شَقاءُ العقولِ |
* * * |
أنتَ في فِكرتي عَناءٌ وقَيدٌ |
وبقلبي أسَى يَلِظّ شُعوري
(9)
|
يَبسِمُ النّاسُ للحياةِ وأُغضِي |
دونَ غايات لَهْوِهم كالأسيرِ |
حالَ حُسنُ الحياةِ والنّورُ في عَيْـ |
ـنِي، فنفسي تَهيم في دَيْجورِ |
وأراني أستَرْوِحُ النسْمةَ الحَيْـ |
ـرَى، وجَدواك لي كجَدوى الهَجير |
* * * |
أيَّ حَالَيْكَ أشتكي؟ أنت في القُـ |
ـرْبِ، وفي البُعدِ مَطمَعٌ مَمْطولُ؟ |
وكَمِ ارتَحْتَ لي بجملةِ ما فيـ |
ـكَ، فلم يَرْوَ لي عليه غَليلُ! |
أورَاءَ السِّماتِ من حُسنِك الذّا |
بِلِ، وِرْدٌ بما أريد حَفيلُ! |
لستُ أدري، أذاك من صُنع وَهمي |
فيكَ أم أنَّه جَمال أصيلُ؟ |
* * * |
لَتَمَنَّيْتُ أن أكون عبيراً |
ضَلَّ مَسْراهُ، في جوانبِ صدرِك |
أوْ دمَاً شَفَّ في عُروقكَ عن سِـ |
ـرِّ مَعانيكَ، في مفاتن سِحرِك |
أو خيالاً يجولُ في قلبكَ السَّا |
ذَجِ، قَرَّت فيه حقيقةُ أمركِ |
أو كلاماً يدور في فِيكَ سَكْـ |
ـرانَ، أطافتْ به حلاوةُ ثَغرِك |
* * * |
لأرى ما الذي يُتَيِّمُنِي فيـ |
ـكَ، وألقاك خَلفَ هذا الحجاب |
فأنا ظامىءٌ إلى كُنْهِ ما فيـ |
ـك -فما أرتضي فُضولَ الشَّراب |
لست بالمستريح فيك إلى الغا |
ية، لو نلت من مناي طِلابي |
ذاك ظني، لكنها ضَلَّةُ الحُـ |
ـبِّ، تريني ضَحْلَ الهوى كالعُبابِ |
* * * |
فتكشَّفْ عمَّا انطويتَ عليه |
لأرى في هواك نهجَ الصواب |
فأنا مِنك في بَلاءٍ أعانيـ |
ـهِ، ولوْنٍ من المعيشةِ كابي |
وجهادٍ ضاقتْ به النَّفسُ ذَرْعاً |
وصعابٍ موصولةٍ بصعابِ |
أنتَ دانٍ، لكنَّ (ما فيك) ناءٍ |
وسبيلُ الحياةِ دونَكَ نابي |
* * * |
أنصيبي من الهَوى هذهِ الوَقْـ |
ـدَةُ، يَشقَى بِها فُؤادِي اللَّهيفُ؟ |
أفأنتَ الجَاني عَلَيَّ وإلاّ |
هُوَ فكري الظامي وحسّي العَطوفُ؟ |
وهما فيك ثائرانِ عَفيفا |
نِ كما ثار في القيود الرَّسيفُ |
طَلَبَ فيك ما أضلاّه من حُلْـ |
ـمٍ (وما فيك) ظاهرٌ مكشوفُ |
* * * |
وكذا يَطلبُ الخَيالُ الأماني |
وَهْو عن واقع الحياةِ عَزوفُ |
والهوى -كالحياةِ- قد يبلغُ الجا |
رِمُ منها، ما لا يَنالُ العَفيفُ |
رُبَّ نفسٍ نالتْ مُناها على العَيْـ |
ـشِ، وأخرى نَصيبُها التَّسويفُ |
وهْي دُنيا الشُّذوذِ يرتفعُ الجا |
هِلُ فيها، ويُستَذَلُّ الحَصيفُ |
* * * |