شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لِمَ أهوَاك؟
يا حبيبي، يا مُلتقى السِّحرِ والفِتْـ
ـنَةِ، يا غالبي على أمر نفسي!
لِمَ كانت -ولا أسُومُك لَوْماً-
قِسْمَتي في هواكَ قِسْمَةَ وَكْس؟ (1)
ألأنِّي آثَرتُ في حُبِّكَ القا
هِرِ عزّي، ذَهبت تطلبُ نفسي؟
أمْ لأني ضَحيَّةُ الألمِ الصّا
مِتِ أطوي على المَواجِعِ حِسِّي؟
* * *
لمَ أهواك؟ أيُّها المُفعِمُ النَّفْـ
ـس، شجوناً، وحَيْرةً، وشَقَاءَ
ألِحُسْنٍ؟ فَالحُسنُ في البدرِ والزَّهْـ
ـرةِ أندَى وَقْعاً وأصفى رُواء
أم لمعنى شَفَّتْ مَفاتِنُكَ العَذْ
بَةُ عَنْهُ، فكادَ أن يتراءى؟
فالمعاني في الكون ليست على الإنسـ
ـان رتقاً إلا هوى وادعاءَ
والمعاني بِوَحْيها، ومدى الوَحْـ
ـي عَميقٌ، فيما يَضُمُّ الوُجودُ
فَتراها في قطعة الأرضِ والصَّخـ
ـرَةِ، شِعْراً لم يُبْلِهِ التَّرديدُ
وَتَراها في نَأمَةِ الطَّير للطَّيـ
ـر نشيداً، لم يَجرِ فيه القَصيدُ (2)
وَتَراها في لَفتَةِ الظَّبي للظَّبْـ
ـيَةِ، سِحراً يُبْدي، وَحيناً يُعِيدُ
* * *
وتَراها فيما تَرى من جَميلٍ
وقَبيحٍ، وهَيِّنٍ، وَعَظيمِ
صُوَراً حَيَّةً يناجيكَ منها
ألْفُ وجهٍ من كالِحٍ وَوَسِيمِ
كُلُّ وَجهٍ دُنيا بتاريخه النَّا
بِضِ، تَصْبَى بحادثٍ وقَديمِ
وفَضاءٍ لا يعرِفُ الحَدَّ، والقَيْـ
ـدَ ولا وَغْرَةَ الضَّنَى والسُّهوم (3)
* * *
أمْ لِحُسنٍ، والحُسنُ في البُرعمِ المَكْـ
ـمُوم، لُطفٌ يَسري، وَرُوحٌ يَرِفُّ
وَهْوَ في مَولدِ الرَّبيعِ حياةٌ
تَتَصَبى، وفتنةٌ تَستَخِفُّ
وَهْو في لَفتَة الخريفِ ودَاعٌ
ودموعٌ ثرّارةٌ، ما تَجِفُّ
وَهْو في عُزلةِ الشّتاءِ انقباضٌ
وَصُموتٌ، يُعدِي المشاعرَ -وَحْف (4)
* * *
وَهْو في وَقدَةِ الظَّهيرةِ شَكوى
مُرهَقٍ ضاقَ بالظَّهيرَة ذَرْعا
وَهْو في هَمسَةِ الجداولِ لحنٌ
طابَ في مَسمَع الطَّبيعةِ وقعا
وَهْو في مُلتقى الزُّهور حديثٌ
لم تُضيِّعْ له النَّسَائمُ رَجْعا
وَهْو في الأرضِ والسَّماء جَمالٌ
يَتفشَّى هَوىً، وَيَنساب لمْعا
* * *
ألهذا أهواك؟ يا مُثقِلَ القلـ
ـبِ بهمٍّ من الشَّقاءِ طويلِ؟
أمْ لذُلٍّ منه ما أظـ
ـمَأ روحي على رِواءِ مَخيلي؟ (5)
أمْ لهذا الفتونِ يَرْوي به غَيْـ
ـرِيَ غُلاً، وما يَبُلُّ غَليلي؟ (6)
أمْ لجهلٍ عَرفتُ سِيماءَه فيـ
ـكَ، وشأنٍ من الذَّكاءِ ضئيلِ؟
* * *
أتَراني أهواكَ حقّاً؟ فما فيـ
ـكَ لمِثْلي مَعنىً يُمازجُ حِسِّي؟
أم تَراني أهواكَ زُوراً؟ فَلِمَ يُصبـ
ـحُ قلبي على هواك ويُمسِي؟
أم تَراني أحِبُّ فيكَ -وما أشْـ
ـعُرُ- نفسي، وأنتَ عندي كنفسي؟
لأنا منك في سبيلٍ من الحيْـ
ـرة تُضنِي عقلي، وَتُثقِلُ حَدْسي (7)
لستَ تَدري! نَعَم، ولا أنا أدري
لِمَ تَهفو إلى لِقائكَ رُوحي؟
ولماذا أكونُ فيكَ، كما تَر
سُفُ في السِّجنِ، فكرةُ المكبوحِ؟
ولماذا أكونُ إنْ غبتَ في دنـ
ـيا سَؤومٍ، جَمَّ الكُروب، طليحِ؟
فإذا لُحْت أشرقت، وتلقَّتْـ
ـني بوجه طلقِ المحيّا صبيح
* * *
لستُ أهواكَ -لا هويتُك- للحُسْـ
ـن فهل فيكَ غيرُ حُسنٍ عَليلِ؟
لا ولا للشَّبابِ، والعُمُرِ الغَـ
ـضّ، فعُمْرُ الشَّباب غيرُ طويل
لا ولا للشّعور أو لمحة الحُسْـ
ـن، هما فيك مثل رسمٍ مُحيلِ (8)
ومجالُ الحياة أحفل بالحُسْـ
ـن، ولكنَّه شَقاءُ العقولِ
* * *
أنتَ في فِكرتي عَناءٌ وقَيدٌ
وبقلبي أسَى يَلِظّ شُعوري (9)
يَبسِمُ النّاسُ للحياةِ وأُغضِي
دونَ غايات لَهْوِهم كالأسيرِ
حالَ حُسنُ الحياةِ والنّورُ في عَيْـ
ـنِي، فنفسي تَهيم في دَيْجورِ
وأراني أستَرْوِحُ النسْمةَ الحَيْـ
ـرَى، وجَدواك لي كجَدوى الهَجير
* * *
أيَّ حَالَيْكَ أشتكي؟ أنت في القُـ
ـرْبِ، وفي البُعدِ مَطمَعٌ مَمْطولُ؟
وكَمِ ارتَحْتَ لي بجملةِ ما فيـ
ـكَ، فلم يَرْوَ لي عليه غَليلُ!
أورَاءَ السِّماتِ من حُسنِك الذّا
بِلِ، وِرْدٌ بما أريد حَفيلُ!
لستُ أدري، أذاك من صُنع وَهمي
فيكَ أم أنَّه جَمال أصيلُ؟
* * *
لَتَمَنَّيْتُ أن أكون عبيراً
ضَلَّ مَسْراهُ، في جوانبِ صدرِك
أوْ دمَاً شَفَّ في عُروقكَ عن سِـ
ـرِّ مَعانيكَ، في مفاتن سِحرِك
أو خيالاً يجولُ في قلبكَ السَّا
ذَجِ، قَرَّت فيه حقيقةُ أمركِ
أو كلاماً يدور في فِيكَ سَكْـ
ـرانَ، أطافتْ به حلاوةُ ثَغرِك
* * *
لأرى ما الذي يُتَيِّمُنِي فيـ
ـكَ، وألقاك خَلفَ هذا الحجاب
فأنا ظامىءٌ إلى كُنْهِ ما فيـ
ـك -فما أرتضي فُضولَ الشَّراب
لست بالمستريح فيك إلى الغا
ية، لو نلت من مناي طِلابي
ذاك ظني، لكنها ضَلَّةُ الحُـ
ـبِّ، تريني ضَحْلَ الهوى كالعُبابِ
* * *
فتكشَّفْ عمَّا انطويتَ عليه
لأرى في هواك نهجَ الصواب
فأنا مِنك في بَلاءٍ أعانيـ
ـهِ، ولوْنٍ من المعيشةِ كابي
وجهادٍ ضاقتْ به النَّفسُ ذَرْعاً
وصعابٍ موصولةٍ بصعابِ
أنتَ دانٍ، لكنَّ (ما فيك) ناءٍ
وسبيلُ الحياةِ دونَكَ نابي
* * *
أنصيبي من الهَوى هذهِ الوَقْـ
ـدَةُ، يَشقَى بِها فُؤادِي اللَّهيفُ؟
أفأنتَ الجَاني عَلَيَّ وإلاّ
هُوَ فكري الظامي وحسّي العَطوفُ؟
وهما فيك ثائرانِ عَفيفا
نِ كما ثار في القيود الرَّسيفُ
طَلَبَ فيك ما أضلاّه من حُلْـ
ـمٍ (وما فيك) ظاهرٌ مكشوفُ
* * *
وكذا يَطلبُ الخَيالُ الأماني
وَهْو عن واقع الحياةِ عَزوفُ
والهوى -كالحياةِ- قد يبلغُ الجا
رِمُ منها، ما لا يَنالُ العَفيفُ
رُبَّ نفسٍ نالتْ مُناها على العَيْـ
ـشِ، وأخرى نَصيبُها التَّسويفُ
وهْي دُنيا الشُّذوذِ يرتفعُ الجا
هِلُ فيها، ويُستَذَلُّ الحَصيفُ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :414  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.