هَيهَاتَ لا أمَلٌ أجْدَى ولا لَهَفُ |
وهل يُفيدُكَ في عُقْبَى المُنى أسف؟ |
ما لا تُبَلِّغُكَ الأفعالُ جاهدةً |
فكيف تَضمَنُه الآمالُ والصُّدَفُ؟ |
قَلبي! وهل كنتَ قلبي يومَ تَحمِلُني |
على أمانِيكَ يَحدُو زُورَها السَّرَفُ؟ |
غَرَّرْتَ بي فَأَضَعتُ الحَزمَ مندفِعاً |
على ضياءِ خَيالٍ تحتَه السَّدَفُ
(1)
|
كانت سُوَيْعَةَ رِيٍّ بعدَها ظَمَأٌ |
وعَدلَ يومٍ تَنَاهَى بَعدَه الجَنَفُ
(2)
|
خَطَّرتَ بينَهما نَشوانَ مُنطَلِقاً |
لا اللِّينُ يَثنِيكَ عن لَهوٍ ولا العُنُفُ |
فَاحمِلْ على تَبِعاتِ الجهلِ ما تَركَتْ |
لكَ البَوادرُ، فالأيَّامُ تَنتَصِفُ
(3)
|
قلبي! وما كنتَ قَلبي يومَ وَدَّعَني |
لم يَثْنِهِ الدَّمعُ عمَّا رامَ واللَّهَفُ
(4)
|
هلا استبنتَ معاني الغدر ترسلها |
عَيناهُ، أم كنتَ في رَوْعِ النَّوَى تَجِفُ؟
(5)
|
غَرَّتك دمعتهُ الحَيْرى يُكَفكِفُها |
ودونَ ما ضُمِّنَتْهُ الغَدرُ والصَّلَّفُ
(6)
|
وراح! تأْمُلُ في عقبى نواهُ لُقىً |
وَعِدْتَهُ، فَقَضاه الهَجرُ والخُلُفُ |
وعادَ! هل عاد من يَثنِيهِ رِونَقُه |
عن الوفاء وخوفُ العذلِ والتَّرفُ؟ |
علام تخفق والأيَّامُ ساكنةٌ |
وفِيمَ تأمُلُ والمَرجُوُّ مُنصَرِفُ؟ |
أعادَ؟ ما عادَ من تُلهِيهِ صُحْبَتُهُ |
عَمَّن يُساوِرُه في حبِّهِ التَّلَفُ |
حُرِمتُ منه على قُرْبٍ ولو بَعُدَت |
بهِ الدِّيارُ أنالَت وَصْلَه الصُّحُفُ |
ظمآنُ يحرقني شوقي وَيَعصِفُ بِي |
يَأسِي، وَمَوْرِدُ نفسي حافِلٌ كَشِفُ |
أراهُ حِينَ يَرانِي مُطرِقاً حَزِناً |
كَمَن يُغَالِبُه عَن شأنِهِ الرَّأَفُ |
ما أطلبُ الحُبَّ عَفْواً، أعطنيهِ هَوىً |
فَما يُبَرِّدُ حَرَّ الظَّامِئ الرَّشَفُ |
* * * |
وَاهاً لِماضٍ، أنيق اللَّهوِ، كنتُ بهِ |
إلى وفائِكِ، بالآمالِ، أختلِفُ |
يَجرِي الحديثُ، رُموزاً، بين أعيُننا |
يَلينُ مَسرَاهُ، تاراتٍ، ويَعْتَسِفُ |
والصَّحبُ، بالحَفلِ، مَشغولونَ عن بِدَعٍ |
تَجلو فُنونَ جَناها الرَّوضةُ الأُنُفُ |
واليومَ يَثنيكَ عن داري، وقد قَرُبَتْ، |
ما لَفَّق الصَّحبُ عن سِرِّي وما اقتَرَفُوا |
سامُوك هجري، على كُرْهِ، وقد جَهِلوا |
ما يَعلم الطُّهْرُ عن حُبِّيك والشَّرَفُ |
وأطلقوا التُّهَمَ الشَّنعاءَ يَصرِفُني |
عَنها، وعن دَحضِها الإيمانُ والأنَفُ |
* * * |
ولو رَمَيتُ لأصمَيتُ القلوبَ ولم |
يَصُدُّني العَجزُ، لكنْ عَزَّنِي الهَدَفُ
(7)
|
هُمْ منكَ في الحرم المَحْمِيِّ جانِبُهُ |
ولا وَحُبِّكَ، لولا أنتَ، ما عرِفوا |
وأنتَ دُونَهَموا قُرْبَى وآصِرةً |
لولاك ما اتَّفقوا فينا ولا اختلفوا |
لقد ألمتُ فظنوُّها شجاعَتَهم |
وأنت بَينَهُمو تَرمِي وتَنْعطِفُ |
بِي منُهمُو فيكَ، لا كانَت أواصِرُهم، |
ومِن صُدودك بَرْحٌ فوقَ ما أصِفُ |
كأنَّ في النفسِ بُركاناً يَثُورُ بها |
يَطوي أمانِيَّها الحَرَّى فَتَنْخَسِفُ |
فالكونُ حولي مطموسٌ تُراوِدُهُ |
رؤَى المَفَازعِ تَسْتَخفِي وَتَنْكَشِفُ |
أجولُ فيه بعينٍ حازَ ناظِرُها |
تبغي الرَّجاءَ وتأباها لها السُّجُفُ
(8)
|
إذا تَنَوَّرتُ في ظَلمائِها طَرَفاً |
غامَ الدُّجى فَتَوارى ذلك الطَّرَفُ |
أتلك نازلةُ المقدورِ تَفجَعُني |
أم غايةُ الأملِ المهدورِ ترتجفُ؟ |
لقد عَرَفتُ طريقَ الرُّشدِ أسلُكُهُ |
لو كان لي عن هواك الوَحْفِ مُنْصَرَفُ
(9)
|
أخذْتَني إخذَةَ الجبَّارِ فانقطعت |
بِيَ السَّبيلُ، فما ألوي ولا أقف
(10)
|
اسْألْ صَحَابتَك الجانين كم لَعِبَت |
بِهِمْ دواعي الهَوَى والحُسْنُ والهَيَفُ؟ |
أكنتُ جانيها وحدي، ولا بَقِيَتْ، |
أم أنني، دونَهم، غَيَّانُ مُنْحَرِفُ
(11)
|
لقد عرفتُ نبيلَ الحبِّ تَكْلؤُهُ |
فضائلُ الخُلُقِ السَّامي، فهل عرفوا؟ |
* * * |
أدعوكَ دعوَةَ مَشبوبٍ على ظَمَأٍ |
فَلْيَفْعَلِ الجُود إنْ لم يَفْعَلِ الشَّغَفُ
(12)
|
* * * |