أعوذُ مِن مُنتهاها بالحواميمِ |
دُجُنّةٌ أخرستْ مستوحشَ البُوم |
أخوضُها بَحْرَ هَمٍّ لا شواطئه |
تدنُو ولا سُنَني فيها بمعلوم |
أَعيا بها العقل أن يفضِي إلى أملٍ |
من السلامةِ يرجى غير مثلوم |
وما نجاة معرى من كرامتِه |
وما حياةُ امرئ بالعارِ موصوم |
ذكّرتُ قومي بماضِيهم فما نطقتْ |
إلاّ العيونُ بإذعانٍ وتسليم |
يا لَلْسَوامِ بمرعاها تفيضُ رِضىً |
والموتُ يأخذُ منها بالحلاقِيم |
* * * |
يا ناشدَ الثأرِ لُذْ بالصمتِ مُحْتَسباً |
فما يجيبُك أنفٌ غيرُ مخطومِ |
وابْكِ الرجولةَ في بدوٍ وحاضرةٍ |
رِيضَتْ بِرزقٍ على الإذلالِ مقسومِ |
حُمّ القضاءُ فقرّتْ كلُّ ثائرةٍ |
على الهوانِ بسحرِ الكافِ والميمِ |
ورثّ عهدك بالرهط الذي انتهبتْ |
أطماعُه حَقَّ مظلومِ ومحرومِ |
واستنزل العصم من أبراجها جشعٌ |
غدتْ بهِ رهنَ تقييدِ وتكميمِ |
فما يلامُ بغاثُ الطيرِ إنْ جنحتْ |
لِحَظِّها بينَ إقطاعٍ وتقسيمِ |
* * * |
يا مرسلَ القولِ زُلفى هُنّ واردها |
ما أنتَ من أفقِي السامِي وتدويمي |
إن لُذت بالصمتِ مغلوباً على ترةٍ |
يلوبُ في حرّها صَحْوِي وتهويمي |
فلم تَنَلْ رَهبة الأحداثِ من قلمي |
ولا تطامنَ للإرهابِ قيدومي |
وإنّما عزفَ اللاهونَ عَنْ كَلِمي |
إلى شقاشقَ منثورٍ ومنظوم |
فَصُنْتُ قدري عن تهريجِ مرتزقٍ |
يمضِي بقدر على ما نالَ مهضومُ |
كذاكَ يُمْتَحَنُ الأحرارُ في وطنٍ |
يُقَسّمُ الرزقُ فيه بالملاليمِ |
* * * |
قالوا: تشاءمَ ذو عقلٍ فجُنّ أسىً |
وما تشاءمَ إلاّ كلُّ مشؤوم |
طالَ انتِظاري لشمسِ الحقِّ غاربةً |
فهل أقولُ لها إن أشرقتْ: غِيمي؟ |
مُذ ماتَ داعِي العُلى في الحي واشتغلتْ |
فيه النفوسُ بمركوبٍ ومطعومِ |
أغرقتُ هَمّي في كأسِي هوىً وطلىً |
فما أهيبُ بها إن أثقلتْ: عومي |
وها أنَا بينَ جنحَيّ ظلمة وأسىً |
أسري بجرحٍ على الآلام ملموم |
إني وما اخترتُ من صبرٍ وفلسفةٍ |
ظامٍ تبدل من ري بيَحْمُوم |
أمعنتُ في السخرِ من قومي ومِن وطني |
ولستُ أكثرَ في الحاليْنِ من مُومي |
فما وَعَى مِن مُرادي غير ظاهره |
ذوو النُّهى واختلفْنا في المفاهيمِ |
* * * |
قيلَ المسالكُ شَتّى فانبريت إلى |
مجراك يا نيلُ أرجو طيب الخيم |
فلم أجدْ فيك ورداً لا يعكره |
سطوُ الكواسرِ أو سُمُّ الأراقيمِ |
ملأت سمعي دعوى نجدة وتُقىً |
وما أرى فيك إلاّ كُلَّ منهومِ |
ما للغريبِ على شطيْكَ ملتمسٌ |
إلاّ السلامة مِن ذئبٍ ومن رِيم |
لسانُ حالِك في مَسْراك مُنطلقاً |
إلى الفجيعةِ في أبنائِك الهِيم |
علامَ أرحمُ ذا ضيقٍ بمحنتِه |
ولستُ في زحمةِ الدنيا بمرْحُومِ |
* * * |
أرى الفضائلَ عبرَ الأُفقِ طائرةً |
وما أراهَا استقرتْ في الأقاليمِ |
قوّمتُ نفسي بأخلاقٍ سموتُ بها |
فلم يصح بغيرِ المالِ تقويمي |
وهمت بالمُثل العُليا وثيق هوى |
فرُحتُ منها بداءَ غير محسوم |
رامَ الأمانَة ذو مال ففاز بها |
وعاشَ ذو العقلِ فينا غيرَ مأموم |
وراحَ بالغُنم من دُنياه معتسفٌ |
لم يضطربْ بينَ تحليلٍ وتحريمِ |
يا ساريَ الليلِ قد أوْهى مطيته |
خف أن تصيح بها لو هومت هيمي |
فما وُلوجُك درباً غَمّ مَسلَكُه |
ليسَ التهدّي على حالٍ بمذموم |
سِرِ الهويْنى إلى نهجٍ تلمّ به |
وعد وسعك عن عدو الأظاليم |
فربما جاوزَ العجلان مطلبه |
فراحَ بالسُّخْر من لغوٍ وتأثيم |
* * * |
مَضَى بنا الزمنُ الواني لغايتِه |
في منهجٍ من خَفايا الغيبِ مرسوم |
وما لنَا من خِيارٍ غيرِ سانحةٍ |
من المُنى بينَ تأخيرٍ وتقديم |
وراءَ كُلِّ مريدٍ من عزائمهِ |
دوافعُ لم تذرْه غير محكوم |
سبحانَ خالق هَذا الكونِ مِن عدمٍ |
يجري إلى عدمٍ في الغيبِ محْتوم |
لا يعلمُ الحي من مسعاه غايته |
والعلمُ ليس بِمُجْدٍ في الخَواتيمِ |