نَبا مِنْكِ يا دنيا، جوَىَ جاشَ ثائرهُ |
بواطنُه قتّالة، وظواهرهُ |
وهمٌ ضحاياه نفوسٌ كريمةٌ |
تنازِعُها أرماقُها وتصابره |
ومسرى طراد أظلمتْ جنباتُه |
لنا، وأضيئتْ للمسوخِ مناوره |
طويناه بسّامين.. لا يأنس الحِجى |
لنا سنناً، يرجو السلامةَ عابره |
* * * |
وقيل: سباقٌ فانْبرى كلُّ غيلمٍ |
تساندُه، أشباهُه ونظائرهُ |
فأكدي كما سارَ الغيالم قبلَه |
شريعة نقضها، خلفَتْها مناشره |
ولما توافيْنا، سبْقنا، ولم نفزْ |
وأحبط مَسْعانا مِن الحُكم غادره |
فيا لسباق، شارة النصرِ تبتغي |
عليه، بغيرِ السبقِ، تزجي بشائره |
ويالك عدلاً، يرتضي الجورَ عنده |
تدورُ على مسعَى الجيادِ دوائره |
* * * |
كذا أنتِ يا دُنيا الدعاةِ مركبٌ |
لكل لئيمٍ تيمتك مشافره |
تضيقينَ بالأحرارِ، أن أنفِوا الخَنَى |
وحسن العبيدى، ما تَقْضِي ذخائره |
هنالكَ جوُّ الأثمِ يلقاكَ بالمُنى |
صغائرهُ، موصولةٌ، وكبائره |
هنالك يلقى كلُّ نذلٍ ضريبةَ |
يشاطرهُ رِجسُ الهوى، ويعاقره |
هنالك لا عقلٌ يصدك قيدُه |
ولا خلق تحمي العفاف زواجره |
لكِ العذرُ يا دنيا فللإثمِ رونقٌ |
تطيبُ دناياه، وتحلُو مخاطره |
فما وُدُّ أحرارِ النفوسِ ببالغٍ |
مرادك، أو مطفٍ سعارك طاهره |
وهم مشبعو جذواك، والدهرُ كالحٌ |
صدوقٌ مشيحٌ، ليس يأنسُ نافره |
ومن جَانَبوا مَغناك ضَنّاً بأنفسٍ |
لها من سجايَاها رقيبٌ تحاذره |
أبوْا المجدَ زيفاً والكرامةَ حيله |
وعافوا الغِنى زُوراً، تُذَمُّ مصادره |
ورامَوا العُلا كَسْباً، فلو أنصفُوا بنوْا |
على هامِها مُلكاً، تدومُ مفاخره |
ولكنها في موطنِ المجدِ، بدعةٌ |
يحرمها في موطنِ المجدِ، قاهره |
أبَاها علينا الغاصبونَ، فوكلُوا |
بنا كلُّ ذِي عاريْنِ، شاهتْ سرائره |
فعشْنا على ضَنَكِ الحياةِ وعسْفِها |
كِراماً، وبعضُ العيشِ بالطهرِ سائره |
* * * |
نَبَا مِنكِ يا دنيا، هلوك تطرحت |
على دنسٍ، قد نفرتْنا بوادره |
تليحينَ بالجاهِ العريض وبالسّنا |
وبالحُسن مضفاة عليك حبائره |
ودون الذي تُبْدِينَ، عارٌ وظلمةٌ |
وأعباءُ وزرٍ، ما تطاقُ جرائره |
* * * |
لَعِفْنَاكِ يا دُنيا، على ولعٍ بنا |
وما خيرُ حبٍ، لا تطيبُ مصائره |
وإنّ عفيفاً رَدّه عنكِ كبره |
طليقٌ ولكن قيّدتْه مشاعره |
ورُحْنا ظماء، يدفعُ الأين خطونا |
على الوعرِ سامتْنا العناء هواجره |
إذا غادَنا اليوم البشوش تقاطرتْ |
على إثرهِ أيامُ بؤسٍ تكاشره |
وإن دعت الجلّي، ونحنُ سيوفُها |
تقدم نفل قربته أواصره |
وما مثل قربي الرّجس والجهلِ وصلةٌ |
أضنّ بها من لاَمَسَ الغيبَ، ساتره |
فما هو إلاّ أن يدعدعَ غيلمٌ |
إذا بكفيفِ الخَطْو، تُتلى مآثره |
فلم يبقَ بينَ الآدميينَ منزلٌ |
لِبانٍ يدانيِه، وندٍ يكاثره |
ولم تبقَ شمسٌ لم تشبه بوجهه |
ولا جؤذرٌ إلا اُستعيرتْ محاجره |
فَقِيل عظيمٌ أعجزَ الناسَ خطوهُ |
وقيلَ جوادٌ، ما تكفُّ مواطره |
وقيل سديدُ الحظوتَيْن سَجَا به |
على الخلق، ماضِيه الحفيلُ وحاضره |
وقيل جميلٌ والسوادُ شَهيدُه! |
ومسعّرُ حربٍ! واليراعةُ باتره |
وما رأيُه في نفسهِ عندَ نفسهِ |
سوى أنّه عبدٌ وإن طارَ طائره |
ولو بحمارٍ، حظّه، مثل حظّه |
عَلاَ الدهرَ لاقْتَادَتْ هواهم خواطره |
* * * |
لكِ الويلُ يا دنيا، أمَا يكسبُ الهوى |
لديكِ كريمُ النفسِ، طابتْ عناصره |
ولا يتملاّه عفيفٌ مهذبٌ.. |
مظاهرهُ محمودةٌ، ومخابره |
فيَا وطناً، قَدْ رَاضَهُ القيدُ فاستوى |
على ما ارتضتْ أعيارهُ، وأباعره |
تَحَرّكْ ولا تُفْلِجْكَ بَلْوَاك حسرةْ |
فَرُبّ أسيرٍ خافَ عقباهُ آسره |
ألم تَر ليثَ الغابِ في القيدِ يرتمي |
بنظرتِه، كالسيفِ يجلوُه شاهره |
وأنت طليقٌ، بل.. وظلمتُك.. موثقٌ |
فكم من طليقٍ أوثقته خواطره |
* * * |
أيا وطنِي ماذَا أدّخرتَ لغاصبٍ |
تمزقُنا أنيابُه، وأظافره |
أأعددتَ غيرَ الصبرِ، والصبرُ طاعةٌ |
يؤازرُها حُسن الجَزَا وتؤازره؟ |
رعاتك.. يا مأوى الهوانِ.. ومن ولوا |
خصيمانِ، مقمورٌ، يجوعُ، وقامره |
فهل طاعةٌ للَّه في ذاك تُبتغى |
سوى الفتكِ يشفي الصدرَ مما يخامره |
سوى الفتك لا ترجو عليه سلامةً |
رعاتك، أو ينقادُ للحق كافره |
سوى الفتك تستشفِي الذهولَ سهولُه |
وتعصفُ بالأمرِ عواصُره |
* * * |
صبْرنا، وما صبرُ الجياعِ على الطّوى |
وموطنُهم رزقٌ تفيضُ بواكره |
صبْرنا، وما صبرُ الكرامِ على الأذى |
لأعراضِهم تَلْوى بهن مَناكره |
صبْرنا، وما صبرُ الضعيفِ على الفَنا |
رماه، كما تَرْمي الطريدة جآزره |
ألمّا يَئِنْ أنْ يبلغَ العذرَ صابرٌ |
وأباً يتحدَى معقلِ الظلمِ ناكره |
أرحْنا بها في معقلِ الظلمِ فتنة |
تنوء ثعالبه بها، وقساوره |
ولكننا يا موطنَ الصبرِ قلةٌ |
يحاورُها ضيقُ المدى وتحاوره |
فأينَ ألوفٌ أوهنَ الصبرَ عزمُها |
نساير من أمراضِها ما نسايره |
علامَ تعاطيني القريض تهزني |
دواعيِه إذ يلقاكَ بالبدع هامره |
تكافؤ أمرينا على القولِ ضلة |
فمنزوره عندي وعندك زاخره |
تناسب شأنانا طلاباً وفتّني |
خطى سابق لا كنت نِدّاً يغاوره |
تحيفت جهدي بالتي لا أطيقُها |
وما أنا مِن أمرٍ تَهُول أواخره |
* * * |
وأين ألوفٌ فرقَ الجهل أمرها |
فطاحتْ بها أوهامُها وصراصره |
وأينَ ألوفٌ كالخرافِ تهادنتْ |
على الخَسْفِ، يطويها من الحكمِ جائره |
ألا شدَّ ما توهي الحقيقة ثائراً |
تخاذل، لما أمكنَ الثأر، ناصره |
شكوتُ، وشكوى الحُرِّ حزنٌ تسعرتْ |
معانيه، أو يأسٌ تضجُ مزافره |
شكية محرور الشكيةِ من جوى |
على وطنٍ رانتْ عليه دياجره |
وطنه ريشت فنضت بغاثه |
وهيِضَتْ فأرداها الهوان كواسره |
قد جُنَّ بالعيشِ الخفيضِ شبولُه |
وتقضِي على حُرِّ الوثاقِ غضافره |
* * * |
ويا صاحبي، والشجوُ للشجوِ ينتمي |
وُقِيتَ الذي يَلْقَى من الشّجْو خابره |
وعلّمتَنِي سحرَ البيانِ فَهَاكَهُ |
بوراقُه مِنّي، ومِنْك مواطره |