لأنني لم أعبدِ النهارَ يا ابنتي |
ولم أسرْ في ركبِهِ مُصفِّقا |
أرقصُ هاتِفاً.. وغيرَ مؤمنٍ |
بمجدهِ.. ولا مُسبحاً بحمدِه |
كالآخرينْ.. |
لأنني ظللتُ عابِساً -مقطِّبَ |
الجبينْ.. |
عندما تهلّل الذبابُ.. وارتمى |
على موائدِ النهارْ.. |
لأنني وقفتُ صامتاً مرتفعَ الجبينْ |
مسمّرَ العينينْ.. ناظراً إلى الفضاء |
إلى فضاءٍ.. لا يرف في فراغِه جناحْ |
لأنني وقفتُ جامداً.. كأنني تمثالْ |
أو صخرةٌ تجترُ في سكونِها المريرْ |
مأساةَ يومِها وأمسِها |
ولا تلينْ.. |
لأنني لم أعبدِ النهارْ |
لأنني كفرتُ بالنهارْ |
ألْقَى بي النهارْ |
في متاهةِ الظلامْ |
حيثُ ترقدُ الجراحْ |
خارجَ الزمانْ |
وحيثُ يكتَفي الرجالُ والنساء |
بالبقاءِ.. مجردِ البقاءْ.. |
على صراخِ ألفِ طفلْ |
صارخٍ من الطوى.. |
لا يجد الطعامْ.. |
* * * |
الليلُ يا ابنتي مخوف |
ليل الذينَ يجهلونَ كُلّ ما |
يعرفُ غيرُهم عنِ الطيوفْ |
والليل يا ابنتي صبورْ |
لكنه إذا اُستُفز صبرُه يثورْ |
ويملأُ القبورَ بالضحايا |
ويقذفُ الصخورَ في لَظى المنايا |
الليلُ قائدٌ جسورْ |
وحاكمٌ يقضِي ولا يجورْ |
لكنه لا يغفرُ الخطايا |
للكافرينَ بالقِيمْ |
والوالغينَ من دمِ الثوارْ |
والخانقينَ صرخةَ الشعارْ |
وصانِعي القيودِ للأحرارْ |
متى؟ تقولينَ متى يثورْ |
سيؤذن الظلام بالنشورْ |
لن يخلفَ الظلامُ يا ابنتي موعده |
ولن يرَى النهار الليلْ.. |
لن يصدَّه |
ستملأُ السواعدُ السمرْ |
جوانبَ الطريقْ |
ستشعلُ الأظافرُ الحمرْ |
منابعَ الحريقْ.. |
ستختفي الأحزانُ يا ابنتي |
وتشتَفي الصدورْ |
وتسبَحُ الأكواخْ |
في ضياءِ يومها الكبيرْ |
سيشبع النساءُ والصغارْ |
ويشرقُ الفجرُ الذي |
يصنعُه الظلامْ |
موفّرُ الطعام للجياعْ |
صانعُ السلامْ |
لأنني.. لم أعبدِ النهارْ |
لأنني وقفت عابساً |
أناضل التيارْ |
لأنني آمنتُ بالشعارْ.. |
ليستْ له نهايةٌ يحسها الخيالْ |
لقد سكتُ يائساً |
من قدرتي على الكلامْ |
قد جفتِ الألفاظُ في فمِي |
ولم يعُد لها صدى |
حتى الصدى الحزينْ |
همسةً خافتةً |
في خفقةِ الرياحْ |
حبيبتي لو كان للدجى لسانْ |
يروي لك الملهاةَ أو يعيدْ |
ملهاتنَا في أمسِنا البعيدْ |
مأساتنا في يومِنا الجديدْ |
نعم! نعمْ! |
لو كانَ للدجى لسانْ |
أو كان للدجى بيانْ |
لهَالكَ الذي يقصّه الدُّجى |
فللدجى ضميرٌ.. كلُّه عيونْ |
وكلُّه آذانْ.. |
هي السِّجلُ الحافلُ المثيرْ |
وقد رآكَ ها هُنا.. |
فراشةً تخترقُ اللهيبْ |
هاتفةً.. بالحبِ.. والحبيبْ.. |
لاهثةً تطوفُ.. ترتمي.. |
بجانبِ السريرِ.. تعبدُ السريرْ |