| أتحيَا المساعي والمجالُ حقيرٌ |
| وتفنَى الدواعي والنضالُ كبير؟ |
| وتنتصبُ الأعناقُ للعيشِ بارداً |
| وتنخفضُ الهاماتُ وهو هجير؟ |
| وتخصبُ أرباضُ الضلال بأهلها |
| وتجدبُ أكنافُ الهدى وتبُور؟ |
| وتبرزُ للأحداثِ أكواخُ قلةٍ |
| وتهربُ منها جُلةٌ.. وقصور؟ |
| وينهضُ بالأعباء عشٌ وطائرٌ |
| وتقعى نسورٌ دونها ووكُور؟ |
| وتختنقُ الأنفاسُ ذُلاً ورهبةً |
| إذا ما دَعا للثائرينَ نفير؟ |
| لقد هانتِ الدنيا علينا هوانها |
| إذن، وأحاديثُ البطولةِ زُور |
| وضاعتْ رؤى الروّاد في المجدِ والعُلى |
| وأسلمَ أعلامَ النضال ظهير |
| وشاهتْ شواهينُ الحِمى وبزاته |
| فما هي -إلاّ في البُغَاثِ- طيور |
| وما هي في أقفاصِها غيرُ زينةٍ |
| لكافِلها تعنُو له.. وتصور |
| وَلَجَّ بمأثورِ المفاخِر ساخرٌ |
| فما ذاعَ منها، باطلٌ وقشور |
| ألا وليغض نبع المروءاتِ والحِجا |
| فإن هو إلاّ رونقٌ.. وخرير |
| وما كانَ -إلاّ للخليين- جنةً |
| بها الجهد نزرٌ والطعامُ وفير |
| وشالتْ موازينُ الفضيلةِ والتقى |
| وضَلّ إناثٌ خُلّدتْ وذكور |
| فليسَ وراءَ العيشِ للحي غايةٌ |
| يلوذُ بها إيمانُهُ، ومصير |
| * * * |
| كذا عرفَ اللاهي الحياةَ معرِّفاً |
| بها غيرَه، والمستريبُ عَثورُ |
| وهوّنها أن السلامةَ راحةٌ |
| وأن فراشَ الفارغينَ وثيرُ |
| تدابرتِ الآراءُ في ظلمةِ الرضى |
| بما قتّل الغاياتِ، وهو غرورُ |
| * * * |
| ألاّ أيّها الساعي بفضلةِ عُمُرِه |
| إلى يومِه، إنّ الحياةَ شعورُ |
| به افترقَ الحيَّانِ كلٌّ لما ابتغَى |
| فذو همةٍ يشْقَى بها وقريرُ |
| فَما بِك من مُدلٍ ببعضِ سنيّه |
| إلى المجدِ تُثنّي عزمَه فيخورُ |
| وخوفُ الردّى في ضحوةِ العُمُرِ حجةٌ |
| فما خوفُ شيخٍ، والبقاءُ قصيرُ؟ |
| وما خَلَّد الفانين ذِكراً على المدى |
| وأحيَا سوى أن الخطارَ خطيرُ |
| تناظرتِ الأشباهُ، واختلفتْ بهم |
| إلى ما استَبانوا غيبةً وحضورُ! |
| وفاضتْ مراقي العِزِّ للناس دعوةً |
| فأقصرَ هيّاب وخاضَ جسورُ |
| * * * |
| أرى الأفقَ السامِي قريباً إلى المنُى |
| وطرفُ الذي يرنُو إليه حسيرُ |
| فيا مجدُ ما أدنَاك للقولِ مرسَلاً |
| تَعَاطى مُعارٌ كأسه، ومعيرُ |
| فكُنْ حلمَ الهاذِي على سطحِ دارِه |
| يشير إليه غامِزاً، فيطيرُ |
| وكنْ أملَ الوانِي أطافَ بنده |
| يديرُ رَحَى الدنيا له فتدورُ |
| وما اكْتَال من أضواءِ دُنياه غافلٌ |
| تعالَى دخانٌ حولَه.. وبخورُ |
| فما أنتَ إلاّ قمةٌ لم يحط بها.. |
| خفاءٌ يجلي جانبيْه ظهورُ |
| وإن خيالات السكارى خمارها |
| -متى فرغت تلك الدِّنان- نكيرُ |
| ويا مجدُ أرضى بالرجالِ حظوظهم |
| على الكُره.. أن السّفح منك عسيرُ |
| وأن الضحايا في هواك نوادرٌ |
| ولكن وَهَمَ الواهمينَ.. كثيرُ |
| رأيتك، والأمواجُ فيك ضوارباً.. |
| ودونَك من هولِ الحياةَ ستورُ |
| خِضَمّاً ترى الحيتانُ فيك مسارَها |
| وليسَ لها في شاطئيْك عبورُ |
| فَكيفَ بك الجوَّ الذي لا تناله |
| نسورٌ، ولا تسمُو إليه صقورُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ، ما أنت إلاّ وديعةٌ.. |
| لنا واقْتَضَيْنَاها.. فأينَ تصيرُ؟ |
| تعاقدتِ الآمالُ حولكِ فارِساً |
| نغير به في يومنا ويُغيرُ |
| وأنتَ لها أو فاعْتزِل حومةَ الوغَى |
| وإنك فيها بالثباتِ جديرُ |
| وَدَعْ أمةً أشرقتَ فيها كشمسها |
| يشقُ دُجاها غيرُ نورِك نورُ |
| وَدَعْ صهوةً أعطتْكَ فضلَ عنانِها |
| فأنتَ بما تفضِي إليه خبيرُ |
| ولا تتقحمْ في رعيلِك وثبةً.. |
| تهولُ.. ولو أن النكوصَ مريرُ |
| ولا تأسَ للباقينَ بعدَك إنهم |
| إليها ورودٌ، والخلودُ صدورُ |
| سيلتئمُ الصفُ الذي أنتَ تاركٌ |
| وإنْ قلّ للمأمولِ مِنك نظيرُ |
| وتشرقُ في البطحاءِ شمسٌ تطلّعتْ |
| إليها خيامٌ في الحِمى وخُدورُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ للدهر قاضٍ بأمرِه... |
| فيعدلُ فينا ظالِماً.. ويجورُ |
| يشقُّ علينا أن يُقال لك اتئِدْ |
| وخُضْ غمراتِ الصبرِ فهي جحورُ |
| تسيرُ بها الأحياءُ في كلِّ وجهةٍ |
| وليستْ إلى غيرِ الظلامِ تسيرُ |
| وتعرفُ فيها كل ما فاتَ عالماً |
| وأعيَا.. سوَى أن الضياءَ ينيرُ |
| وأن همومَ الناسِ غيرُ همومِها |
| وأَن طريقَ الصاعدينَ سعيرُ |
| وأنَك في ما أنتَ مجتمعٌ له.. |
| عليمٌ بكلتا غايتيْك بصيرُ |
| وما هِي من هذا بِعالمها الذي |
| تشابَه فيه مُبصِرٌ.. وضريرُ؟ |
| ويبدُو خَشَاشٌ فيه، أفيال موكب |
| يُدلُّ عليه الناظرين هريرُ؟ |
| * * * |
| أبا حسنٍ مالَ الرجالُ عنِ الهُدى |
| ومسَّ جراحَ الأتقياء فجورُ |
| وكذّب ضوء الفجر ماشٍ وقاعدٌ |
| دفينان والعيش المتاح قبورُ |
| وأنتَ على ما أنتَ غَيبٌ محجّبٌ |
| طواه ظلامٌ حولَه.. وأثيرُ |
| تخبطَ فيه مدعي الفهمِ... والنُّهى |
| وحاربَه مَنْ ليسَ عَنْك يحيرُ |
| تضاربتِ الأفكارُ فيك، وخيرها |
| له فيك أنس وهو عنك نفورُ |
| سكتّ وقد مالَ السرى برجالِه |
| وأثخَن فيهمُ والسبيلُ وعورُ |
| وعرّض فيهم بالأذَى كل سادر |
| يعورُ بما أطعمته.. ويخورُ |
| فهل لك في الصمتِ الحليمِ مشيئة |
| يكونُ بها للصابرينَ سرور! |
| * * * |
| أبا حسنٍ إن الجحورَ تنفّستْ |
| فكمّمْ.. وقيّدْ.. إن حزمَك سورُ |
| فما هذهِ الأحياءُ، إلاّ زواحفُ |
| بسرِّك للدنيا.. وأنتَ حَذُورُ |
| وظنك بالأيامِ والناس عثرة |
| إذا لم يكنْ صدقٌ هناك وفيرُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ، ما قصةُ الثورِ في الدُّجى |
| على أخدعَيْهِ من صنيعِك نِيرُ؟ |
| ترنّحَ مخموراً.. وشدَ حزامَه |
| فقالتْ له المرآةُ أنتَ هصورُ |
| فلوّح تحتَ السقفِ -عُجباً- بذيله |
| وطَال له فوقَ البساطِ نعيرُ |
| وكشّرَ عن أنيابهِ لجليسهِ |
| أكانَ مُنَاهُ أنْ يُقالَ عقورُ؟ |
| بلى يا أبا الأدغالِ منزلُك الشرى |
| وعيشُك فيه ما استكنت نضيرُ |
| ومربطكَ الحانِي عليك خميلهُ |
| نعيمٌ.. وضوءٌ باهرٌ.. وزهورُ |
| وقُوتُكَ مطروحٌ حواليكَ جمُّهُ |
| وثَوْباكَ فيه عبهرٌ وحريرُ |
| ومغناكَ مغنَى (الضارياتِ) تزينها |
| عقودٌ على لباتِها وشذورُ |
| وأنت به في غيرِ جهدٍ وهمةٍ |
| غنيٌ، ومن بأسِ السباعِ فقيرُ |
| وأن ظلالَ الأمنِ عاليةُ الذُّرى |
| يروحُ بها للناعقينَ زئيرُ |
| ويكبرُ فيها ابنُ اللباةِ بأنه.. |
| براقٌ ببابِ العزِّ، وهو أجيرُ |
| ولكنها الحقلُ الذي ينبتُ الأسَى |
| وإن كان يُغني جَائعاً ويميرُ |
| ولكنها السجنُ الحفيُّ بضيفِه |
| تُرى مُطلقاً فيه، وأنتَ أسيرُ |
| ولكنها دوامةٌ لا يخوضُها |
| بذي أربعٍ.. سيارةٌ.. وسريرُ |
| ولكنّها التّيه الذي لا يجوزه |
| براكبِ رَحْلٍ، ناقةٌ وبعيرُ |
| ولكنّها أرجوحةٌ أنت فوقَها |
| لِمجلسِ طلاّب المتاعِ سميرُ |
| ولكنها في سنّةُ الغابِ سبّةٌ |
| يُذَمُ بها بينَ الليوثِ فخورُ |
| بلى يا بن خُوصِ الغابِ مسراك جدولٌ |
| بروضٍ، ومسرَى الكبرياءِ بُحورُ |
| تمورُ بأخطارِ الصراعِ وترتمِي |
| وليسَتْ بأحلامِ الأمانِ تمورُ |
| عرفْنا عوادِي البحرِ قبلَ ركوبهِ |
| ولكنَّ موتَ الخالدينَ.. نشورُ |
| تطيحُ الصواري في الرياحِ وتنطوي |
| فتنهضُ في أعقابِهن بذورُ |
| وتُضْرَب أمثالُ النضالِ لأهله |
| ويُعرِضُ عنها هازِلٌ وكفورُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ ماتَ الزمانُ وأهلهُ |
| ولم تبقَ إلاّ أحرفٌ وسطورُ |
| دعونَاك للكأسِ التي أنتَ كفؤُها |
| وذكرُكَ فيها نشوةٌ وعبيرُ |
| وما ينكر القلبُ الشجاعُ مكانَه |
| ولو أنّ عُقْبَاه ردىً وثبورُ |
| أهابَ -فَلبيْنَا- الجهادَ بما اقتضَى |
| وما زالَ يلغُو ناصحٌ.. ونذيرُ |
| وها نحنُ في الزحفِ العنيدِ طليعة |
| رسا أُحدٌ فيها.. وقامَ ثبيرُ |
| وفي الوطنِ المطلوبِ حقاً وعزةً |
| عزائمُ من أحرارهِ ونذورُ |
| جرت وجروا في ظلمةِ الصبر والأسى |
| تمزقُهم عبرَ السنينِ دبورُ |
| وقد آنَ أنْ تقضِي العداتُ ويلتقي |
| بظلِ حراء زائرٌ.. ومزورُ |
| وإنّ لنا يوماً.. كيومِ محمدٍ.. |
| له في تخومِ المسجديْنِ جذورُ |
| تخرُّ به الأصنامُ صرْعى ذميمةً |
| تدل على عبّادها وتشِيرُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ وثقت فامْضِ مُبكراً |
| فابعد مرمى خطوتيْك بكورُ |
| لأيقنتَ أنَّ النصرَ عاقبةُ السرى |
| وأن رؤوسَ الظالمينَ جسورُ |
| وأن الجهادَ الحقَ في اللَّهِ عزمةٌ |
| لها من صدَى الإجماعِ فيك بشيرُ |
| وإن حديثَ الخالدينَ مواقفٌ |
| لها بينَ أسفارِ الخلودِ هديرُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ فاضَ الحنينُ بمكةَ |
| إليك فهلا، والحنينُ سفيرُ |
| فقد تهنُ النارُ التي أنتَ مضرمٌ |
| ويسكنُ وقدٌ في الدماءِ يفورُ |
| وإني أرى للنيلِ فيكَ فراسةً |
| وأنتَ على استبطانِها لقديرُ |
| فخَضْخِضْ رمالَ العدوتيْنِ لتنتهي |
| إلى سره.... إن الحكيمَ سبورُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ ناءَ الرعيلُ بوجدِه |
| وأعداه من صمتِ الدليلِ فتورُ |
| أيجمدُ والأيام تَركضُ تحتَه |
| وصوتُ الأَسى والواغلينَ جهيرُ؟ |
| يراك على ضوءِ الأناةِ فيرعَوِي |
| وتقْلِقُه أبعادُها فيثورُ |
| وللصبر بينَ الهوّتين نهايةٌ |
| تغيضُ انطلاقاتٌ بها وتغورُ |
| إذا فلّ صَبرُ المرءِ حَدّ مضائهِ |
| فليسَ ثناءً أنْ يُقالَ صبورُ |
| وإن لم يعِرْ في موقفِ الضنك نخوةً |
| فأشنعُ وسمٍ أن يُقالَ غيورُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ للعتبِ عندَك قدرهُ |
| فأنتَ لما أنكرتَ منه غفورُ |
| وعتبيْك إبقاءٌ، وصدقُ مودةٍ |
| تُبين شكاةٌ عنهما وزفيرُ |
| أرانا ظماءً -في الظماءِ- فهل لنا |
| غداً في شِغاف الأخشبين غديرُ؟ |
| جراحٌ طوتْها عنك سراً فما اشتكتْ |
| قلوبٌ تعانِي حَرّها وَصدورُ |
| يُلِمُّ بها الآسى الضنينُ مواسياً |
| ألا ليتَ رمضاءَ العزاءِ تُجيرُ؟ |
| وليتَ الذي شَب الجراحَ بما جنَى |
| يردُّ عليها البُرءَ وهو نزيرُ |
| وليتَ حقولَ الجهدِ والجدِ أثمرتْ |
| وليتَ أعاصيرَ الكفاحِ عصيرُ |
| وليتَ الهوى يجزي، وليت المُنى تَفِي |
| وليتَ أكفَّ الباسمين ثغورُ |
| وليتَ عيونَ الحاسدينَ مواردٌ |
| لنا، وقلوبُ الشامتينَ هجورُ |
| يظن بنا الهانونَ مثل هنائِهم |
| لأنّ سحاباً يستقوُن مطيرُ |
| ولو عرفوا مَاذا لَقِينا مِن الهوى |
| لما افترّ منهم للحياةِ غريرُ |
| غداة لنا في كل مطرحٍ صبوة |
| فؤاد بما ثَلَّ الوفاء، كسيرُ |
| نثوبُ إليها ذكريات وماضيا |
| مطارح أحلامٍ لنا، وعشيرُ |
| وعهدٌ.. طعامُ الجائعين بظلّه |
| حلال، وري الظامئين طهورُ |
| * * * |
| أبا حسنٍ إبق المودة ﺇنها |
| مبادئُ ما لانتْ لهن صخورُ |
| مبادئُ أمضتْها إليك عقائدُ |
| يسورُ بها إيمانُها فتسورُ |
| وتلبس فيك الليل والويل والضَنى |
| وذلك منها في هواكَ يسيرُ |
| جفت ما جفت والكبرياءُ جهادُها |
| وعادتْ على نجواه وهي نميرُ |
| إلى بلدٍ تغدو الحياةُ به سدىً |
| إذا غام إيمانٌ بها وضميرُ |